نصوص

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

ثناء حسن

نظام

ثلاثة قمصان يتم غسلها بعناية كل يوم، وبنطلون واحد، وغيار داخلى؛ ليبدو الولد الطويل أطول مِمًا هو، وتظل الفتايات القصيرات أقصر مما يجب أن يَكنً. وتظل المسافة المفترضة بينهم قائمة بالتساوي.





ثلاثة قمصان، وبنطلون واحد، وغيار داخلي يتم غسلها بعناية كل يوم؛ ليرتّب الولد حجرته! ويصلّي.

ثلاثة قمصان، وبنطلون واحد وحذاء، وثلاثة كتب، ومكتبة، وصورة للچيوكندا بإمضاء قديم، ومشبك ورق، وولد طويل، وفتاة تغسل له ملابسه كل يوم، وفردة حذاء واحدة، وشماعة من الخشب، وولد لا يرتًب حجرته ولا يصلي!

…………………..

غريق

وشْم أزرق .. نقشه خالى على صدره كتب عليه اسمه،وأبيه وقريته ورسم أسفله صورة جميلة لزوجته بقرطين كبيرين من الذهب حتى إذا جاءت الرياح بما لاتشتهى السفن السفن أعادوا جسده الغريق إلى قريته..

خالى لا يحب البحر ولا يريد أن يرقد فتافيت فى جوف السمك الشّرِه.. لذا دّقً هذا الوشم،وامتطى مركبه ورحل…

خالى وقف مطمئناً وسط الرياح التى لاتشتهى السفن وكشف عن صدره العريض وتحسس الوشم الجميل وابتسم.

السفن لاتشتهى الرياح..لا تشتهى الرحيل لا تشتهى الغرق. خالى قبض بكفه على سمكة صغيرة، وبعض الرمال،وعشب عفن.وعندما أخرجوه كان صدره العريض مبيضاً وناصعاً..ومكان  الوشم.. تسكن قوقعة..

………………………

أولاد

الولد المعتاد على صفعات الشارع أسند ظهره إلى الحائط وبكى؛

إذ لسبب ما اختار الولد الأحمق أن تأتى الساعة موازية تماماً لشباك البنت التى يحاول الولد الباكى منذ أسبوع إقناعها بأن تلعب معه.. مجردَّ حظ!

.

البنت التى لمحت الولد مقهوراً يبكى ، والولدُ الأحمق مختال يضحك، والمشهد كله من فتحة شباكها، ألقت بأصيص اللَّبْلاب على رأس  الأحمق..فنظر إلى أعلى مغتاظاً؛ فهزَّت رأسهاللولد الآخر في دلال مبتسمة.. مجرَّد صدفة!

الأولاد اللذين وقفوا مبهورين يشاهدون آلموقف كله، واللوا تقف على عتبة باب منزلهم جروا نحوها، وجذبوا الولد الباكى من جلبابه، وأعطوه الكرة ليبدأ فى اللعب..

مجرَّد لعب.

…………………..

مشاجرة

لم يكن لائقاً أن أتشاجر معه، فبيننا ثلاثة عبود وثلاثة أولاد فى مثل عمرى وشارع قصيرة يفصل بين منزلنا ومنزله، بالإضافة إلى مئات اللحظات الحافلة: يوم وقعت من فوق شجرة التوت وكُسرت ساقى، إلى المنزل حملنى هو، ويوم وسَّدْنا أبى التراب، ويوم تخرُّجى، كان دائماً معى. كان وجهه مسودًّا من العرق لكن عينيها كانتا ممتلئتين، هكذا أتذكَّر بابتسامات صغيرة و طيبة، ولهج لسانه،  هكذا أتذكَّر بدعوات رقيقة وطيبة، دعوات كالتى كان سيطلقها لسان أبى لكنى لم أتذكَّر كل هذا وأنا واقفة فى شرفة منزلنا و على مصباح زجاجى رخيص أتشاجر معه، مصباح كان وارداً جداً أن يكون هو الذى أهداه إلى أبى وبالتالى فليس سيئاً جداً أن تأتى ابنه الأصغر بكرته الصغير ة ويحطمه..

تذكَّرته فقط عندما انطلقت ْ من ناحية منزله صرخات ملتاعة أيقظتنى على الفور، وقبل أن أنهض من فراشى، وقبل أن أرتدى  ملابسى لأكون هناك تذكرت أننى لم يكن لائقاً أبدا أن أتشاجر معه!

…………………………….

قرار

ليس كافياً أبداً أن يكف الولد الطويل عن صفعكِ لتشرعى فى كتابة قصة جيدة، وتكَّفى عن القلق . المفترض أن تصنعى لنفسك كوبين من القهوة ، وترتدى حذائك الأسود قبل أن تشرعى فى البكاء، ثم تحصى عدد الصفعات التى كان يمكن أن تكون من نصيبك لو لم تدخل أمُّك الحجرة فى اللحظة الحاسمة.

لا تجلسي هكذا مكتوفة اليدين كفأر أبيض صغير فى حجر ة مظلمة حتى يتوقف عن نسيان سجائره مشتعلة فوق جبينكِ، ثم يبكى فتتنازلين له عن نصيبك فى العشاء،  وتنامين جائعة.

– أريد أن أقف لمرة أخيرة فى شرفة حجر ة جارتكم، وأنظر إلى التل، فألمح شجرة التوت العجوز تجفف دموعها، ثم تنظر صوب ى ملَّوحة .

_ أن أصنع لعروستي حذاءً جلدياً وزوجين من الجوارب، قبل أن ألقيها بعد ذلك فى صندوق النسيان مع الفأر فرفر والدب العجوز وبندقة.

_ لست بحاجة إلى دال فى أول اسمك، ولا إلى ألف فى أخره، لتصلحى كل يوم من وضع نظارتك فوق أنفكِ قبل أن تتجهى للحمام فى ثقة.

_ أريد أن أكتب رواية وآخذ دروساً فى النحو ، وأزرع خلف المنزل شجرتين من التوت وقبل كل ذلك أن أتخذ فيما يتعلق بأمور حياتى عدة قرارات حاسمة: أولها أن لا أنظف أنفى بإبهامى حتى لا تتسع فتحتاه، وأهمها ألا أسمح لأى ولد طويل بأن يصفعنى، ولا أن يجعل من جبينى منفضة لسجائره.

…………………………..

هروب

الولد حتماً يخجل من رقعة جلبابها، ومن خصلات شعرها النافرة، ومن يديها المعروقتين ، ومن إلحاحها فى المساومة.

الأم الممسكة بالنقود التى تشبَّعت بعرق يديها لن تهدأ إلا إذا اشترت له الحذاء.

الولد حتمًا كره الأحذية، ومن يبيعونها،وأمه، وجلبابها، وقدميه اللتين لا تعرفان كيف تتعاملان مع الأحذية.

الأم افترشت الأرض وجلست وجذبت من قدميه الحذاء القديم فتشبَّع الجو برائحة قدميه ودمه المحترق. الولد جذبها لتخرج معه، فجذبته ليبقى هو فنظر إليها فى يأس وأطلق ساقيه للريح، وهرب.

…………………………..

رحيل

كل من تحدث عن إقامة طويلة فى هذا المنزل غادر  فجأة وإلى غير رجعة، ومع ذلك فهم وعن الحديث عن إقامات طويلةلم يكفَّوا ، حملت الجدران صورهم باهتة الملامح، المكلَّلة أطرافها بالسواد، ولم يكفَّوا عن رسم خطط طويلة المدى لإصلاح السقف وتقوية الجدران وتشذيب أشجار المانجو التى تمتلئ بها الحديقة الخلفية، لم يكفَّوا ولم تكُفّ الجدران عن التهام صورهم باهتة الملامح واحداً وراء الآخر ، ولم تكُفّ الشارات السوداء عن الالتفاف حول براويزها فى شراهة!

لم يكفُّوا ولم يكُفّ السقف عن الانهيار، ولا كَفَّت الجدران عن التصدع شتاءً وراء شتاءٍ ضاربة بكل خططهم طويلة المدى عرض الحائط .

حتى شجرة المانجو العجوز في الحديقة الخلفية استيقظت ذات صباح على الحقيقة المرعبة ؛ إذ لم بعد هناك من يقطف ثمراتها، ولما كانت لاتستطيع بمفردها التو قف عن الإثمار، ولما كانت لاتستطيع بمفردها أن تتخذ قرارها بأن تغادر هي الأخرى فجأة وإلى غير رجعة، لذا فقد ظلت هناك مع الكلب الأسود العجوز الذى لم يطالب بملكيته أحد، تَرقُب تشقُّق الجدُران وتصدُّع السقف والسكان الجدد الذين لابد قادمون، وفى رسمْ خططِ طويلة الأجل لابد سيشرعون، وفى مغادر ة المنزل إلى غير رجعة مؤكدٌ سيبدؤون، ولكن هل سيتحمل جدار واحد كل هذه الصور المكلَّلة بالسواد وكل هذا الحزن..؟

………………………..

جنازة

لم يكن مناسباً أن تمطر، لذا لم أحمل مظلتى معى. رغم شوقى الشديد، ليس لبضع قطرات مرتعشة من المطر ولكن لطوفان يُغرِقنا جميعاً، فإنه لم يكن مناسباً أن تمطر.

عندما يموت طفل صغير هكذا لا يكون الوقت مناسباً أبداً لكى تمطر، فبغض النظر عن ضرورة حصوله على جنازة تليق بحزن أمه أو مهابة الموقف التى لن يكون التَّعثُّر فى الِبرَك والمستنقعات جزءاً منها، ولكن: أعتقد أخيرا ًجداً أنه بدا لى أن السماء قررت التخلَّى عن حيادها القديم والبدأ فى مشاطرة أمه البكاء.

………………………….

ثقة

مرة أخرى تعودين  إلى رائحة الأجساد فى المشرحة .. و رائحة الدم والفزع، احترسى فلو إنزلقتِ هذه المرة أيضاً لن يستطيع ألف حذاء مثقوب مساعدتك على الهرب.

وأنت دربت قد ميك على التشبث بالأرض، وأصابعكِ على التخلَّى عن ذرَّات التراب والقلق. علَّمى  أنفكِ أن يستقر تحت نظارتك فى هدوء، وعلمى نظارتكِ أن لا تنظر إلى المارة كل  صباح بكل هذا الهلع.

ولو درَّبت قلبك على أن لا يخفق هكذا بعنف كلما مرَّ من أمام نافذتك دون حتى أن يستدير أو يلتفت فاشتري لنفسك ِ فطيرة توت كبيرة محلاَّة بالعسل.

الأمر لا ينطوي على أى تبذير، بعد كل هذا العناء أنتِ جديرة حقّاً بها. المهم أن لاتنسي من وقت إلى آخر أن تنظر ي إلى صورتكِ فى المرآة بثقة.. منتهى الثقة، لا أقترح الهمس فى هذا الموقف، عليكِ أن تحصلى على نغمة صوت مناسبة. أنت الآن تتطلعين إلى عينيك مباشرة .. حسنٌ، ابتسمى ابتسامة عريضة، وقولى: بنت رائعة أكون .. أنا بنت رائعة.

………………..

روتين

رائحة الخبز المحترق ليست بداية جيدة جداً لأ بدأ بها يومي، لكنها عادات أمي، التي من دونها، تشبه خالتى.

لا أدرى أين وضعتُ نظارتى، ولا أين فردة حذائي. اه الصداع.. الصداع الذى لم أعد أدري من دونه كيف تكون صباحات الآخرين ممكنة. قرص الأسبرين، والقهوة الباردة، والمعطف الأسود، والحقيبة التى سأضع فيها أصيص الزرع هذا حتى الصوبة، لا أدرى أين ذهب الجميع..لا يهم، أعرف كيف أهبط السلم، ثم أعبر الشارع، لأستقل المترو، وأذهب إلى الصوبة فأجدها مغلقة.

النهار يمر ثقيلاً جداً كأصيص الزرع التى في حقيبتي،والشقة مؤكد ستكون خاوية إلا من رائحة الخبز المحترق عند عودتى.

أعرف أننى سأعود لأتناول عشائي، ثم أنزع نظارتي، وأنام، ولكنى لا أعرف إن كان بإمكاني تحمُّل نهار أخر يحمل لي بداخله كل هذه الوحدة وكل هذا الألم.


مقالات من نفس القسم

تشكيل
تراب الحكايات
موقع الكتابة

قلب

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون