ما يشبه كافكا ..

ما يشبه كافكا ..
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

أسماء حسين 

أحب الناس اللذين يشبهون كافكا ..
الرجل الذى تستطيع أن ترى كل انش من روحه داخل نظرة عينيه .. تشعر حين يصوب إليك نظراته وكأن روحه بأكملها مركزة عليك، تصب بداخلك دون حواجز او انتظارات مؤسفة.
ذلك النوع من العيون الدافئة العميقة التى لا تصمت أبدًا .. إنها دائمًا تقول شيئًا.

 

 

ولا تقف مكتوفة الأيدى أمام عينيك، بل تصافحها طويلًا .. وأحيانًا تشعر بها تلمسك وتتحسس تفاصيلك بعناية أو تقترب لتأخذك داخل “حضن” طويل دافىء دون مقدمات غير مبررة.

“أين أنت؟” – “تعال إلى هنا!” – “اقترب ، حالاً!” – “لماذا تختبىء، دع الهراء!” .. هذه العبارات لم يقلها كافكا نفسه قط، هكذا شعرت حين قرأتها باحدى قصصه .. هذه العبارات تقولها عينيه ، لمن تنظر إليه .

في كل لحظات حياتي كانت روحي تتلصص في صمت لأعرف ملامح روح الآخرين، من عيونهم وأصواتهم وطريقة عناقهم ، لا مما يظهرونه وهم جالسين أمامى ولا مما يقولون .. فلا أعرف صدقه من كذبه ولا أعول عليه كثيرًا مهما أظهرت عكس الأمر أحيانًا.

ثلاثة أشياء فقط لا تكذب على قلبى أبدًا ! ولا أثق فى سواها .. “الصوت” و”النظرة” و”العناق” ….

ولهذا ، أحب عينىّ كافكا .. وأخاف عينىّ أنا. لأننى أدرك أننى أستطيع أن أفلت كل انش من عاطفتى داخل عيناى فى لحظة .. معلنًا فضيحة !

وأحب نظارتى السوداء الطيبة ! .. لأنها الستار الوحيد الذى يخفى فضيحتى العسلية عن الشوارع والأرصفة ، ووجوه المارة ، وواجهات المحلات ، والملتفين حول عربات الكبدة التى أشتهى رائحتها ، والقطط الضالة المتطلعة نحوي، ونظرات الفضوليين المحدقة بي .. وعيون الرفاق في المقاهى التى لا تعكس لي أكثر من ظل المكان حولها ، ولا تذهب الى أبعد من وجهى ملليمترًا واحدًا داخلى !

أحب النظارات السوداء التى تستطيع أن تخمد حرارة عيناى وتمنعها من اذابة ستار الجليد المقصود عن وجهى الصغير الذى يخبىء حقيقته دائمًا! .. انها بمثابة “طفاية الحريق” لروحي ، أو درعي السري الذي أمد يدى اليه سريعًا وأضعه كلما شعرت بالعرى فجأة أمام العالم.

النظارات السوداء طيبة ، كعيني كافكا .. وان لم تكن صريحة مثلها.

 

فليست كل الأشياء الصريحة طيبة .. ولا كل الأشياء الغامضة سيئة بالضرورة!

مقالات من نفس القسم