مصاحبة رجل كفيف لثلاثة أيام

ياسر عبداللطيف .. في المحبة يا بلد
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

باسم شرف*

اليوم الأول

في يدك كتاب كل الأسماء لساراماغو , تتصفحه بعد أن استوقفك هذا العنوان أمام بائع الجرائد الدي تمر عليه يوما بعد يوم , وقد كنت انقطعت عن مواصلة قراءة الجريدة لمدة عام وسبعة أشهر , لم يكن أمامك إلا أن تبدأ في قراءة التعليق المكتوب في ظهر الكتاب : ( ساراموجو عضو في الحزب الشيوعي البرتغالي مند عام 1949 ويعيش الآن في جزر الكناري ) , وقبل أن تفتح الكتاب لتقرأ الفهرس يوقفك طفل صغير :

 ــ انت رايح فين لو سمحت ؟

ــ لآخر الشارع .

ــ ممكن توصل الراجل ده معاك ؟

أجد رجلا كفيفا  جاوز الستين من عمره ينهض من كرسي وحيد خارج المقهي , تمتمت في داخلي بالرفض أود استكمال ما بدأت , ولكن عجزه قد منعني من أن أتركه وحيدا يسير بعد أن فرغ الجميع من تضيع وقتهم وذهبوا حيث المضاجع بعد وقت طويل تركوه منتظرالصباح لاستئنافه .

أخذته في يدي الأخرى غير المشغولة بإمساك الكتاب , يدور في ذهني كثير من الأسئلة , ماذا يريد ذلك الرجل ـ ساراماغو ـ من هذا العنوان المباشر وبعد لحظات شعرت بأن شيئا يتعلق بيدي تذكرت ذلك الكفيف وقلت بداخلي :

ـ ليه ماتكلمش ولاكلمة , قلت  أسأله الي أين يريد أن يذهب, فأجاب :

ــ بعد الخرابة بشارع عند العمارة الكبيرة اللي ساكن فيها رئيس المجلس المحلي , انت عارفه ؟

ــ أكيد .

أكدت ما يعرفه , وبداخلي أوقن أني لا أعرف من يسكن بهذه العمارة وهذا لطبيعتي الانطوائية  فلا توجد علاقة بيني وبين المنطقة التي ولدت فيها .

ولكن ما اسم ذلك الرجل, ولماذا يجلس علي هذا المقهى البعيد عن بيته إلي هذا الوقت المتأخر , هل أسأله ؟

ــ ازيك ياعم محمد . صدر هذا الصوت وأنا حائر في أسئلتي من شاب ملامحه صغيرة وبه بعض الشيبة التي تغطي رأسه , فرد عليه العم : ازيك يا مصطفي يا ابني ,(ثم صمت برهة) عارف مصطفي ده اتخرج من السياسة والاقتصاد من حوالي خمس سنين وقاعد من غير شغل وياعيني أبوه راحت عينيه بسببه, وهو رايح دلوقتي علي الشارع العمومي عشان يعيط لوحده ومحدش يشوفه , هو كل يوم بالليل يعمل كده , دخلني الجامع ده , هو مش مفتوح ؟

بعد أن ملأ عقلي بمأساة مصطفي ,سألت نفسي كيف عرف أن هذا هو مكان المسجد,  فهل هذه بصيرة الكفبف الذي يري دون أن ينظر .

وقابلني رجل كفيف آخر يشبهه يجلس علي الرصيف : بب  بب  بريزة عشان أكل . من البديهي أنه سمع وقع أقدامي فعرف أن هناك شخصا , لذلك بادر بهذا الطلب .

لم استطع متابعة ما قد بدأته وظل هذا الوقت بكل تفاصيله عالقة بذهني وأنا واضع رأسي علي المخدة ( عادة يومية ) .

 

اليوم التالي

كالعادة متأخر , وأيضا عم محمد الكفيف يجلس علي الكرسي , اقتربت منه وطلبت أن أقوم بتوصيله إلي المسجد , ونفذ رغبتي في توصيلة وبدأت رحلة الأسئلة أثناء المسير بقوله :

ــ عارف يا ابني, كل شئ اتغير , ريحة الأيام , ريحة غدر الناس , وطعم الهوا في بقك . ثم صمت للحظات واستأنف الحديث, إلاقولي انت بترجع ليه متأخر؟.

ــ شغلي

ــ بتشتغل ايه؟

ــ صحفي

ــ ياه , وبتتأخروا كده ؟

ــ اه الشغل بيكتر طالما فبه بلاوي .

ــ علي رأيك الناس ايه اللي في دماغها غير البلاوي .

عاود الصمت مرة اخري ولم أجرؤ علي قطع صمته الي أن توقف فجأة :

ــ دخلني الجامع ياابني , هو مفتوح؟

وبعد أن ابتعدت عنه بحوالي عدة أمتار سألني بصوت عالي :

ــ انت اسمك ايه ؟

ــ اسمي يوسف .

ثم دخل الي المسجد دون أي اشارة لماذا سألني , وماذا يريد من استجوابي فجأة عن اسمي .

وقابلني نفس السائل الكفيف .

 

اليوم الثالث

لم يكن هذا اليوم مختلفا عن سابقيه ولكن الجديد هو أني لم أجد الكفيف , سألت الشاب الذي كان يجلس علي الكرسي المفضل لعم محمد وتبينت الوجه فإذا به مصطفي ليقول :ــ  عم محمد مين ؟ قالها دون أن ينظر لي والشرود قد سكن ملامحه .

ــ الكفيف .

لم ينظر لي ، ثم ترك الكرسي باكيا

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون