“القطيفة الحمراء” لبهاء عبد المجيد.. السرد من منظور أُحادي

القطيفة الحمراء
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

د. عفاف عبد المعطى   

تعرفت على نصوص الكاتب بهاء عبد المجيد -مع حفظ الألقاب- فى عام 2001، حين ظهر نصه المثير للجدل آنذاك “سانت تريزا- دار شرقيات ”  حيث بدا اتجاه  الكاتب مختلفا عن نصوص مجايليه، ثم استمرت نصوص عبد المجيد تتوالى ومنها ما تم ترجمته الى اللغات الأخرى، ثم  يصدر الآن روايته ” القطيفة الحمراء – منشورات ابييدى 2020″.

مجموعة كبيرة من المشاهد القصصية تضمها دفتا الروايةـ كلها مشاهد أسيرة لرؤية الراوى، وقد اعتمد الكاتب على التراكمية التجميعية لأكثر من حدث وفي أكثر من مكان وفي أزمنة مختلفة، ولما كانت الرؤية السردية من مكونات السرد أو النمط السردي -إن صحّ التعبير- ترتبط بالدرجة الأولى بنظرة الراوي الذي يروي الحكاية وينقلها للمروي له، وبناء على وجهة نظره أو زاوية النظر التي ينظر منها إلى الحكاية يظهر إلى أي نوع من أنواع الرؤية السردية تُنسب حكاية النص حيث الوظيفة الوصفية، التي يقوم فيها (الراوي الذاتى) بتقديم مشاهد وصفية للأحداث، والطبيعة، والأماكن، والأشخاص وهو يعلم كل ما يدور في ذهن كل شخصية من شخصيات الحكاية، ويدرك من الحكاية ما لا تدركه أي شخصية أخرى في القصة ويغلب على النص الرؤية بضمير المتكلم. وعبر السرد الذاتي بهذا الأسلوب يتتبع القارئ الحكي أو السرد من خلال عيني الراوي، ووجهة نظره ومشاعره وعواطفه.

حسام الراوى يبدأ بفتح ملف لكل شخصية ولا يفوته أن يضع لكل منها تاريخا وسيرة وملفا توضيحيا عندما  يسرد عن أخوته – كثيري العدد – وعن أبيه العاشق لعبد الناصر والمبرر لكل أخطائه حتى نكسة 67

فالراوي يسرد بهذا الأسلوب معتمدًا على رأيه وفكرته وشعوره حول أحداث القصة وشخصياتها وتتطوراتها، ويُلحظ في هذا الأسلوب غلبة ضمير المتكلم، دون أن يلجأ الكاتب إلى ضمائر أخرى حيث بإبراز بعض ميزات أو عيوب الشخصيات وأبعادها الجسمية والنفسية والاجتماعية ذات العلاقة بالرواية. هذه الأبعاد متداخلة فيما بينها يؤثر كل منها في الآخر ويتأثر الراوى بها مثل مرحلة الجامعة وتباين الزملاء فى الرؤية التى يرون بها “حسام/ الراوى ” خاصة  من أرادوا أن يصهرونه فى نسيج الاخوان المسلمين بينما يلتف حوله الزملاء بنين وبنات ” محاولة ان انضم الى جماعة الاخوان المسلمين فى الكلية باتت محالة بائسة لأننى لم أكن نموذجا بالنسبة لهم ” (ص150).

فى رواية القطيفة الحمراء للكاتب بهاء عبد المجيد يعتمد الراوى على الاسترجاع التام وهو مصطلح علق ببداية الحكاية دون انقطاع لسرد الراوى كما يتصل ببداية الحكاية دون انقطاع سردى وهذا المصطلح يجسد استعادة الكاتب التامة لذاكرة النص خاصة وصف الشخصيات الذى شكّل به معظم نصه. ففى الجزء الأول من الرواية ” نوافذ وملائكة ” عبر سجل التاريخ البرىء الذى وصفه الراوى بإسهاب بدء من الأسرة كبيرة العدد ” الأب والأم وثلاثة صبيان وبنتين بعد حيل الابن الصغير حسن الذى ظلت الام تتحسر عليه ” كان زمانى عندى اربع صبيان وبنتين ” فى الجزء الأول البطل هو المكان شبرا الحى العريق المزدحم المعادل المكانى لتلك الأسرة، الأب العاشق لعبد الناصر ” كان أبى يؤمن بعيد الناصر ويراه مثله الأعلى فى الحياة ويقول نصير الغلابة والققراء أول العام الدراسى يوزع علينا الزى المدرسى وفى الشتاء يمنحنا الكستور والكساء الشعبى ( ص 14  ) الأب الذى يحب الأم أحلام ويشعر أنها كل شئ بالنسبة له.

يستطرد الراوى فى الوصف عن الأسرة الكبيرة النازحة الى المكان الذى ظنوه الأهرامات  ولما رأوا الماء اعتبروه النيل لكنه فى النهاية كان قرية قريبة من قصر قارون فى الفيوم.

بين الجد وحياته فى الفيوم وعشقه لهنية وزواجه لها على الجدة وبين حى شبرا حيث يقدم الراوى اسهابا تفصيليا ويصول ويجول فيه لإحياء العلاقة التى كانت سوية بين الأقباط والمسلمين فيصبح البطل هو المكان (شبرا ) الحى العتيق الذى يستوعب اللحمة الوطنية القبطية / المسلمة التى من الصعب تجاهلها أوالتجاوزعن التضافر فيها آنذاك.

يتلقى القاىء فى معظم النص لغة الراوى التى تجنح الى الحسرة على ماض ثم الواقع غير المرغوب بقدر كبير فيقرر الراوى ” قدمت حياتى قربانا لأحصل على الرضا والبركة، فلم أجد غير رائحة البخور تعبق المكان، عشت الحياة ضحية وسأعيش المستقبل أكفر عن جرمكم معى (ص153)  وكأن الراوى يصف ما آل اليه بعد أن فاض الوصف فى الجزئين الأول ” نوافذ وملائكة ” والجزء الثانى ” مصائر ونجوم الأب ” عن مجموعة من العلاقات أكثرها شائك سواء كان أسريا أو اجتماعيا، برزت فيه صورة المرأة والجد، الجد بدوره الممتد فى الأسرة ومنها الى خارجها والجدة المتحسرة على الزيجة الثانية والأم المكافحة لسد فجوة تقصير الأب والأب الغارق فى أحلام الاشتراكية (وقد ظلمه السرد كثيرا ففكرة حلم الأب والاقتداء بعبد الناصر وتأليهه التى لا يزال عليها كثيرون من انصاره حتى الآن كان لابد من اسهاب  السرد وخدمته لها، لكنها فكرة ابتسرها الراوى الذاتى وعرج عليها سريعا.

وفى النهاية نحن امام راوي ذاتيا لمشاهد قصصية كتبت بخبرة الكاتب بهاء عبد المجيد السردية التى امتدت لربع قرن وكأنه يقدم مرثية من الذكريات عبر الراوى الذاتى عن نفسه  بين طيات النص  ” شعرت بالوحدة الكاملة لا حبيبة تؤنس وحدتى ولا صديق يقف جوارى، كنت مثل آدم الأول بعد غضب الرب يمشى وحيد فى جنة كاملة يعلم أنه سيغادرها الى مكان لا يعلم ما هو (ص 161) لتنتهى الراوية بالجزء الرابع ” لم ترض الآلهة بعد ” حيث المرثية ليست للراوى الذاتى على نفسه فحسب، بل المرثية للوطن أجمع إبان الحدث الجلل 25 يناير الواقع متجسدا فى الجميع والفعل الثورى وبين رثاء الراوى الذاتى وتذكره  للأب  الذى اعتاد أن يمجد جمال عبد الناصر ويقول ” صنع لنا كرامة بين الأمم وضاعت بسبب أخطاء أشياء كثيرة ” (ص 223)  وكان الصراع وعدم الرضا عن الاشياء أو الحياة فى مصر هو السائد بين الجميع وفى الشارع (ص229) تلك كانت مرثية الراوى لمصر بشهداءها وقد نقل الراوى أحداث 25 يناير نقلا تفصيليا مصورا من عاشو شظف العيش فى القرى المهملة وكادوا يهلكون بسبب الجهل والفقر والمرض، أما مرثية الراوى الذاتى الشخصية فهى عن الحياة الاسرية مع زوجة لا تُقدر كونه مبدعا والتعايش الاسرى من أجل الأطفال. ليظل فعل الاسترجاع التام والتذكر هما الطاغيان على الرؤية السردية الأحادية للراوى الذى يختتم النص ” هذه قصتى.. المادة الأولى للإنسان، هى قصة جدى وأبى وقصتى محاولة لاستعادة تاريخ ربما يعيد لنا هويتنا بعدما فقدناها.     

مقالات من نفس القسم