الحوت يحب الزيتون!

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

 

 منى أبو عامر

  في الصباح الباكر كل يوم أجلس وحيدة في المقعد الأخير من الحافلة التي لم تخلُ قَط من الركاب، حيث تنقلني كل يوم إلى عملي. في الجانب الآخر من مدينة إسطنبول المزدحمة دائمًا وأبدًا، تستغرق رحلتي نحو ٦٠ دقيقة. يدور من خلالها العالَم كله في رأسي كل صباح! كأن جولته تلك صلاة لا يُخلَف لها موعد، وهذا يرهقني جدًّا. أتمنى لو أستطيع التوقف عن التفكير للأبد في ما كان وما سيكون، نعم !

سأكتفى بذكرى اليوم الواحد ! تمنيت لو كان التفكير شيئًا ملموسًا أستطيع لمسه، تمنيت لو رأيته بأم عيني! هل سيكون نحيلًا أستطيع حصره بين كفَّيَّ الصغيرتين، أم سيكون ضخمًا كما هو عليه؟! على كل حال لن أتردد لحظة في صفعه بأشد قوتي، وإهانته ولطلبت منه التوقف عن هذه الترهات والجولات الفارغة التي يأخذها في هذا العقل المرهق العاجز… بالطبع هذا إذا كان نحيلًا

في إحدى المرات أجد نفسي أدخل في نوبة بكاء قطعها أحد الركاب حين سألني بلغة لا أجيد منها سوى بضع كلمات تساعدني على التنقل في أنحاء المدينة، حتمًا لم أحفظ عبارة بالتركية لمثل هذا الموقف! فأجدني أقول له بصوت يكاد يخرج من بطني: “إني أشبه أبي كثيرًا، هكذا قالت لي أمي”، وأنا أبكي قلتُها بالعربية، لم يفهم منى شيئًا، لكن بدا من ملامحة اليأس لأنه لم يستطع أن يساعد، أو ربما لأنه لم يشبع فضوله أمام فتاة غريبة تتساقط دموعها علنًا. أكملت: “لكن أبي قَطّ لم يبكِ، لم ألمحه مرة يبكي!”. أمي قالت لي هذا.. أمي قَطّ لم تكذب.. أنا أعرف. لكنها كثيرًا ما ضلّت طريقها إلى الحقيقة التي قد تُفسِد عليها بعض الأمور التي تودّ تصديقها أحيانًا لمجاراة بعض المشاعر الضالَّة أيضًا

تعرف؟ كل ليلة قبل النوم أدعو الله أن أصحو معافاةً تمامًا، ليس تمامًا جدًّا! لكن أقلّها أتوقف عن الرغبة في البكاء التي تنتابني كل صباح، والتي يستجيب لها جسدي كاملًا، فيقرِّر التوقف عن حركته الطبيعية، كأن تتوقف مثلًا قدمي اليسرى عن الحركة، أو أشعر بألم شديد في أحد مِعصَمَيَّ، أو مثلًا تأخذ البقعُ الداكنةُ، المصبوغة باللون الأزرق أحيانًا، بعضَ الراحة منِّي بدلًا من أن تجول هنا وهناك في أنحاء جسدي كضيف ثقيل يجول في بيتي دون استئذان 

تمنيت لو أن أمي لا تزال تسمعني لأقول لها إن أبي يجيد كل شيء عدا الحب والبكاء…! وأنني لم ألمح أبي مرة يبكِي!  أنا لم ألمح أبي يـ… – ماما! أناديكِ منذ كثير! هل تسمعينني؟ أنا جائعة جدًّا

نعم أسمعك، أنا هنا ابنتي! أُعِدّ لكِ فطيرة الصباح الطازجة بالجبن والزيتون كما تحبينها تمامًا، معها أيضًا  عصير الأناناس الذي تفضّلينه

زيتون؟! أقاطعها، فأنا أعرف ما ستقول، “أنا لا أحب الزيتون!”، فأرد عليها بنبرة سريعة مثل كل صباح: ولكن برج الحوت يحب الزيتون، وأنتِ حوت يا كارمن! فتأكل الفطيرة كلها بحب كما صنعتها لها تمامًا. فالحوت دائمًا يحب أن تذكِّره بأنك تعرفه أكثر من معرفته بنفسه لأنك تحبه كثيرًا، ولأن صوت الحب دائمًا أعلى… فتأكل فطيرتها كل يوم بالزيتون!

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كاتبة مصريّة 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون