4 قصص قصيرة

محمد فيض خالد
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

محمد فيض خالد

الهَجّام

استفزّه الفضول فاقترب على حَذرٍ من لمةٍ افترشت أسفلَ الكافورة العتيقة، كانت أحاديث انفلاتهم تُجدّد في نفسِه سلوى قديمة وتنثر في زوايا نفسه المنى، أن يَكُبر ويُصبح مثلهم، يَرتاد البندر ويذهب في صُحبةٍ يَسطو على عَرباِت القصب، المزدحمة أمام مصنع السُّكر، يَأكُله الطّيش أكلا، فيَسرح بخيالِ مُراوغ يُجرب حَظَّه؛   أن يعتلي قطار القصب، يُناوش حُرّاسه، وتلك مظاهر الفتوة، وعادة  يأتيها كل من سبقوه من روّادِ مدرسة الصَّنايع..

عَاشَ ” حسين صبره ” يَلوكُ الصَّبرَ، يَخرجُ مع الصَّباحِ بانتظام ٍفي طَقسٍ شِبه مُعتاد، يُطَالعُ من تحَتِ عَينٍ كسَّرتها خُيوطَ الشَّمس الحَمئة جماعتهم في شَرهٍ وتَشهّي، وقد شمََّروا عن سَاعدِ الجد، يَستذكرون مخططهم الآثم على مَلأٍ، عندها يَنصرفُ في كَمدٍ مَغموما، يجتر أحلام القَهر، يُوجِع ظَهرَ حِماره الهَزيل بَعصا السّيسبان اللَّينة، يَتمّنى لو استطاعَ طيّ الحَاضرَ، فيختصر ما تبَقّى من سَنواتٍ، فيجد مكانا  بين الهجَّامة،

لم يبخل عليه زمانه بأمنيةٍ، فبعدَ أعوامِ الانتظار، لانت له الفرصة ووجد نفسه بين جدران مدرسة الصنايع حِلُم أمسه، ومُنذ وَطأت أقدامه وهو لا يَقوى على كبَحِ جِماح رغبات نفسه  المُستعرة، يلعقُ شفتيه في لُهاثٍ وقد تَحجَّر حَلقه من الانتظار، يتَنقَّل في تَهورٍ بين المجاميع المُتكاثرة أمام البوابةِ، عَلَّهُ يعثر بينهم على ضَالتهِ، بدايةً لم يُحَالِفه الحَظّ كما تأمّل، لشهرٍ كامل يَعودُ خالي الوِفاض، وهواجس  الأمس لا تنقطع عن رأسهِ تُنازعه، فصافرة القطار أفسدت عليه أحلامه، لتعيده أكثر تَصميما من ذي قبل، حتَّى ابتسمَ له القدر  ورَقَّ لحَالهِ، فألقاهُ في طَريقِ عِصابةٍ من أبناءِ الشَّارع، وجَدوا من اندفاعِه وصلابة عوده ضالتهم المنشودة، كانت مهمته تلهية  الحُراس ريثما يتَمكَّن البقية من سرقةِ أعواد القصب، هكذا سطع نجمه سريعا، وامتلأ بطنه من العصير الشهي حتى اكتفى، لم يكن يعني أمه من شيءٍ، غير أن يعود فتاها بحملٍ يرضيها، تستقبله على فمِ الزِّقاق بابتسامةٍ اطمئنان، قائلةً في زهوٍ:” يسلم البطل، هكذا يكون الرجال “، كانت كلمات حمَاستها تُلهِبُ مشاعره وتَزيد في ثقتهِ، وتُنسيه يتمه الذي احترقَ بهِ صَغيرا  ولو لبعضِ الوقت، ذَاعَ صيته مع الأيامِ حتى أصَبحَ مَقصد كُلّ لِصٍّ مُتبطّل، يرى في شَجاعتهِ وإقدامه  وخِفَّة يده ما يفي بالغرض، تَوسَّع نشاطه فلم يكن قطار القصب مُنيته، بل تَعدَّت أمانيه غلته الشَّحيحة ينتظرها من أشهرٍ قلائل، ابتلعه وعصابته ظلام الحقول البعيدة التي تفيض بالخَير ِ، فملأ على أمهِ الدارَ بكُلِّ  صِنفٍ تَطاله يده، والمرأة مُنتَشيةٌ ترَفع يدها عند كلِّ مساءٍ أن يستر عليه السَّتار وأن يكفه وإخوانه شر الأشرار، لكنَ جرَأته وهجماته المُتكرّرة أغَاظت خَفر الحقول، الذين تَربَّصوا بهِ الدَّوائرَ وعَقدوا العزَمَ عَلى اجتثاثِ شَأفته، لا يعنيه  أمرِ تَربصهم شيء طَالما انتفخت محفظته بالجنيهات، وطَالما كانت الوالدة في رضا عنه، حتى كان ذات ليلةٍ، وبيَنما عَائِدٌ من إحدى هجماته، وإذ برصاصةٍ مجهولة تَشُق طبقات الظَّلام لتَستَقرّ في صَدرهِ، تَفرّقَ عنه رجاله، ليتركوه جثةً مُلقاة وسط الحقولِ، وبعدَ أسبوع من الحادثةِ، أُغلِقَ المَحضر، وقُيدت ضد مجهول، انتهى أجله، لكنَّ مطامع النَّفس دائمة لا تنتهي، وفي كلّ يومٍ يظهر هجَّامٌ جديد.

**

قُمع جَلاَّب

ما إن يطرق اسمه سمعي حتى يَتحلَّب ريقي، وتَسيرُ من فوق لساني عُصارة شهية كأحلى ما يكون، تعلّقتُ به صغيرا مُذ كنُت اتبع خُطى أمي نحو السوق،وأجد في الحصولِ على واحدٍ منه هناءة كبرى، لا أتصور لذائذ العيش في الدنيا، ولا مباهج النعيم في الجنة تتعداه، ” قمع الجلاب”، لم يكن سهل النَّوال، فواحد منه يُكلفك بضعَ قروشٍ، قد تلتهم مُدّخرات أسبوعٍ كامل،أو تجعل منك لِصا شبيه المنصر، تَتعقَّب أحمال الثوم القادمة من الحُقولِ، تتَحيَّن الفُرص لتنتزع بعض الرؤوس في غَفلةٍ من الرَّاكب ِ، وقد تكون عصاه الغليظة أسرع إلى ظهرك من لمح البصر.

كُنتُ أطوي طَائفا من الليلِ ممُدَّدا فوقَ حَصيري، شَاخص الطَّرف تِجاه لمَبة الجَاز، غيرَ مُباٍل لأنيابِ الناموس يَنهش جلدي، أحسد باعة الأقماع، من أهل الصَّنعةِ الذين ابتسمت لهم أقدارهم، فجعلت حرفتهم بيع هذه السِّلعة العزيزة،أتمنى لو حَالفني السعد، لأجد طريقا للعمل معهم ولو بالمجان.

تراءت لي أحلامي واقعا لذيذا كطعم ِالجَلاّب، خُصوصَا بَعدما تَوثَّقت الصَّداقة ما بين الوالد وأحد الباعة،كانت لكنته جنوبية بعض الشيء، لكنه على العموم دَمِث الخلق، حلو المَعشر، كريم اليد، تَعوّدَ الوالد أن يفترش مَدخلَ البيت، يَصب أكواب الشاي الفَوّاح وسط كركرة ” الجوزة”، وصلصلة أنفاسها المُعبقة، وحكايات وسير موصولة عن كلِّ شيءٍ، لكني كنتُ انتظر  بفارغِ الصَّبرِ حتى النهاية، حين يعمد صاحبنا إلى صندوقٍ خَشبي، يَجوبُ بيدهِ في كُسارةٍ استقرت في قعَرهِ، فيدلقها في حجري مُستريح البَال، كان إخوتي قد تَعوّدوا انتظاره، يُطالِعون المشهد من فَجوةٍ ضيقة بأحَدِ الأبواب، كانت حركتهم المحمومة، وهمساتهم المُتصاعدة في تحفزٍ، تُثير الوالد فيرمي بطرفِ عينه في صَمتٍ موبخا، ريثما يترك الدخان يَتصاعد من فمهِ في استرخاٍء، وما إن تنفضّ الجلسة، ويسوق الرجل ركوبته في طريقِ العودة، حتى اشرع في توزيع الكَنز، لتسود حالة من الخشوع والسكينة، تَلوكُ الأفواه قِطع الجَلَّاب في استسلامٍ غريب قد شَغفنا حُبَّا.

لم تكن هذه اللَّذة لتترك فمي بسهولة، حتّى وإن غيبتها في ألفِ صِنفٍ،أمَّا الرائحة فلا تُفارق أنفي، أُميّزها دونما عَناءٍ وسط الأزقة،أو من داخل الأقفاص من فوق رؤوسِ القرويات العائدات من السّوقِ، كُنتُ أُلهّي نفسي من حينٍ لآخر، فغدا اصبحُ في جملةِ  الأغنياء، وأول شيء افعله، أمتلك أكبر كمية من هذه الأقماع السِّحرية، ولربمَّا اتخذت لها مصنعا صغيرا.

وعدَ بائعُ الَجلاّب ذاتَ صَبيحةٍ والدي ؛ أن اصطحبهُ للعملِ معه في الورشةِ وقت الإجازة، على أن أعودَ كُلّ أسبوعٍ، فقريته تبعد عنَّا بضع كيلو مترات، هيَّأت نفسي للأمرِ، وأذعتُ على الملأِ بين رفاقي أنّي ذاهبٌ، انتظرت وانتظرت، حتى أنساني الانتظار، لكنّ الرجل لم يرجع، هبط بلدياته قريتنا، بعد اشهر ليبيع، أخبرَ والدي بأمر موته، لدغته حية سامة وهو نائم أوان القيلولة، فلم يستيقظ.

 تَبخَّرت أحلامي، لأظل أسير هذه الأمنية، تُشاغِب أمامي مَدهوشا حتى الآن.

**

شَيٌء من التَّخريفِ

لم أكَد استقر لأسبوعٍ في المَسكن حَتّى تراءت الأحداث سراعا، لم يكن لي بهِ سابق معرفة، فكلّ ما اتَذكره أنّه من تلك الزُّمرة التّي سَبقتنا لهذه الغُربة الطَّاحنة في بلادٍ بعيدة، انتحرَ فيها شبابنا، ووئدت أعمارنا تحت أطباق الليالي الكَئيبة، وأسبقية الغُربة تلك ميزته وجماعته ليس إلَّا، اعرف عنه اهتياجه، وتَقلّب مزاجه، ونرجسيته التي جعلت منه شَخصا عُدوانيا، يستدعي قوة بدنه بدل لسانه عند الكلام، فعند محادثته تشعر وكأنَّك قد اصطدمت بجدارٍ.

كانَ ساعتئذٍ على أعتابِ عَقده الخامس، لكنَّه يَلح في احتجازِ الزَّمن، أن يتوقف رهن رعونته وتصابيه، فلا يخلو يومه من جِلسةٍ طويلة إلى جوارِ النَّافذةِ، يعمل الملقط في سحنته المصفرة، يأخذ منها بعض شعرات نبتت في خده الأسيل، يُدير يده في تمَرسٍ، ونظراته المكروبة لا تحيد عن مِفرقِ رأسه المشتعل بالبياض.

يمُصمص شفتيهِ الغِلاظ في استعبارٍ، ويزممّهما في تأسفٍ، يُخرِجُ من صَدرهِ آهة مكتومة، قائلا في عويل:” آه يا ومن يا خسارة الجدعان”.

 لازمتُ الصَّمت لأشهرٍ قلائل، قبل أن يصيبني من هوسهِ ما أصاب من سبقني، غير أن نويات الضّحك العَفويّ من أحاديث الصَّبابة الَّلزجة، تُغالبني فتزيل عنّي بقية من  مَهابةٍ كُنت احتفظ بها، ربما لفارق السِّن بيننا، أو لأنَّنا أبناء بلدة واحدة، أو لأننَّي تَعوّدتُ هذه الخصال، بيد أنَّي لم استطع عليه صَبرا،فكانت تَنتابني مَوجات مُتقطِّعة مِن الضَّحكِ الهستيريّ، خاصةً بعد إذ استذلته شهوة الكلام، فاندفعَ كمراهقٍ غِر مُنتشيا يُعدِّد مزاياه، التي أوقعت زوجته في شؤم غرامه، كُنت على بينةٍ من هذه المسألة، فقد أُكرِهت المسكينة على  الزواج منه، بعد عَذابٍ أوصلها لحافةِ التَّهلكة.

كانَ دائم التَّمرد على ثقافتِه الضّحلة، التي لا تتعدى في أحسن حالاتها العُكوف على مشاهدة نشرات الأخبار، وبرامج عالم الحيوان، وقنوات روتانا، أو ربما التَّعثر في تَعتعةٍ ممُرضة، لقراءةٍ لا تجُدي في صَحيفٍة قديمة، ينوي فرشها للأكل.

اعتدل يوما في جِلستهِ، َمرّر يده فوق شاربهِ المسنون، وبنظرةٍ باردة تخلو من لياقة، رماني دول اكتراث قائلا:” ما هي شهادتك؟”، حدجني بعينٍ ماكرة مُحاولا الانتقاصَ من شأني، لكنيَّ لم افوّت الفُرصةَ على الألمعيّ الفَذّ، قلت له ترضية لنفسه:” في هذا الزمان العقيم التعليم لا يساوي شيء “، هزَّ رأسه لتَذوب مَلامحه في ابتسامٍة بلهاء، قائلا في رضا:” صحيح.. صحيح”،كانت أحواله المادية تَهبه الثِّقة لأن يتَحَّدى أرباب الشَّهادات أمثالي، ويعقد بينه وبينهم المقارنات بغيِر مُناسبةٍ، يَترصّدهم في تَحدٍّ مشبوب باستهزاء، وكأن لسان حاله يردد:” ماذا أغنت عنكم شهاداتكم غير البَهدلة في الغُربة “، نَصحني أحد الخُبثاء نصيحة ذهبية، أن أسايره ما استطعت، فلا أُكلِّف نفسي حِينئذ مَشقة فرط بلاهته، وقد كانَ، حتّى توثَّقت الصَّداقة بيني وبينه أو كادت.

ضَمن له سَفره المُبكر راتبا معقولا بأحدِ الدوائر الحكومية، أسَبغَ هو على وظيفته بمرور الوقت طَابعا خَاصا، أوهم ضَحاياه بأنَّه نافذ الصِّلة وكبار المسؤولين،  لاحقا لم أجد في مُخالطته مَشقة تذكر، بل وجدتني أمام إنسانٍ ناقض، يَسعى للَكمالِ بقدرِ الَّنقص الذي فيه،فهو ضحية بين نفسه المُحتّرقة المُسلطة عليه، تُشعره بالعَجزِ وعَدم الكِفاية، وواقع يأبى إلاَّ الاعتراف بسطوة المال ونفاذ أهله.

جَمعتنا جِلسة ذَات ظهيرة، ألقى إليَّ بوسادةٍ، قَرَّب  مني طبق التسالي، تَنحنح في افتعالٍ ممَجوج، قائلا:” لو عُرِضَ عليَّ وظيفة براتب لا يقل عن خمسة آلاف جنيه، عندما يمكنني التفكير في السفر”، شعرت بصوت كركبة، تلاحقت خطواتي تجاه الحَمام، لكنّني اكتشفت أنّ الصّوت يَصدر عن رأسيّ المُتشنج،  أمام المرآة أخذت نَفسا عَميقا،عُدت إلى مَجلسي صَامتا وكأن شيئا لم يكن،استحضر في عَذابِ ذِكرى من سبقني لهذا المُنحدر.

**

صائد اليعسوب

على بُعدٍ تحومُ عصافير الحقل كالغَمام، تملأ الجو بأصواتها المُرتعشة،تحَملُ في أرجلها كسارة القَشِّ، تستعد لتهيئة أعشاشها الجديدة، بعد دأبٍ مُجهد ستستقبل هذه الأكنان زقزقة الصِّغار، تُغرق شقوق الجدران، وشواشي الصفصاف، وبين عراجين البلح.

 كَانَ المصَرفُ الصَّغير على  قَذارتهِ، الأُنس الذي يَتَّسع الجميع، يعودوا إليه من بَعدِ العِشاء، يفترش الشيوخ في فوضى وتهالك الأرض الرَّطبة، ليغيبوا في أحاديثِ النَّميمة المخلوطة في سَمرٍ أخاذ، يفتضوا معها أسرار بيوت القرية في جَسارةٍ وتوحش، يظلوا في تَرفِ الحديث حتَّى تأذن بنات الليل بالمَغيبِ، كَان أكثر ما يشغلنا في جلستهم، تشاكسهم المُترع بنزقِ الطفولة،  وضحكات البعض التي تشبه النُّباح، وألوان السِّباب مَنزوعة التحفظ، وسعالهم أكبرهم المُفضي إلى الموت، ودعاء مجلسهم المحفوظ:” دع الخلق للخالق الله يسهل لعبيده”.

عند الصَّباح ِتَتدلى ألسنة الشَّمس من كَبِدِ السَّماء، تَلعقُ الرُّؤوس في اجتراء، يغلي التراب من تحت الأقدام غلي الحميم، تنسابُ أشباح الظَّهيرة تتراقص في تَوهجٍ مُخيف، لكن شيئا من هذا لم يكن ليعطِّل انطلاق الطُّفولة السَّاذجة، يَتقاطر الصِّبية من شقوقِ الأرض، ما إن يقتربوا من الترعة، حتى ينزعوا عنهم ثيابهم البالية، ويلقوا بأنفسهم في الماء، ليغيب الشَّقاء بين طياتها الباردة،فلا يتبقَّى غير ضحكاتهم تجلجل عفوية.

كان أول عهدي باليعسوب مع “بكر” الأعرج، دَرَّبني في حَماسِ، كيف احتال على الإمساك به، يقول مُختالا:” لا تأته من الجنب، الخلف أسلم، ألا ترى عيناه كيف تتبدى كبيرة كحبة الفول؟”، لم اعرف في حياتي شخصا أوتي خفة يده، لا يمدها وترجع فارغة، تماديت في عبثي، وبعد مُدةٍ تحَولت لصَيادٍ ماهر يُحسب حِسابه، لا يمنعني عن تتبع هذه الكائنات الرَّقيقة مانع، حتى تعنيف أمي وتوبيخها، حين تراني اربط الخيط بعشراتٍ منها، تلكزني في كتفي، لكنَّها تغض الطَّرف بعدها، فلطالما ارحتها من رهقِ  الصِّغار المعهود،استفزني الغرور، فاتخذت من صيدها حرفة اتكسب منها، امتلأت جيوبي بحباتِ البّلح الأخضر والكشك، بيد أن عشرات اللعنات ترافقني كظلي، لأصبح مَلعونا كشيطانٍ رجيم انتزعت الرحمة من قلبهِ،تنتفخ أوداج الشيخ ” معاطي”  صاحب الكُتَّاب، صائحا كالمجنون:” أنت ملعون بعددِ نجوم الَّسماء ما ذنب هذا الحيوان المسكين”، لم أكن لأعبأ بكلامهِ، حتى كان مساء وبينما أنا اغطُّ في نومٍ عميق، وإذ بيعسوبٍ عملاق يسد الأفق، اقتربَ مني حتى أمسك بتلابيبي وطار بي بين السماء والأرض، على وقعِ صَرخاتي وتوسلاتي اجتمعَ من في الدَّارِ، انتبهت لأشرع في اطلقِ العشرات قد حوتها علب الكبريت، عازما على ألاَّ أعود  لهذا ثانية.

 

 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون