الدخان

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

 

نَظرتُ إلى الفتاة علها تطيل التوسل؛ فأرضخ وأتراجع عن تعذيبها، لكن وجهها كان مطمئنًا وهى فوق موقد الغاز المشتعل، عيونها تلمع بالضحك كلما جاء صوت "إسماعيل يس" فى التليفزيون، انتظرتُ احتراقها حتى الاختفاء، لكن قشورًا بسيطة هى التى كانت تُقشط من جلدها ووجهها، حتى أن لونها تحول إلى الأبيض الحليبى، وازدادت رونقًا عن ذى قبل.

سحبتها للوراء متقبلًا الهزيمة حين خبط “إسماعيل يس” على كتفى بعدما خرج من الفيلم المُذاع: “انت يا حضرة؟”. تركتها وفكرت بماذا أُلقِّبه وأنا أرد عليه بعدما علت وجهه تكشيرة بائسة: أستاذ إسماعيل؟! عم إسماعيل؟! خصوصًا وأنا أشعر نحوه بمودة هائلة منذ كنت طفلًا، إذ تصورت أننى لو كنت قابلته فى أى وقت فإننا سنصير أصدقاءً منذ اللحظة الأولى للقاء، ثم قلت لنفسى إنه رآنى فى موقف غريب يتنافى مع براءته المحببة؛ لذلك سأحاول أن أخاطبه بلهجة شبه رسميه عله يطمأن لى ويستجيب للكلام معى فقلت:

اتفضل يا إسماعيل بيه.

عاد الضحك إلى وجهه وهو يسأل:

هو انت حفيد هتلر؟!

قلت ضاحكًا لأطرد توجسه منى:

أعوذ بالله.. إنه الكابوس وقوانينه كما تعرف يا فنان.

كنت خجلًا لأنه خرج فى منتصف الحبكة تاركًا مشاهديه على جمر الترقب؛ ليشاركنا آلامنا التى لا نعرف لها سببًا، بل إننى نسيت لماذا كنت أعاقب الفتاة بهذه الطريقة الفظيعة دون أن يعترينى الندم.

قلت له:

أنا لست شريرًا كما تعلم يا إسماعيل بيه.

فقال وقد أقنعته كلماتى فيما يبدو:

عفارم عليك! حيث كدا بأه خش يا أخويا كمل مكانى شوية فى الفيلم على ما أشرب السيجارة دى، وأنا قاعد أهو مع البنت أونسها.

كانت فرصة لى؛ إذ سأدخل فيلمًا قديمًا.. سوف أنطبع فى الذاكرة على الفور فى أفلام الأبيض والأسود؛ لينسى الناس آثامى، وتنسى الفتاة ما كنت أنوى أن أفعله معها، وحين التفت لأشكره على منحى هذه الفرصة العظيمة وجدت مكان وجهه وجه الرئيس السابق وقد أشعل سيجارة وهو يجلس على كرسى الأنتريه..

تولع؟! مد لى سيجارة ثانية كانت بيده.

لا. قلتها بحسم، وأنا آمره أنا يغادر فورًا كى لا يعلم الناس بوجوده فيأتون ويكسرون حوائط المنزل؛ فأتأذى ويتأذى. قال لى:

ما أنت كنت بتولع فى البنت دلوقتى؟!

قلت إن قانون الأحلام هو ما فرض على فعل أشياء شريرة لا يمكن أن أفعلها فى الواقع، ولا بد أنى سأندم حين أستيقظ، ضحك ضحكة كبيرة تناسل منها بحر من الدخان الهائج الذى تشكلت منه سلالات مشوهة من البشر وقد ملأ صراخهم المستغيث كل مكان بالشقة، حاولت النجاة من مئات الأقدام التى تهرول فى كل اتجاه وتسحق رأسى فى تحول غريب من الحلم إلى واقع شديد العدوان والشراسة واللامبالاة، بينما فتاتى، الأمل الأخير والمنطق الوحيد الراسخ فى كل ما حولى، تستكين بجواره، وتبحلق فى رأسه، أسعى لأنتشلها من يده فلا تقابلنى سوى ضحكته الدخانية الكبيرة كالأمواج السوداء الهادرة التى تلتف حولى وتشدنى لدوامات القاع، وقلبى يضج بالرعب.

 

 

خاص الكتابة

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون