غادة .. لم تسكب جمالها دون طائل

غادة .. لم تسكب جمالها دون طائل
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

لنا عبد الرحمن

قلة هم الأشخاص الذين يذكرونك بالحب حين تلتقي بهم، الذين لا يتحدثون عن الكآبة والخسائر باستفاضة، بل يمسكون بك من يدك بطفولة مدهشة تجبرك على الاستسلام طواعية لحالة من البهجة. تنتمي غادة إلى هذا النوع من البشر القادرين على صياغة مسرات صغيرة من أشياء بسيطة لا تلفت انتباه أحد.

هذا يتضح من عنوان مجموعتها الشعرية (تسكب جمالها دون طائل)، من كتابتها على (الفيسبوك) التي لا تتوارى  الحديث عن الحب  ليس فقط بمفهومه المحدد بين الرجل والمرأة، بل من خلال العلاقة مع عالمها الصغير المحيط بها: كتابتها، القصائد التي تُفتن بها، أختها التوأم الفنانة التشكيلية هبة خليفة، والأجمل في علاقتها مع الصغيرة ورد، حيث لا تحكي غادة عن ذاتها إلا من خلال الآخرين، وتفاعلها معهم، وقدرتها على التعبير عن فرحها بحضورهم.

التقيت غادة للمرة الأولى في “الأوبرا”، بعد أن تعارفنا إلكترونيا عن طريق صديقتنا المشتركة الكاتبة (سمر نور)، التي أثق بحساسيتها في العلاقة مع الآخرين.

أذكر ذاك اللقاء الذي يعود إلى شتاءين سابقين واستمر لأكثر من ساعتين تخللته قراءة شعرية – غادة التي قرأت بالطبع- وبوح النبيل، حيث القدرة على الانبساط في العلاقة مع الآخر منذ اللقاء الأول تعني لي الكثير، مما يمكن إيجازه بكلمتي محبة وثقة. لم نكن مجرد عابرتين في قطار تقاطعت بهما الصدف القدرية لتضعهما في مقعدين متجاورين، فتندفعان لساعات في ذكريات ماضية وحاضرة تتلاشى تفاصيلها بعد الوصول للمحطة القادمة، بل إن ذاك اللقاء الذي كان أساسه رغبتي في سماع الشعر شَكّل نواة لصداقة قادمة تطورت لجلسات طويلة تنوعت بين القراءة والكتابة وممارسة التأمل.

صرنا نلتقي أنا وغادة وسمر نور والكاتبة الأمريكية جريتشن ماكولة في لقاءات شبه أسبوعية نتحدث عن الكتابة والفن، ثم تبتعد كل منا في ركن ما لتكتب أو ترسم، كنا نشعل الشموع ونمسك بأيدي بعضنا على شكل دائرة نمارس التأمل ثم نحكي عما خبرناه في تلك اللحظات.

عبر تلك اللقاءات عرفت غادة خليفة أكثر، حيث السر الصغير- الكبير الذي يلمع في عينيها الخضراوتين، هو قدرتها على رؤية الجمال سواء في الأشخاص أو الأشياء، تجاهل  القبح كما لو أنه غير موجود في العالم، مداراة الألم، تقبله ومنحه مبررات إنسانية عادلة ومنطقية عند مراجعة لحظات ماضية، أو خيبات قريبة، ثم استقبال الحياة بابتسامة حقيقية تثق بالغد وبظهور شعاع قوس قزح. ولعل الأهم  قدرتها على  التعبير عن كل هذا في استثنائيات جمالية، تتبلور في  قصيدة  أو عبر طاقة من الفرح لا تتردد في منحها للآخرين، مما يجعل ثمة تقاربا واضحا بين الذات الشاعرة وكيانها الذي تعبر عنه. لنأخذ مثلا  من قصيدتها يوميات “كنكة وحيدة”:

” أنتظر قهوتي بصبر

دون أن أوسع دائرة النيران حولها

أنتظرها كي لا تسكب جمالها دون طائل

أراقبها وهي تتكاثف كي أعرفها

عشرة أيام وأنا أنظر داخلها لأراها

بعدها توقفت عن رؤية أي شيئ

أصبح قلبي مُغلقا وأظلمت روحي

الباب يظهر واضحا ويتحول إلى شجرة”

صديقتي غادة :

أبدا لم تسكبي جمالك دون طائل.

عودة إلى الملف

 

مقالات من نفس القسم