في هوى الشاعر/الإنسان أو بين معارج الروح ومهاوي الجسد.. قراءة في ديوان “عرفت هواك”

عرفت هواك
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

محمد العمراني

 صدر مؤخرا عن دار سليكي أخوين بمدينة طنجة (المغرب) الديوان الشعري الثاني للشاعر المغربي علي أبوعارف الورياغلي، ويقع العمل في مائة وخمس عشرة صفحة من القطع المتوسط، بعنوان هو: “عرفت هواك”. وكان الأستاذ الورياغلي قد أصدر ديوانه الأول “هزائم داخلية” عن نفس دار النشر سنة ألفين وتسعة.

 ويبلغ عدد قصائد هذا الديوان الجديد ست عشرة قصيدة جاءت عناوينها كالتالي: 1_سيرة شاعر2_هناك أكون كما أشتهيني3_إذا ما نظرت4_إن رأيت5_عرفت هواك6_يا صاحبي7_يا لائمي8_ يا قاتلي9_أنا لست إلا10_عيون الكلام11_لماذا ستبكي علي السهام؟12_قارب الروح13_نسيم الوصل14_كأس مالك15_دين الورد16_كأس ليلى.

 وعن هذه التجربة الشعرية يعلن علي أبو عارف الورياغلي في نص ثبت على ظهر الغلاف: “.. وهي تشكل تجربة شعرية وفنية وعاطفية متكاملة ومتناسقة، يتداخل فيها الروحي والمادي إلى حد التماهي، ويتأرجح العشق بين النقاء الصوفي، والوقوع الجسدي المادي…”  

ويضيف متحدثا عن بناء نصوصه الشعرية: ” وعلى مستوى الشكل، يمكن اعتبار هذا الديوان قطيعة نهائية مع تجربة الديوان الأول (هزائم داخلية)، حيث تم التشبع بموسيقى الشعر العربي وأوزانه، واعتبار القافية محطة نفسية وفنية. وقد تم اعتماد مقاطع رباعية متجانسة مستقلة بذاتها أحيانا، أو مرتبطة بما بعدها معنويا، مع التدقيق في اختيار اللغة، وشحنها بالجناسات كمكون موسيقي أولا، وأخيرا.”

 وبقدر ما يمنحنا الشاعر في هذين النصين فكرة عن تجربته الشعرية الجديدة وخصوصياتها، بقدر ما يغرينا باقتحام عوالم نصوصه تلك وتبين حقيقة ما تحدث عنه. ولعل أول ما يطالع القارئ في مسعاه ذاك هو عتبة عناوينها، والتي نسجل فيها ملاحظتين:

 وتتعلق الأولى بالحضور البارز لضمير المتكلم: “هناك أكون كما أشتهيني 3_إذا ما نظرت 4_إن رأيت 5_عرفت هواك 6_يا صاحبي 7_يا لائمي 8_ يا قاتلي 9_أنا لست إلا”، مما يدفعنا إلى افتراض مفاده أن الذات الشاعرة ستسعى للإفصاح عن ما يشغلها في متون تلك القصائد. وهو ما لا نراه معيبا بالمرة، فأن يلتفت الشاعر إلى نفسه في شعره ويبوح للقراء ببعض ما يخالجه من مشاعر، هو مما عد يوما مطلبا أساسيا بنت عليه بعض حركات الشعر العربي الحديث مشروعها التجديدي.

أما بالنسبة للملاحظة الثانية فهي ذات صلة بصيغ العنونة تلك ودلالاتها، إذ هي تحيل إلى قاموس العشق والعشاق كما عرفناه في تراثنا الأدبي والشعري القديم:عرفت هواك _يا لائمي_ يا قاتلي _نسيم الوصل _كأس ليلى…

وهكذا تتساند عتبة العنوان مع عتبات النصوص الموازية الأخرى ( النصان اللذان أوردناهما أعلاه) في تسهيل ولوجنا إلى عالم الديوان، محفزة إيانا على استدعاء رصيدنا المعرفي السابق في موضوعة العشق والتسلح به في قراءة قصائد الشاعر علي أبو عارف.

وبعد تجاوز سؤال العتبات، نلج عوالم الديوان أخيرا، وفيه ونقرأ من نص “عرفت هواك”:

أهذا هو القرب

أن تدمع العين

حين تغيب

وحين تراك…؟

وإن الفراق مسافة

وإن العناق مسافة

وأنت البعيد القريب

كأني ظل خطاك

لأني إذا ما نظرت إلي

فإني أراك

فلست سواي

ولست سواك…

فكيف أشيح بوجهي

كأني شبعت وصالا؟

أنا من تراب يموت

إذا ما جفاه ضياك

………

هذا إذن مقطع من القصيدة، وفيه يعلن الشاعر عن نفسه عاشقا متيما، يطلب الوصال من حبيبه الذي شغفه حبا، محلقا بتعبيره في عوالم العشق العلوية كما عرفناها عند شعراء بني عذرة وغيرهم من كبار العشاق الذين عرفهم التاريخ العربي القديم.

لقد ملك المحبوب على الشاعر قلبه وروحه لدرجة لم يعد يقوى فيها على الصبر والمقاومة، فعذابه أمر واقع وثابت لا فكاك منه؛ سواء ابتعد الحبيب أو اقترب. كما أن الأمر في هذا العشق لم يعد متصلا بعلاقة بين اثنين، بل هما واحد، بعد أن تداخل الجسمان واتحدت الروحان، فكيف يستغني المرء عن نفسه؟

لأني إذا ما نظرت إلي

فإني أراك

فلست سواي

ولست سواك…

ويبدو النفس الصوفي حاضرا بقوة في هذه القصيدة كما في غيرها من قصائد الديوان، وكأن المحبوب الذي يتحدث عنه الشاعر ليس إلا بارئ الأكوان وسيدها سبحانه وتعالى، تؤكد ذلك عبارات من قبيل “فلست سواي ..ولست سواك..” والتي لا يخفى فيها استدعاء الحلاج وحلوله. وهو في ذلك يعتمد الإشارة بديلا عن العبارة في نقل ما يجده من لوعة العشق وتباريحه.

 أما عن لغته في الديوان، فيحرص الأستاذ أبو عارف على انتقاء مفردات قصائده بعناية شديدة؛ يسعفه في ذلك رصيده اللغوي الكبير الذي راكمه من قراءاته وكتاباته على امتداد أكثر من أربعة عقود. وهو يقترب في هذا الحرص وهذه العناية الشديدة بأمر المعجم من عمل الصانع التقليدي، إذ يعمد إلى رص الكلمات إلى بعضها رصا؛ بما يناسب المعنى واختياراته الكتابية من جهة، ثم بما يجعلها محققة لإيقاعية القصيدة وموسيقاها، والتي يظهر كلفه بها هي الأخرى جليا للقارئ.

هكذا تتعدد وتتنوع مداخل قراءة قصائد هذا الديوان الشعري الجديد للشاعر المغربي علي أبو علي عارف الورياغلي، والذي أجده جديرا بالقراءة والاهتمام. ولأن الهدف من هذه الورقة كان التعريف بالعمل وتقريبه للقراء، فإن النية قائمة في العودة إليه بشكل موسع في قادم الأيام بحول الله.

…………..

* كاتب من المغرب

مقالات من نفس القسم