“الليلة الكبيرة”.. كل ليالي البشر كبيرة

mohammed Al fakharany
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

محمد الفخراني

لطالما فكّرْتُ أنّ إحدى الدرجات القُصوى للتأمُّل تكون وسط الناس وليس في الإنعزال عنهم.

أنْ أكون وسط جموع كبيرة من البشر، بحر أو نهر من البشر لا أعرف أسماءهم ولا يعرفون اسمي، ولا نريد أن نعرف، كل ما يجمعنا هو هذا البحر النهر الإنساني الهادر.

أنْ تكون وسط الزحام لا الانعزال، وسط الصخب لا الصمت، وسط الحركة لا السكون، أن تفتح عينيك لا أن تغلقهما.

ليالي الحرب كلها كبيرة، وهناك “الليلة الكبيرة” للحرب.

ليالي الجوع كلها كبيرة، وهناك “الليلة الكبيرة” للجوع.

ليالي الوباء كبيرة، وهناك “الليلة الكبيرة” للوباء.

ليالي الشفاء كبيرة، وهناك “الليلة الكبيرة” للشفاء.

“الليلة الكبيرة” للّعب.

“الليلة الكبيرة” للحزن.

“الليلة الكبيرة” للفرح.

ونحن البشر، المُشْتَرَك الحاضر دومًا في كل الليالي، نحن البشر، الناس، مَنْ نَحزن ونفرح ونجوع ونعيش الوباء والحرب واللعب والشفاء.

ودائمًا هناك “ليلة كبيرة” في مكانٍ ما بالأرض.

في التأمّل وسط الزحام، أنت تتداخل بعالمك وروحك وجسمك مع كل هذه العوالم الإنسانية، تلتحم معها، تدخلها وتخرج منها، وهي تدخلك وتخرج منك، وفي الوقت نفسه، وفي كل لحظة، أنت مُحتَفِظٌ بعالمك الشخصي، الامتزاج القوي والخصوصية الكاملة معًا.

وسط الناس، أنت هنا مع الجميع، على الأرض العارية، بروحك العارية، لا تحتاج طقسًا أو مكانًا خاصًا ولا أن يَخْرَس الكون لتسمع صوتك الداخلي، أنت تريد أن تتحرَّر من صوتك/ أصواتك، إنها روعة الأصوات البشرية، والزحام/ الزخم الإنساني، ناس لا تعرفهم ولا يعرفونك، تجمعكم تلك الحالة الإنسانية، التداخل الإنساني القوي والخفيف معًا، كلٌ داخل عالمه، وكلنا داخل كون واحد، كون حُرّ، ولا نعرف هل نسينا أنفسنا أم تَذَكَّرْنا، أم لا يُهِمّ ما يحدث، لا يُهِمّ أن ننسى أو نتذكّر، لا يُهِمّ أن نذهب بعيدًا أو نعود.

إنها “ليلة كبيرة”، التأمُّل الكبير، السفر الكبير، العَوْدُ الكبير، النسيان الكبير، التذكُّر الكبير، اللا يُهِمّ الكبير.

كل ليالي البشر كبيرة، لأنه، وفي كل ليالينا، هناك إنسان في مكانٍ ما يعيش ليلة كبيرة بالنيابة عن البشر كلهم، لأجلهم كلهم، ليلة في الحزن أو الفرح أو الحرب أو الجوع أو الوباء أو الشفاء أو اللعب أو الحب.

في النهاية، في البداية، وبطريقةٍ ما، كل ليالي البشر كبيرة.

 

مقالات من نفس القسم