أحوال المحبين كما يترجمها أحمد حلمي

أحوال المحبين
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

علي قطب

ماذا يحتاج الإنسان العصري؟ هذه هي الفرضية التي طرحها الأديب القاص أحمد حلمي وهو يحدد موضوع مجموعته القصصية وفقا لرؤية كلية تعالج أحد الجوانب المهمة للنفس الإنسانية المتكاملة الأبعاد، فإذا قولنا أن أحمد حلمي يضع العاطفة مدخلا لقضية الوجود البشري فهذا لا يعني أنها تنفصل بحال من الأحوال عن الأنشطة الروحية والمادية والسلوكية المتنوعة للذات الإنسانية، فالتعايش مع النفس ومع الآخر ومع السياق المجتمعي كله ومع الكوني بما فيه ومع الزمن بتحولاته ومع الأمكنة برسوخها ومتغيراتها وقسوتها وجفافها ومع اللغة ومع الفنون ومع المتلقي الذي تصله الرسائل الإبداعية، كل هذه الأمور توجهها العاطفة وتؤثر فيها وتنفعل بها وهذا ما جعل حلمي يختار موضوعه العاطفي ليعرضه من خلال نماذج فنية مختلفة تمثل أحوال الإنسان ما بين سلوكه اليومي المتكرر أو المتغير من ناحية وتيار شعوره الجاري معه منذ ولادته من ناحية أخرى.

إن قصص أحوال المحبين تعد لونا من الترجمة التي تستخلص لغة خاصة وتحولها اللغة التواصلية لكي نستطيع أن نفهمها، وقد أخذ حلمي على عاتقه مهمة الترجمة لهذه الأحوال المتنوعة طوال مجموعته التي قدم لها بإهداء ثم مفتتح وختمها بالشكر في سلوك يماثل سلوك المحبين فهو هنا محب لفنه، ومحب لقارئه، ومحب لمن ألهمه، ومحب لمن ساعده في إخراج قصصه على نحو جمالي يليق بالتواصل بين المبدع والمتلقي.

استطاع حلمي أن يخرج من مأزق غياب القصة القصيرة عن السياق الثقافي الراهن وذلك بتوظيفه لوحدة الموضوع في المجموعة فأصبحت شكلا أدبيا متحركا من الناحية الجمالية بين القصة القصيرة والنوفيلا، وإن كان هذا الشكل لا يعد تهجينا غريبا على الثقافة العربية لأنه لم يفقد القصة وحدتها ولم يجعل القصص مبتورة أو تحتاج القراءة الكلية لكي تدرك المغزى أو الحالة التي تترجمها للمحبين، فاحتفظت كل قصة بخصوصيتها في التجربة الكلية لتلك الأحوال.

هناك سبب آخر يباعد بين هذا الشكل والتهجين الاغترابي لطرق الكتابة السردية، هذا السبب هو الرصيد الكبير لأخبار العشاق في الثقافة العربية القديمة فلدينا من الكتب التراثية في أحوال الحب وأخباره وفلسفته ما يقيم مكتبة كاملة في هذا النوع الأدبي وبذلك يتصل أحمد حلمي بتراثه السردي القصصي مستعيدا فن الخبر القديم وموظفا له بحساسية جديدة وبلغة فيها عمق التصوف وغنائية الشعر فضلا عن دقة المترجم الذي يدرك جيدا لغة النفس والعاطفة ويحولها إلى رموز تعبيرية، وهذه الرموز التعبيرية الجمالية التي عبر بها عن الأحوال ظهرت من خلال حضور الموسيقى سواء حضور بالإحالة إلى آلات موسيقية كالربابة والفيولين أو بكلمات مثل الأغاني أو بحضور أعلام الفن الموسيقي كأم كلثوم ووردة وكاظم الساهر والقصبجي والسنباطي وبليغ وسعاد ماسي، كما ظهر حضور الفن التشكيلي اللوحات والألوان، وحضر الضوء المسبب لرؤية الأشياء التي لا نراها في الأوقات العادية كما حضرت لغة الحركة والتعبير الجسدي، بالإضافة إلى حضور الروائح كحضور القهوة منبه يقظ مثير للحالة الشعورية، وحضرت وسائط الاتصال كالهاتف وأجهزة الاستماع إلى الموسيقى، وحضور ورق البردي للتعبير عن خلود الكتابة.

إن حلمي يعبر بأسلوبه الخاص الذي يدرجه في فئة المحبين، محبي الإنسانية والحب والإبداع، هذا الأسلوب يتميز بالتعمق في البنية الروحية للإنسان من خلال الخروج من الظاهرة المرئية وبالتالي فإن القصص تحمل درجة من الغنائية والشعرية دون تكلف وتضيف إلى صوفية البحث عن الحقيقة صوفية البحث عن أص الفن.

 

 

مقالات من نفس القسم