سمر مجدي
يجلس على مقعده في هدوء وبلا حراك، ينظر للأرض في كل اتجاه؛ لعل ما يبحث عنه قد هبط عليه في غفلة منه وغاب عن ناظريه، ينقل بصره إلى السماء يفتشها ويسأل السحاب هل مر من هنا ما يبتغى وطاف مع أسراب الطيور فضل طريقه إلى الأرض؟ يفتش عن ماذا؟! لا علم له، كل ما يعرفه هو أنه يجلس تلك الجلسة منذ زمن يريد الكتابة ولا يستطيع، حتى وإن حضرته الفكرة لا تأتيه القدرة.
إن كنت نائمًا وأتى ملاك الكتابة فإنه سوف يخترق أحلامك، ينزع عنك غطائك ليؤرق نومك، يوقظك، ينهاك أن تغفل عنه، ويلح عليك ولا يرحل إلا بعد أن تستجيب، فتنصت جيدًا وأخيرًا تترجم ذلك الانصات لكلمات.
وحين يغيب حتى وإن كنت في حال اليقظة التام فإنك حتمًا ستشعر أنك جالسًا في الخلاء فاقد القدرة على الكتابة وكأن قلمك لم يخط سطرًا من قبل، كأنك لم تكتب ولن تكتب مجددًا .
للوهلة الأولى إذا نظرنا لتلك الحالة التي تهجرنا الكتابة فيها قد نظن بها الغموض تطوف بنا الأسئلة ماذا حدث؟ ولماذا تغيب الكلمات؟ وهل كانت الكتابة ضيف أثر الرحيل أم أن جذورها في وجداننا راسخة حتى وإن وهنت؟ ولكن إن أردنا أن ندير ظهورنا للقلق ونتفحص الأمر بقدر من الهدوء يخلو من اليأس سنجد أنها قد تكون عرض لأسباب مختلفة منها: الحزن، الإحباط الملل، والخوف سواء كان من كتابة نص غير مكتمل أو قارئ متصيد للأخطاء….إلخ.
نرى طريقة للتعامل مع تلك الحالة في قول آن لاموت في كتابها “طائر أثر طائر بعض التعاليم حول الكتابة”:
“يمكنك استعادة إيمانك بقدراتك وحدسك من خلال الثقة بالنفس، ومن خلال دعم ذاتك بقوة، خاصة عندما تكتب المسودة الأولى، وعليك، رغم القلق والشك بقدراتك، أن تمتلك إحساسًا ملموسًا بسعة خيالك…. لا تنظر إلى قدميك لترى إن كنت تؤدي الخطوات بشكل صحيح. ارقص وحسب“.
ومن العوامل المساعدة لكسر تلك الحالة أن تحدد وقت تمارس فيه الكتابة يوميًا بشكل منتظم ليس من المهم ما تكتبه ولكن أن تكون الكتابة عادة مترسخة خلال يومك، اكتب من أجل المتعة. ولا تحصر نفسك في روتين فحاول أن تكسر الروتين من خلال تغير المكان المخصص للكتابة والتعرف على أشخاص يتسمون بالإيجابية وسمة التشجيع فلا تتوقع أن تحصد من السلبين حياة. ومن أهم العوامل التي ستفتح آفاق وجدانك ممارسة اليوجا فالتأمل والهدوء والراحة يجددوا نشاط العقل، يسمحوا بصفاء الذهن، ويفسحوا المجال للتحدث مع النفس والتناغم معها ومع الكون وتقليل الضغط والتوتر والإحباط.
في لقاء تليفزيوني للكاتب الراحل أحمد خالد توفيق سأله الكاتب عمر طاهر عن السبب الذي يدفعه للكتابة، وكان رده بإن لديه الكثير بداخله يريد الخروج ولا يستطيع منعه.
توضح تلك الإجابة سبب من أهم الأسباب التي تحول بين الكاتب والكتابة وهو أن يشعر الكاتب في داخله بالخواء، فراغ يبتلع فكره وخياله حيث لا يوجد شيء ليقوم بإخراجه وكتابته، وللفرار من فكي ذلك السبب فعليك ملئ ذلك الفراغ من خلال متابعة الأخبار، مشاهدة البرامج والأفلام، وبالطبع القراءة.
و لكي نكون قادرين على الكتابة يجب علينا النظر إلى كل شيء على أنه قابل للكتابة، في حياتنا وفي ذكرياتنا الشخصية مخزون لا ينضب من التفاصيل وعن التفاصيل والكتابة كتبت بثينة العيسى في كتابها “الحقيقة والكتابة” تقول:
“إن الوعي بالتفاصيل وحساسيتنا تجاه كل ما هو صغير، على عكس ما يتخيل البعض، هو الطريق لتناول ومعالجة موضوعات كبيرة مثل الفقد، الحب، والحرب. لأن الفجائع والروائع كلها تكمن في التفاصيل، وإذا كنا نقرأ كثيرًا بأن الرب موجود في التفاصيل، وأن الشيطان أيضًا موجود في التفاصيل، فهذا لأن الأدب يكمن في التفاصيل“.
وأخيرًا حاول أن تبدأ ولو بخطوات بسيطة لا تفكر ما إذا كانت تلك الخطوات ستصل بك إلى ما تريد أم لا، فقد حاول أن تخطوا. على سبيل المثال اكتب كل الكلمات التي تتقافز في ذهنك حتى وإن لم يكن بينهم رابط، ثم اشرع في تأمل كل كلمة على حدة، اخلق حولها الأسئلة واخلق بداخلك فضول، استفز عقلك ليبحث ويجمع معلومات من وسائل مختلفة ومنها قد تنمو بداخلك الرغبة بالكتابة.
وعن ذلك كتبت آن لاموت في كتابها تقول:
“عندما نشرع من جديد في العمل سيظهر مليون سبب يدفعك لعدم الكتابة والاستسلام. ومن هنا تكمن الأهمية القصوى للالتزام بإنهاء المقطع والقصص وأن تسير فيها حتى النهاية. ستلاحقك الأصوات المحبطة سيقولون هذا كله هراء وربما هم على حق. ما تفعله قد يكون مجرد تدريب. ولكن تلك هي الطريقة التي تجعلك تشعر بتحسن، ولا فائدة من التدريب إذا لم تنجز ما بدأته“.
أحيانا تهجرنا الكتابة، يغزونا الفراغ، تصم أذننا، ويسدل العقل ستاره على الكلمات ويترك لنا حروفًا متفرقة بلا معنى. ولكن حتى وإن هجرت الكتابة فللكتابة سبيل يتبين ما أن نخطو خطوتنا الأولى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كاتبة مصرية
