الخروج إلى النهار .. الموجود في قاع حفرة

الخروج إلى النهار .. الموجود في قاع حفرة
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

تمنح النساء مذاقًا خاصًا للثورات، في حياة ربما يكون الرجل ليس مجرد شريك، لكنه أيضًا كائن ينمو في ظل وجود المرأة إلى جواره. تشبه الثورة هذه الفكرة حينما تبدو المرأة مثل حضن كبير لحركة حياة جديدة تتدفق. لذا لا يبدو غريبًا أن تأتي إيزيس وحواء زائرات بحضور واضح في رواية " الخروج إلى النهار" للكاتبة المصرية نجلاء علَّام، الصادرة عن دار الأدهم والمورد الثقافي.

لا تمنحنا نجلاء علَّام مجرد كلام عن تلك المرأة الوارفة كشجرة، لأنها تمد أوراقها الخاصة أيضًا في باب “بنانيت نجلاء”، وهو باب نصف شهري تقدمه نجلاء في أحد مجلات الأطفال للتواصل معهم، يمنحها ذلك تأكيد للفكرة، بأن النساء هن حضن كبير للكلام والحكايات والتواصل. ويتزامن ذلك مع تكريمها في متحف سعد زغلول بمناسبة يوم المرأة العالمي لمجهودها ودورها. والصورة الأبرز من هذا التكريم هي صورتها مع عائلتها. صورة هادئة وسعيدة  وكيان ينمو بالمحبة والكتابة لزوج كاتب أيضًا هو هشام علوان.

الجلسة الأطول التي تحدثت فيها إلى نجلاء علَّام، قطعها مكالمة هاتفية لتطمئن على ابنها لدى عودته من المدرسة،  ثم أكملت حديثها معي عن كتابها البحثي حول تطور مجلات الأطفال في مصر والعالم العربي الذي أعدته. سيدة هادئة وودود. اتفاجأ حين أجد روايتها عن الخيال العلمي، وعن عالم آخر تحكي تفاصيله كأنها تعيشه. لكن، أليس الأمهات غالبًا ما يجدن حكاية حواديت عوالم لا نعرفها.

تمرد لأجل الحياة

تبدو الحياة التي نعيشها طبيعية لدرجة نفتقد فيها تقديرنا وإحساسنا بكل المنح البسيطة التي نعيشها.. متعة اللمس، متعة التعامل مع الأشجار والعصافير. تقدم رواية “الخروج إلى النهار” لنجلاء علَّام الحياة في العالم المتطور.. العالم الذي يلغي كل التفاصيل الآدمية البسيطة . تقدم لنا بذلك رواية خيال علمي، عن مجتمع يتحول إلى مؤسسة ، الناس فيه ليست لها أسماء، بل أرقام، وإنجاب الأطفال يتم بعملية معملية، وليس بتزاوج بين رجل وامرأة. والموت لا ينتهي بالدفن، لكن بتجميد الأجساد، في المقابل، يتم محو كل علَّامات الأنوثة، وكل المشاعر، ويتم محو اللغة الإنسانية القديمة لتحل محلها لغة جديدة لا تعرف كلمة الخوف، ولا كلمة الموت، ولا كلمات كثيرة عن المشاعر الإنسانية.

وإذ تموت الأنوثة تموت الحياة، ويبدو المجتمع باهتًا باردًا، يحتاج للتمرد عليه. يحتاج إلى ثورة تستعيد الإنسان، تمجد الأنوثة، وتمنح امرأة ورجل حياة.

الرواية تبدأ بسقوط رجل وامرأة ينتميان لهذا المجتمع الحديث في حفرة وحدهما ليكتشفا الحياة الحقيقية الطبيعية معًا: “إن مرور يدك على جسدها لم يثر فيك الرغبة الجامحة،… بل… رأيتها حين لمستها كبدن لدنيا جديدة، تفتحت أمامك، وأردت أن تعيشها”.

تتقاطع مع الرواية مشاهد من التاريخ والأساطير ومن الحاضر أيضًا تصنع نجلاء علَّام لوحتها عن رجل وامرأة يسعيان نحو اللقاء عبر كل العصور، منذ قابيل وهابيل وخلافهما على الفتاة، وأسطورة بحث إيزيس عن أوزوريس، وامرأة تقف على البحر بانتظار رسالة من رجلها على الشط الآخر. وتتعدد نماذج الرواية عمن يبحثان عبر التاريخ عن لقاءهما الحتمي.

يتحقق في النهاية اللقاء، مع الثورة، بحيث تتم الثورة في تونس وميدان التحرير. وفي الوقت نفسه يجتمع في الحفرة رجل وامرأة تمردا على الحياة الحديثة.

غير أن بنية الرواية مملؤة بحواديت مختلفة وفصول قصيرة مما يجعلها في المنتصف تعاني بعض التفكك. بالإضافة إلى الجزء الأخير في الرواية بدا منفصلاً، لأنه يحكي عن زيارة البطلة إلى تونس أثناء الثورة، فبدا نقلة عن  عالم الأسطورة أو حتى العالم الحداثي الأصلي.

تأتي الرواية من كاتبة هي بقدر كبير كاتبة أطفال، وتمنحنا هذه المرة رواية خيال علمي. ربما تكون الرواية التي بدأت بحكاية قابيل وهابيل وانتهت في هذا العالم الحديث، هي رواية عن تاريخ المقاومة لأجل الحياة. وسؤال كبير عن سر وجودنا على هذا الكون والمنح المحيطة هنا. وهي  الفكرة نفسها في كتاب “الأمنيات المضيئة” الصادر في العالم نفسه للكاتبة نجلاء علَّام والذي يحكي عن بداية الكلمات كيف ولدت الكلمات والجدة تحكي. يبقى كما كتبت نجلاء أن “الأمل يحيل كل لؤلؤة مكنونة في أعماق البحر إلى خاتم في اليد، كل معجزة إلى ممكن”.

 

مقالات من نفس القسم