امبراطورية الشمس

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

 ظلّ الطفل يوسف ذو العشر سنوات حزينًا وصامتًا؛ لسفر والده , الذي يعمل في الإمارات، لا يخرج من حجرته، بين اللعب علي التابلت، أو مشاهدة أفلام أو ممارسة ألعاب games علي اللاب توب، وإذا حضر أصدقاء الجيران لطلب اللعب معه أو يرافقهم للعب ماتش كورهيرفض ، رغم أنه  يعشق الكوره، ولها ملابس رياضية  وحذاء رياضي شهير Star يضعه في أحد رفوف الدولاب؛ لارتدائها فقط في لعب الكرة أثناء الذهاب إلى النادي.

    جاءني علي غفلة في غرفتي، بنداء ملح.. ماما.. ماما.

    قلت بلهفة.. نعم حبيبي..

   

احتضنني بعد أن قبلني، فاحتويته سريعًا، وظل قابعًا في أحضاني حتى قال بحزن: نفسي أكون عصفور، وأطير لأي مكان بسهولة , وأموت بسهولة كمان , رفعته من أحضاني، وأمسكت ذراعيه بيديّ بقوة، وعينايّ تواجهان عينيه , وقلت بحنق وغضب :

– اوعى تقول كده تاني.. بعد الشر عليك.. أنت حياتي يا يوسف، ازاي أعيش من غيرك وهززت جسده بكلتا يديّ بعنف قصدته قائلة :

– فاهم.. أنت قلبي وروحي وعقلي.. اوعى تقول كده تاني.. أزعل منك

ترك يدي وجلس بجانبي هادئًا وديعًا قائلا برجاء :

– ماما ممكن نلعب كوتشينه ؟

– طبعًا.

وتابع قائلا ببراءة:

– ماما مكن نخرج نتفسح.

    وقلت بعجلة..

– طبعًا.

ولم يكن لدي فكرة عن أين نذهب، أو ماذا أفعل بالضبط؛ لأواجه ضيقه وحزنه؛ لسفر أبيه وشعوره بالافتقاد حتى قفزت فكرة دون مدلول لها في الواقع، أن أستطيع تمامًا إنجازها على نحو صحيح، وقلت بحماسة مفتعلة :

– أيوا ح نروح عند خالتك في البشاير.. نتغدى ونلعب مع معاذ وخالد براحتك وبعدين نروح بعربيتها لهايبر أو المرشدي أو سيتي اسكيب.

قفز هو الآخر بفرحة غامرة، وقال مبتهجًا:

– صحيح أنا بحبهم قوي، وعندهم ألعاب جميلة قوي..

كانت أختي الصغيرة تقطن مثلي في مدينة 6 أكتوبر في حي البشاير المميز بالحي الهادئ والمنظم، والمورق بالخضرة والأشجار العالية، كأنك تهم أن تدخل منتزهًا جميلاً بانتشار الأخضر على الجانبين ووسط العمارات الجميلة الطراز، كل عمارة إما لديها بواب، أو كونتر، ممنوع دخول أي أحد غريب، وانتشار الأمن بها، والمحلات الكبيرة الراقية، وبارك للسيارات، ومساحات واسعة من النخيل والحشائش للعب الأطفال.

شعرتُ بتأنيب ضمير، لما قررته، دون أن آخذ رأي أختي، التي ربما تعتذر أو لا تكون موجودة غداً أو لأيام؛ فلها شقة أخرى في محافظة القاهرة عند أهل زوجها في حدائق القبة، وكثيرًا ما تذهب إليها للزيارة  أو للاستجمام وتغيير الجو، وشراء ما تريده من محلات تفضل الذهاب إليها، لتنوع المعروضات والموديلات، وأسعار معقولة عما توجد في مدينة أكتوبر كما تدعي قائلة بحزم :

– مافيش أحلي من حاجات تحت في السعر والجودة.

    وتحت أي محافظة القاهرة ومناطقها المتعددة، باعتبار أن مدينة 6أكتوبر بعيدة نسبيًا عن محافظة الجيزة، والقاهرة فيطلقون تعبير تحت على محافظة الجيزة والقاهرة.

    كان لابد أن أواجه الموقف بأي شكل، وهاتفتها مباشرة، استحلفها بالله أننى وعدتُ ولدى بتلك الزيارة، ولا يصلح إطلاقًا أن ترفض أو تعتذر بأي أعذار حتى لو كانت ضرورية. لكنها بكل سعة صدر، وحنو بالغ قالت برفق وهدوء:

– لا يا حبيبتي تنوري إنت وحبيب قلبي وابني التالت.

    أخذنا التكتك إلي منزل أختي في الحي الراقي في الموعد المحدد للقاء وصعدنا السلالم الرخامية وضغطنا علي الكونتر رقم 504، وجاء الرد على الفور بفتح البوابة الحديدية الضخمة، الفخمة، عند دخولنا البهو الواسع الرخامي المؤدي إلى السلالم ؛ حيث تقطن أختي في الدور الرابع؛ كل دور به أربع شقق، وأول ما دخلت، ضغطت على «كبس» لإضاءة النور؛ فرغم أننا كنا ما نزال في الرابعة عصرًا، إلا أنّ المكان كان معتمًا بعض الشيء، وفجأة نظر يوسف إلى اللمبات المنتشرة في السقف المزخرف والمضاءة، وأوقفني يسألني باستفهام واستفسار:

– ماما هي اللمض دي بتتحرق ازاي.. اللي بتولع بكبس واحد شعرت بالمباغتة، وتوقفت فعلا عن صعود السلالم، وسكت ثم قلت بنصف ضحكة تعجبًا للسؤال.

وأسرعت ببديهية أجيب بفذلكة :

– أول مرة حد يسألني السؤال ده.. يعني..

فأسرع يوسف يقول :

– يعني اللمبة المحروقة هنا، يغيروها كدا زي اللمض العادية بتاعتنا..

    واستعدت توازني، وسرحت بخيالي، الذي يلهمني إياه خيال يوسف فقط

– لا يا حبيبي أبدًا، اللمبة المحروقة بتنزل لوحدها.

– ومين بيفتح لها الباب يا ماما..

– بتستنى لما حد يفتح الباب، وتخرج يا يوسف، وتروح الجنينه، اللي جنب البيت وتقعد في الجنينه.. ويجي الجنايني يرش عليهم ماية.. والجنايني يشتمهم يا ولاد الكلب، قاعدين في الجنينه ليه.. قوموا روحوا البيت.

– بس دي قصة للأطفال يا ماما.. ما ينفعش نشتم كده.

أضحك عاليًا، وقد بدأنا نصعد ببطء، وقد انشغل تمامًا بإتمام الحكاية :

– لأ يا يوسف ماهم أطفال ناضجين وأذكياء زيك.

– طيب والجنايني ح يعمل إيه معاهم؟

– يرش عليهم الجنايني مايه تاني ويقولهم

– يالا اجمدوا علشان تنوروا.

– بس الشمس العظيمة تيجي وتقولهم.. ماتزعلوش، ما تزعلوش أنا أنشفكم وتديهم شوية نور علشان ينوروا.. وما يبقوش محروقين، ويرجعوا ينوروا.

ويضحك يوسف، ضحكاته المتكررة، طويلا، طويلا، قائلا بفرح غامر:

– دي قصة جميلة قوي ياماما لما أروح أرسمها في الاسكتش بتاعي.

***

مقالات من نفس القسم