ما بعد الحداثة.. حيث نكون!!

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

حميد الشامي*

هناك الكثير من المفكرين, الكتاب أو الباحثين من الذين  تناولوا موضوع "ما بعد الحداثة" بمقاربات متفاوتة ربما..علمية بحثية أو حسية شعورية ..الخ

لكنني هنا سأقول وجهة نظر "كاتب" لا يعنيه كلا المفهومين ,أكثر من انتمائه لــ"لإبداع" أيا يكون هذا "الإبداع " ما يهم في الأمر , وهو رقي هذا الإبداع ومغايرته لسائد مكرر أو ممل

لذا ابدي إعجابي الكبير "بــما بعد الحداثة " هكذا..

يمكنني اعتبار  “جرعة تكميلية” في بلورة الارتقاء الحضاري وصقل الذائقة الجمالية الكونية ,ابتداء ب”الفلسفة القريبة من الفعل والتخمين” كطريقة وفن عيش حتى الأدب والفن وبينهما يكمن الهام الإنسان في تنوع حياته واختلافها وثرائها في “التلقائية” والانجاز ..

 وقد أسيء  لما بعد الحداثة بوصفها احتجاجا على منجزات يفترض أنها “حداثية” وتعتبر من البديهيات الحضارية  “كقوانين حقوق الإنسان” والتطور في التكنولوجيا والعلوم وأدوات الإبداع والكتابة ورفاهية العيش..الخ ,هذه منجزات إنسانية بديهية أنتجها “العقل البشري” بما هو أكثر من النظريات والتفنيد ..أنتجها لأنها مآله لوجود أفضل ..ومسار نحو الممكن ,

وهذا تعميم ساذج بوصف ما بعد الحداثة بأنها مجرد “سخط” على “الحداثة” لأن هذه الحداثة كما يقولون لم تقمع توحش الإنسان وتحمي العالم من تكرار الحروب والكوارث وهذا مفهوم يتناقض كليا مع مفهوم ما “بعد الحداثة” او هكذا أظن حيث أن ما نشيتها العريض ” لا محدد” بكل وجودنا,,ورغبات الإنسان مفتوحة وتحترم منها ما يجلب “السعادة بانفتاح أخلاقي فاتن للجنس مثلا ,الذي هو ديدن السعادة الإنسانية الأكثر تأثير’ ثم انسيابية العواطف ” بينما يُقرئ ما يضر ويصنع الخراب  من رغبات وغرائز “بصفه جمالية فقط في المعطى الإبداعي المحكي والمروي والمثير للتأمل ” كرغبة الإنسان للعنف أو الانتقام,بيد أنها لا تعني الرومانسية بحس مرهف تجاه مفاهيم محدده وضيقة لذات الحياة والإنسان وما بينهما ..فعلا هذا الوجود في الأخير إن يخلق مقتضيات وجوده دون الحاجة لنظريات وروابط تفسد قيمة “الرؤى والابتكارات”.. فثمة انعكاس صادق على الأرجح لوقع السمع أو النضر أو الحواس بكل شيء وهذا يتبلور بمنتجات “الفنون-الآداب”

فكيف تفترض منجزات كلية “لكل شيء” بتحديد غرائز الكائنات والطبيعة وصيرورتهما معاً وهي مجرد سيرة مفتوحة لكل شيء تقريباً..

لاسيما بأنه ليس من الإثارة او الديمومة  إن نشرح الأشياء قانونيا في قراءة الحياة جميعها..

ما بعد الحداثة من وجهة نظر فائضة عن كل المسلمات الجيدة والسيئة ..من السائد ,من هلامية المستقبل ,من سطوة الحاضر , ومن مطاردة الماضي ,,

تكمن في الماهية المرئية وغير المرئية لهذا الممكن الأشد رهافة وموازاة لكامل الوجود :

الآداب..الفنون ,عندما نفقد تجردنا من النظريات ,من صيرورة لا نهائية لشمولية “التعريف” وتظل “ما بعد الحداثة ” مكمن شرح ,لا قواعد وبنود أو شرط/ أنني اعرفها “كشاعر” يقف به شغفه كمكمن لهذين المفهومين “هي “قارئي” فحسب ,في ضل اضمحلال مفجع لهذين الوجودين وما بهما.. في العالم العربي المتقوقع بذائقة ونتاجات أبداعية تثير الملل والغثيان حيث توقف بها الزمن..نتاج  الشمولية التي تقمع المبدع ,وهي السلطات بكل أنواعها ,من العقائديات والأيدلوجيات  حتى الذائقة.

حيث يلهث المبدع خلف شهره تكسبه رضاء وقناعات جمهور “اجتماعي” مزيف ومؤسسات رسمية ,,يكرس من خلالهما كمثقف وطني عبر أدواتهما الإعلامية, ينال بموجب ذالك المناصب والامتيازات الضوئية !!

..

وهنا الأهم..

أننا نتجرد من المعرفة لحظة الكتابة التي تتأتى على شكل صدفة  لمرور الأشياء بنا أو مرورنا بها ..أو هكذا نفعل/فما الذي تفعله “ما بعد الحداثة” هنا.. أنها “القارئ” كما أسلفت ..القارئ الذي نحلم ..قارئ كنحلات تتلمس اثر الزهر واستدامة الفرح بتهجي أثره..قارئ لا يهمنا في الحضور أو الغياب ..

هنا تشرحنا ما بعد الحداثة بثيمات واضحة للبقاء كون هذا ديدنا الوجودي :الأدب..الفن /أنها تبلور الممكن ألمفهومي لنظرتنا “الفعل” للحياة ,للسعادة ,للانتماء المتنوع ,للمشترك الرغبوي “متاح أو متخفي” للتدبر, للتمايز, للممكن ,وللنهايات أيضاً.

لسبب بسيط فحسب .. أنها تنظر من خلالنا  وتقول :ها أنت  تكون ما لا أعرفه تماماً  وأحب..

..

تكمن القيمة العظمى  لما بعد الحداثة ومفهومها للأشياء ,,كثيمة كبرى لحاضر الإنسان المبدع /المثمر/المختلف /الساحر/وربما المنتحر لاحقا

بكونها هي نفسها لا تحدد شكلها النهائي  في الواقع..

مثلا لننظر:في الارتباكات والقناعات المفتوحة لدى المنظرين الأكثر جدلا لها وضدها,مؤسسات أو أفراد فتارة هي الأشياء ببساطة لا تخفي التسطيح , وتارة هي الغموض والهلامية دون طائل

..

لكنني افهم ما بعد الحداثة هكذا/ ليست تسطيح لقارئ لا يفهم

ولا عمق عقيم ومستنبط من الانتباه  لسابقون ولو من باب المحاكاة لتجارب عظيمة

هي التلقائي لا الرتيب المستحضر عنوة /الصور المبتكرة بخيال متوقع أو حدث/بلغة رفيعة ومنتقاة أو هامش كثير الزهو ..أو هي أي شيء آخر أيضاً!!

ما بعد الحداثة بنفس الصورة السالفة من زوايا كثر ..هي المتاح الذي يتطفل على أفعالنا بعذوبة ويبتكر لأجلها التسميات التي لا ننكر..بمعنى المقاربة المباشرة لمفهوم الذائقة المرتجاة المفتوحة.. من نشاط والمعية المتلقي ..لفيلم /للوحة /لنص/لحكاية/ لموسيقى..كأنما تؤكد فتنة الحضور فحسب/الأدب لأجل الأدب..الفن لأجل الفن/ ولا تقل هذا  قديم ,هذا حداثي وهذا ما بعد حداثي,  وهل ثمة ما يمنحهم رعشتهم الوجودية أكثر من كونهم “هم”على ما أرى,بمسار كثير التبلور والنمو لما تخلقه الذات المبدعة من حياة مضاعفة معاشة أو منتقاة..موازية وواسعة

شخصياً لا يمكنني  التصور بأن ثمة مقدرة ما, يمكن إن تقارب بشكل مرضي ما اكتبه من “نصوص ” بكون هذه النصوص تعنيني في المقام الأول ,باستثناء ما بعد الحداثة أنها تدهشني كعرافة او طبيب بتخمينها التلقائي لما قلته وأقول ..

ومن المضحك إن البعض يتحدث عن ما “بعد الحداثة” في العالم العربي كفعل تالي للحداثة وبالتالي ينفي وجودها أو يستهجنه بحمق وبما أنها نظرية ترتبط كليا بالمبدع, بأي مجالا كان,فهم فقط بهكذا قول ينفون وجود المبدع بغير اماكن حددوها سلفاً على هذه الأرض”حيث الحداثة”.. بينما تنفيه هي بفكرتها للتنوع “التنوع لا يعني إن تكون بلدا حداثيا /حضاريا كلياً..لتصير مبدعاً فريداً, بل قد يعني أكثر إن تكون بلدا أو شعبا بدائيا.. ما يهم هو ما تضيفه تجربة الوجود بهذه المجتمعات من حكايات المخلوقات والأشياء من تجارب ومسيرات..وتنجزه بارتباطك بحرية مفتوحة الأفق والنوع كمبدع.. انتزعها, اخلقها بسيرتك ,وعش لأجلها”

وهنا يمكنني القول لا ضير :إن تستوطن ما بعد الحداثة نظرتك للأشياء..ان كنت آهلا لذالك بمتلاك التجارب الشخصية والمعرفة والفهم الرفيع والواسع والخلاق “لا يقين ” لماهيتك والأشياء حولك.. اقلها حتى حسب التعريف المختصر والمفيد لقاموس أكسفورد الإنجليزي لما بعد الحداثة الموجود على وكيبيديا: “نمط ومفهوم في الفنون يتميز بالريبة من النظريات والأيديولوجيات وبتوجيه الانتباه إلى مواضع الاتفاق” وهذا من وجهة نظري هو المطلوب للأعلى من قيمة ابداعك وتفكيرك مجردين من الوصاية والتعاليم بشكلها الرتيب والسلبي.

..

وفي نهاية الأمر يمكنني القول ..طالما انك كمبدع أو كمتلقي تتوحد في “الفعل” في وقع النظرة ذاتها

“التي اكثر من وجه و جهة” ثم تلهث لانفعالات فاتنة ومعمرة بداخلك

فما بعد الحداثة تخبرك إن لا غبن في مكان وزمان وجودك … فقط أنسى النظريات وصر  “فعلاً”,,

فأنت ستكون ” هو ”  ببينالي او بغاليري للفنون, بقاعة سينما أو بمسرح أو فن عمراني.. بأحد الدول الإسكندافية ,  أو خلف “كيبوردك” بشارع التحرير بصنعاء  تبتكر “أثرك في الأشياء”  بنكهتك وذكرياتك وما عثرت عليه من أسرار المدن وحكايات القرى وما تتنفسه أبواب حياتك  للخارج..

ولو في توحد التحديق نفسه والدهشة ,, في فعل سري او مكشوف بنسبة لحريتك الواسعة.

..

ولكن…

لا يمكن لأي نظرية أي كانت ,إن تحيط بمكنونات الإنسان وابتكاراته في التعبير عن وذوات وجوده “المبدع والمتنوع ” مع كل الأشياء حوله ..لأنه وببساطة صيرورة دائمة متعددة وتدريجية نحو اللا متوقع واللا نهائي

في سيرة “أنفاس ديمومة” تستنسخ حيزها المحايد والمتجدد بمنأى عن “لهاث”  الباحثين والنقاد والمهتمين ,,وما تفعله ما بعد الحداثة ألا المقاربة فقط لهذا الوجود.

…………..

* شاعر من اليمن 

 

 

 

مقالات من نفس القسم