عبد العزيز دياب
استطيع أن أقول إنني كنت الولد المدلل صاحب اللثغة المحببة للجميع، اليوم أنا صاحب الخيال الجامح، والشطحات، والرسومات الساخرة لأشخاص العائلة، قلت في نهار شتوي وأنا ممتلئ بالحماس أبدأ بعمتي، حبى الشديد لها، وقطع الشيكولاته، وحكايات “الغول والأقزام السبعة” لم يمنعوني عن رسمها بأنف عظيم يسع كمية مناسبة من النشوق تمنحها عطسة فارقة ترج كل عوالمي الخيالية، أما زوجها الموظف المناضل في ركوب المواصلات المزدحمة، صاحب الدسائس المبررة- من وجهة نظره طبعًا- في حق الآخرين، فقد رسمته على هيئة رجل دنيء يلحس بلسان عريض بسكوتة آيس كريم، هذا إلى جانب رسومات لأبى، وأمي، وأخوتي، ….
عندما يكون اسمى “عكرمة” لن أكون ذلك الولد المشاغب، لابد أن أتحول إلى كائن رملي، أقول ذلك رغم أنني لا أعرف كيف يتم ذلك الأمر حتى استطيع أن أفرغ جيوبي من الرمل قبل أن أصعد سريري المصنوع من الجريد، سأكون على أهبة الاستعداد لمن يطرق بابي طرقات ثقيلة يدعوني لمشاركتهم معركة فاصلة ضد قبيلة أغارت علينا وخطفت جميلتي… محبوبتي، ستكون عَبْدَة تحمل على كتفها الرقيق جرة الماء، وتكون محظية ومِلْك يَمِين لفارس “لا ينْذَلْ له جار ولا تنْطِفي له نار”، يتحتم علىَّ لحظتها أن ارتجل بيتين من الشعر المقفى الموزون وأستل سيفي.
عندما يكون اسمى “عكرمة” لابد أن أجيد المبارزة وركوب الخيل، وربما… ربما بحكم ثِقَلْ ذلك الاسم الذى قررت أن أحمله قد يختارني شيخ القبيلة أن أكون قائدًا ومعلمًا لفرسان الجيش، لذلك يلزمني قاموس جامد في منزلة “لسان العرب” و”المصباح المنير” حتى اختار اسمًا مناسبًا لفرسى، اسمًا غير مسبوق، أو مستعار من قريحة فرسان أمثال عنترة، أو الهلالي سلامة، أو الزير سالم، هذا علاوة على أن تكون لدى مهارة الهبوط من فوقه كما يفعل “أحمد مظهر/بجاد” في فيلم “الشيماء”، أتركه يرعى في حشائش الأرض، أنادى عليه بالاسم الذى اخترته فيأتي.
مياه شربي لن تكون باردة تسكن ثلاجة إيديال أو توشيبا 14 قدم، لكنني عندما أكون عكرمة يكون أي بئر، أو أية بحيرة صغيرة صنعها المطر ثلاجتي… عندما أكون عكرمة وقائدًا للجيش قد تستمر حروبنا أربعين عامًا تحت جمرة الشمس وعلى حواف الجبال، أو بحار الرمل، لا ننتصر فيها ولا ننهزم، لذلك فكرت كثيرًا، التقطت اسم “عكرمة” من برنامج تليفزيوني، أو أحد الأفلام القديمة، أو كتاب، لا أتذكر على وجه التحديد، نفضت عن ذلك الاسم كل ذرات الرمل الملتصق به، وضعته على الطاولة في حجرتي، إلى جوار اسمى الحقيقي “تامر”، جعلت الإضاءة عفيه، ضغطت على زر فانسابت موسيقى كلاسيك رقراقة رائعة وقلت لهما تشاجرا، كنت ابتهل أن يهزم “تامر” “عكرمة”… تامر، ذلك الاسم الذى أتعبني وهم إلى الآن بعد أن أتممت عقدي الثالث لا زالوا ينادونني: يا توتو…توووو.. تو.