برواز

هويدا
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

هويدا أبو سمك 

نظرت حولها، وجدت المنزل هادئًا، تركت عصاها، وعدلت وضع ذراعها المستند على كتف زوجها، ونفضت الأتربة التي التصقت بملابسها، زفرت مستمتعة بحريتها.

جالت بين أرجاء منزلها الحبيب في سعادة غامرة، فتحت باب شرفتها، وراقبت الطيور المحلقة في السماء، وفتحت ذراعيها للهواء الرطب ليتسلل إلي جسدها الحار، فكت شعرها، وراقبت المارة في الشارع، ثم تنهدت وعادت للداخل.

 دارت بين كل الغرف، ألقت بنظارتها بعيدا، وملست على شعرها المتمرد، نظرت طويلا إلى مرآة غرفة نومها، تراقب تفاصيل جسدها، التجاعيد المحفورة في وجنتيها وجبهتها، الخطوط المحيطة بعينيها، أردافها الممتلئة، صدرها المترهل، تناولت أدوات الماكياج وبدأت تعدل من مظهرها.

خلعت ملابسها الكريهة المشبعة برائحة الأتربة، ووجدت فستان زفافها يرقد حزينا في خزانتها، فالتقطته مسرعة، تجري حالة من الصلح السريع بينهما، وضعته على جسدها، ولكن المحاولة فشلت، أبى أن يضمها إليه، فجددت خصامهما، وألقت به.

قميض نومها الأحمر القديم لفت انتباهها، وحالفها الحظ عندما ناسب مقاسها، فدارت به بين أرجاء الغرفة، وشغلت موسيقاها المفضلة، وهي تتذكر تلك الليلة التي ارتدت فيها هذا القميص لأول مرة.

كل زجاجات عطرها نفدت، ابنتها الغالية تحبه، دست أنفها فيها تسترجع ذكرى الرائحة، ثم مدت يدها لعطر زوجها، وغرقت فيه.

رفعت صوت الموسيقى، وتمايلت معها، متجاهلة آلام ركبتها، ظلت تدور في الغرفة، حتى سقطت من التعب.

جاهدت لتلتقط أنفاسها، خلعت قميص النوم، وسارت في المنزل عارية، دخلت الحمام، وملأت البانيو بالماء المعطر بالصابون، ودللت جسدها المرهق، وأسعدها أن ألم ركبتها خف قليلا.

جففت جسدها، وراقها أن تكمل جولتها دون حواجز من القماش تقيد حركتها، فتحت الثلاجة ، وأخرجت الطعام، وأشبعت جوعها، وأفرغت زجاجة من الماء داخل جوفها.

لم يرقها وضع البيت، فأولادها كعادتهم تركوا كل أغراضهم ملقاة في كل زاوية دون اهتمام، بدأت دون أن تشعر تلملم أغراضهم، ووضعتها بترتيب في دولاب الملابس.

عادت إلى المطبخ من جديد لتعد لها فنجان قهوة، وجلست أمام التليفزيون تبحث عن فيلمها المفضل، وهي تتأمل أثاث البيت.

لم تجد ما تحبه في التليفزيون، تخلت عن الفكرة، وركزت على القهوة، ذات الرائحة القوية، أخرجت لسانها لتلتهم بقايا البن الملتصق بالفنجان؛ فرقصت دمائها.

زفرت ساخطة عندما وجدت الأواني المتسخة بحوض المطبخ، بدأت في جليها بهدوء مستمتعة بتلك اللحظات التي تستغلها عادة في الغناء والتفكير.

 لم يمنعها ألم ركبتها من دخول غرفة زوجها فوجدتها غير مرتبة، عدلت من وضعها،  جلست على السرير تحتضن ملابسه، دفنت وجهها في قميصه، واحتضنته بقوة، ومررته على جسدها العاري، فتشت في متعلقاته ومحفظته الملقاة باهمال بجانب الفراش، وابتسمت لصورتها التي تنام بهدوء، حيث وضعها.

 اقتحمت غرفة مكتبه المحرمة، بعثرت كتبه المرتبة، ومزقت ورقتين فارغتين من مفكرته اليومية، وداست على السجادة التي تزين أرضية الغرفة باهمال، وجلست على مقعده المريح مبتسمة.

توهج وجهها عندما وقعت عيناها على علبة سجائره، فأشعلت دون تردد سيجارة، ورفعت رأسها المستند على كرسيه تراقب الدخان المتصاعد لسقف الغرفة، أخرجت المقص من درج مكتبه وحولت معبودته الصغيرة إلى شرائح، وألقتها على السجادة.

تأملت للحظات صورة زفافهما المعلقة على الجدار، فستان أبيض يضم خصرها،  شفاه كالثمرة الطازجة، بشرة نقية بيضاء، وشعر ناري جذاب، وعيون تنظر إليها بحب واضح، جعلت الدموع تقفز إلى عينيها.

 صوت مفتاح الباب لم يمنحها فرصة الاستمرار في البكاء، ارتدت ملابسها مسرعة، وأمسكت عصاها، واستندت على كتف زوجها داخل برواز صورتهما على الحائط.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قاصة مصرية

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون