الصورة فى مجموعة ” مثل واحد آخر ” لسيد الوكيل *

الصورة فى مجموعة " مثل واحد آخر " لسيد الوكيل *
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

المفهوم  المحورى المناسب لقراءة هذه المجموعة للكاتب سيد الوكيل ( من مصر أيضاً ) هو مفهوم الصورة والتصور والتصوير ، فهناك حضور كثيف للصورة والمرايا واللوحات والمشاهد والعيون المحدقة ، وهنا تصور العالم وكأنه مشهد يخلقه الكاتب ويحرك الشخوص داخله وخارجه .

فى " الثعالب و أنا " حديث عن :

ـ الصور  التى لا تفنى ، الصور الموجودة فى الذاكرة .

ـ مشهد يجمع بين شخصيات عدة تم تجميعها فى مشهد واحد تجميعى كبير ، ثم تجري تفرقتها بعد ذلك عبر القصة فى مشاهد فرعية ، وهذه آلية من آليات المونتاج والسرد السينمائي المستخدم بكثرة فى هذه المجموعة .

ـ هناك فى هذه  القصة حديث عن الصور ، صور الذاكرة  ، وكيف تبقى طيلة هذه السنين ،  وصور الشخصيات السينمائية ( صوفيا لو رين ) ، والعلاقات الجنسية بين الشخصيات والصور ، صور من الطفولة ومن المراهقة بتهويماتها الجنسية وأحلامها وتخيلاتها حول الثعالب والطيور ، الثعالب التى تخدع الطيور حين تتناوم ، والطيور التى تهرب محلقة بأجنحتها .

فى ” الموت والجمال ” حديث عن : الطفل الذى طلب إلى أمه ألا تنسي مجلاته التى يحبها بما فيها من صور جذابة ، وكذلك ألبوم صوره الذي يضعه تحت مرتبته ، وهناك كذلك صورة الطفل الذي يرسم الوجوه ويحدق فيها فيمنحها الله لجمالها أرواحاً ملونة .

فى ” الثعالب ” كذلك إشارات إلى القلب الذي لا يخفق إلا لصور تفنى ، وحديث عن صور لفتيات عاريات يحتفظ بها الولد .

فى ” أشعل الفرن فجراً “إشارات إلى الصور الموجودة فى جيوب الأطفال ، وهى كذلك صور لرجال ونساء عاريات فى أوضاع مخلة .

فى ” مساحة صغيرة من الظل ” إشارات إلى الفنان الذي يحفر الوجوه على جدران الطين ، ويتحدث إليها ، وإلى إمكان تحول الصور المرسومة الثابتة إلى صور متحركة . الشخصيات فى معظمها تعيش على عالم الصور الخاصة بالذاكرة ، والصور الموجودة فى الذاكرة، والصور والألبومات ، والصور الفوتوغرافية ، والصور المرسومة على الجدران … إلخ ، التى تحضر من خلال صور الذاكرة والصور قد تكون صوراً حقيقية ، وقد تكون صوراً متخيلة ، صوراً مدركة أو متذكرة .

والقصص كلها هى أجزاء من قصة كبيرة ، أو راوية كبيرة ، أو لوحة كبير ة تكتمل عناصرها من خلال آليات التكرار والتماثل والسرد المتكرر وعودة الشخصيات معاً داخل القصة الواحدة ، والتذكر المصحوب بالأسي والشجن ، واستدعاء الماضي فيما يشبه شريط الفيلم السينمائي ، ثم تحريكه بسرعة أحياناً وببطء أحياناً أخري ، وتثبيته أيضاً ثالثة ، وذلك من خلال الصور التى ترصد الماضي عبر ذكريات أليمة ، لكنها تكون أيضاً عندما يجري تذكرها من مسافة ، من على بعد ، طريفة وممتعة ،وقد تدعو إلى الضحك أو الغناء .. وقد تتحول الصور إلى معايير مجردة حين تكون متعلقة بإحساسات انطوت واندثرت ، ولم يعد من الممكن إحياؤها من جديد إلا عبر التذكر وعبر الصور: هنا ترد الإشارات المرتبطة بالصمت والابتسامات والنظرة السريعة أو المحدقة أو الشاردة ،وهكذا فإن الحديث عن الصور هنا هو حديث عن الأثر ، عما يبقى ، عما يقام النسيان ، ذكريات خاصة بعلاقات جنسية وعاطفية وإنسانية ، ويجري التذكر فى الغالب من خلال التقاء النظرات ، نظرات الرجال والنساء بعد أن بلغوا من الكبر عتياً ، تبادل النظرات والتحديق ـ أو النظر فى لهيب النار المشتعلة احياناً ـ يؤدى إلى توالد الصور والذكريات والضحك . تتقابل نظرات الرجل بنظرات المرأة ، فتنفتح الذكريات وتنساب وتتوالى ، ويعيشان الزمن البعيد مرة أخرى ، لكن عند مستوى التذكر والغياب و الأثر الذي هو حضور آخر ، وجود آخر رغم انقضاء الزمن .

هكذا فإننا  نجد أيضاً أن فعل التحديق والنظر فعل أساسي فى هذه القصص ، وهو فعل أحياناً ما يحول الذات إلى موضوع كما قال فوكو . فى ” بعد ذلك ..لا أحد ” ، يقول الراوى : تعودت فى طفولتى أن أقرأ خرائط القمر وحديث عن النظارة ( العوينات ) الجديدة التى تلفت الانتباه ، وعن ولعه برسم الحدود لكل شئ ، وعن صورته التى تتأرجح على مسمار فى الحائط ، وعن الغرباء الذين يبحثون فى الحفل العام ويأخذون الصور التذكارية معه … وإشارات عن البحث من خلال عيون النساء عن رغبة قديمة ، وعن تثبيت النرظات والتراوح بين التحديق والتخيل والحضور والغياب ، حيث الراوى ينام فى العراء بنصف عين ، وفى بيته بنصف جسد .

الصور وارتباطها  بالموت والغياب موجودة فى قصص كثيرة  داخل هذه المجموعة ، وهناك إشارات إلى ألبوم الصور ، واليد  التى تقلب الصور ، وكل الأشياء  التى يمكن رؤيتها فى المشهد ، الصور  الفوتوغرافية فى الألبوم البلاستيك  ، الصور المعروضة أمام الراوى كشريط سينمائي ، صور صامتة ثابتة لكنها بسبب سرعة تقليبها تتحول إلى صور متحركة .. صور أعزاء رحلوا وما زالو باقيين فى الذاكرة ، صور تحركت لكنها بقيت ثابتة ، صور من الذاكرة ، وصور من الأحلام ، صور لأناس يعرفهم ، وصور لأناس لا يعرفهم ، ويحضر وجه الأم المرتبط بالغياب والموت ، تحضر صورة وجهها المرتبطة بالحضور الداخلى والغياب الخارجى بفعل الموت ، هناك هذا الحضور الكثيف القوى للأم والأصدقاء والذكريات والموت ، من ينقذ الراوى من إلحاح الذاكرة ؟ صور من مؤتمر للأدباء ، وشخصيات تغادر الكادر ، وصور تدخله ، صور موجودة بداخله ، صور خارجه ، وصور لا هنا ولا هناك ،  صور ” الوجوه التى تستأثر بكل الذكرى وكأن أجسادنا بلا قيمة ” ، واليد التى تحاول أن تقبض على شئ ، على معنى فى الخارج فلا تستطيع ، صور كأنها لوحات لبيكاسو أو رينيه ماجريت أو سلفادور دالى ، صور عن مشاهد تمر عبر الذاكرة كأنها سيناريو فيلم تجري استعادته ، أو بالأحرى ، يتم تصويره مرة أخرى ، صور لذكريات يوم الثلاثاء ، الحركة بين الأتيليه ومقهى التكعيبة ، صور من الواقع لعالم الأدباء والمقاهى والندوات ، وصور من فترة التجنيد والحرب والقطار الحربي وما به من مشاهد مؤلمة وخانقة ، حديث عن أدباء ماتوا وأدباء سيموتون ، بعضهم دخل الألبوم وبعضهم سيدخله ، حديث عن الأحلام الضائعة والمهمشة والمهشمة ، عن بؤس الأدباء فى هذا العالم ، أو بالأولى فى هذا الوطن . عن أدباء كبار مجددين لم يبق لهم من مجد سوي أن يموتوا فجأة أو يمرضوا ويقوموا ببيع اللب والسودانى .

هنا تداخل  بين عوالم القص والحكايات والكتابات  الفعلية وعناوين القصص ، والحياة  الفعلية ، حياة الأدباء وضياعهم  فى الحياة ، مزج لليومى العابر الزائل بالمتخيل والحلمى .

فى ” مثل واحد آخر ” حديث عن انهيار حاسة الإبصار ، وحديث كثيف عن حاسة اللمس ، وعن الحواس الأخري . كيف يُلمَس ثقب الباب فى حالة انعدام الرؤية ، الشعور بالبرودة ، وحديث عن صوت الأم أيضاً ، كيف تنهار المهارات فجأة ، ونوع من الشعور بالتغير فى الواقع ، وتغير فى الشخصية ، وهذه مشاعر موجودة فى القصص كلها بوجه عام .. حيث نجد أن الواقع فيها فجأة ، ويكون على المرء أن يبدأ من جديد لكنه عندما يبدأ يكتشف أن هذا الواقع الجديد ليس جديداً ، لقد مر الشخص بهذه الخبرة من قبل وكأنها خبرة سبق الرؤية أو ” سبق أن ، حيث يري الإنسان مشاهد جديدة ، ويعتقد أنه رآها من قبل ، ولذلك أسباب عديدة بعضها مرضي وبعضها صحي حسب حالة الإنسان .

فى علاقات الإنسان مع عالم الظلام فى هذه القصة  تشتد الحواس ، وتقوي إدراكاته للتفاصيل الصغيرة ، ويسخر من برامج التلفزيون  المصري ، ويتخيل نهايات متعددة لقصته  هذه التى تشبه السيناريو أو المشهد الذي يرويه شخص ثالث موضوعى يفكر فى الاحتمالات المتعددة لخروج هذا  الشخص المحاصر خارج باب بيته من هذا المأزق .. كأن يخرج أحد الجيران ويشعل المصباح أو يذهب لقضاء الليلة فى المقهى .. إلخ ، أو يتخيل ما يفعله لصوص الأفلام البوليسية حين يصيخون السمع ” لتكات ” باب الخزانة فتفتح ، هنا تركيز على حواس اللمس والسمع والشم فى حالة غياب حاسة الإبصار ، وحديث كذلك عن الصور النمطية للشخصيات الأب ، الأم ، الحبيبات ، الزوجات ، الجيران … إلخ ، وإشارات إلى عمليات التحديق من عيون سحرية ومن ثقوب موجودة فى الأبواب ، تبادل وتوافيق للعلاقات بين مكونات القصة ، وتلاعب بالأحداث والنهايات ، تلاعب لا نهائي من خلال لعبة التاجيل والإرجاء التى تحدث عنها دريدا ، أو التى يتحكم فيها الخيال ، فالشخصيات من خلال نظرة الراوى تتحول إلى موضوعات ، أشياء يموضعها و يقوم بتشييئها ( يحولها إلى شئ ) من خلال نظرته إليها على أنها كائنات مفرغة من الحياة ، آلات وآليات ، مانيكان أو عرائس ماريونت ، تتحرك بلا روح ، وهناك تدخل وتعليق وإيقاف للحدث ، فى نوع من القطع أو المونتاج و الإضافة والحذف (49 ).

المفردات  مثل : البداية ، النهاية ، لحظة التنوير ، المكان ، الدخول فى المشهد الزمان … إضافة إلى تناص القصة مع أعمال أخري ، مثل أوديب ، أو قنديل أم هاشم لـيحيى حقى ، وتحويل الشئ إلى شخص ، والشخص إلى شئ أمور كلها مميزة لهذه القصة . هنا حديث عن غياب الإبصار ، أو بالأحري عن أهمية حضوره . فكرة انقطاع الكهرباء المرتبطة بالحياة ، وحضور الموت ، وتحطم الأحلام .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*فصل من كتاب .. عصر الصورة .. “السلبيات والإيجابيات” .. تأليف د. شاكر عبد الحميد الفصل الخامس .. الصورة فى الأدب .. صـ 213 ـ 216  .. عالم المعرفة ..

 

عودة إلى الملف

 

 

مقالات من نفس القسم