الليل الطويل

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 45
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

حسين عبد الرحيم

كان قد ترك مسكنه في الكوربة، وحيدا كعادته، إلا انه هذه المرة قصد سوق الأسماك بضاحية صلاح الدين. على نثار ضوء خافت كان يمشي ببطء، يتذكر آخر رحلاتهما سويا، وكان الوقت ليلا أيضا.

وجيه يسى؟!

لم ولن ينساه، ولا تلك الجلسات الحميمية بكافية بالميرا، والتنزه في الميرلاند وتلك الحدائق المورقة المخيفة والتي كلما سارا سوياً فيها انقبض قلبه دون سبب معلوم، يخشى هفهفات الجذوع الخفيفة التي تترنح بين أشجار السرو العالية، والتي تتمايل مع الريح في العتمة، فيدق قلبه رغم بعده عن موقع تلك الأشجار، وكأن هناك قتيلا مجهولآ سيهوي فوق رأسه، وأن هذا القتيل قريب منه، يعرفه.بشكل حميمي كأنه شقيقه الأكبر الذي بات يشفق عليه كثيرا في الأيام الأخيرة خاصة وأن برهان أجريت له العملية الثانية في عينه اليسرى منذ يومين.

يتذكر موت شقيقه التوأم .. ظله، في التل الكبير وقت قضاء خدمته العسكرية بفرقة الإستطلاع، أسفل أشجار السرو أيضا وقت أن كان واقفا يقضي الخدمة الليلية قرب مخزن الذخيرة خلف أكوام الرمال الكثيفة والتي تركض فوقها الأرانب الجبلية البيضاء السمينة هاوية في الظلمة كالضليلة التي تساق لطريق تعلمه ولكنها لا تراه، تفر بخفة عكس الريح في لمح البصر صارت عقدته تتعاظم كلما رأى تلك الأشجار، حتى وهو مع حبيبته التي تقطن مصر الجديدة ذات الأصول الإيطالية والتي هاتفته منذ ساعة ونصف على غير العادة وقالت له في عجالة:

ـ نفسي نتمشى سوا في الليل لـ.. وحدنا وفي شارع طويل مالوش نهاية يودينا لآخر الدنيا.

بعيد عن هنا؟!!

نمر من أمام كنيسة الكاثوليك بالكوربة ونواصل الحكايا وتلك الحلقات الفرنسية التي تعرضها قناة r t والتي تفسر نظريات القرين وتناسخ الأرواح وأن كلاً منا يحتفظ بأكثر من آخر بداخله  يشبهه في أشياء ويختلف معه في أشياء أخري عديدة، بل إن هناك داخلنا من لا يعجبه سلوكنا في بعض المواقف تجاه شخص أو حدث ما، وأن هناك العشرات من حالات وحوادث القتل الغامضة واللا مبررة من قبل بعض السويسريين وكثرة من الفرنسيين أيضا تأتي بشكل غير متوقع من قبل الجاني أو المعتدي، بل وبمجرد القبض على القاتل وهو في حالة ذعر بين تكون أول عبارة له

ـ لم أقتل أحدا. ليس أنا؟!

شربنا السبريسو بمقهى خارينوس على مصابيح خافتة تشبه تلك المصابيح التي تنير شوارع أثينا، والتي سكرنا فيها سويا أنا ووجيه يسى، وتقول ماريا وأنا أستعيد شريط الصوت في هاتفي وأرنو لضحكتها الطفولية وهي تزيد من غنجها.

ـ انت عايز تشوفني في البانيو عريانة.

بعينك.

سأدفعك بيداي تلك إلى أول شجرة سرو تقابلنا في الميرلاند، واصل المشى ببطء على غير العادة وصار يفكر في أشياء عديدة مبهمة. بعد أيام خمسة سيتم عامه الخمسين. والمرآة قبل خروجه من منزله بالعباسية وقريبا من غرفة المسافرين الكلاسيكية الطراز أوحت له بعكس ذلك، ومع تحديقه في الهالات السوداء أسفل عينيه جن جنونه، رأي شخصا آخر لايعرفه. غريب عنه. لم يولد في هذة البلاد. ولم يستسغ حتى طعم الماء في بحرها. كان يطل على صفحة المرايا المصقولة وكأنه ابن الأمس البعيد، ابن البحر الكاره للنيل والمذعور من موجاته العميقة، وتحديدا في تلك المرة الوحيدة التي رأي فيها الشاب الثلاثيني ينزلق من المركب الصغير قريبا من نافورة الجيزة.

……………………..

*من نصوص البناية

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون