حاميد اليوسفي
الحياة هنا قاسية.. بلدة صغيرة تُحيط بها جبال مكسوة بأشجار الأرز.. قلة فرص الشغل تجعل الناس تجمع المال بصعوبة، لكنها تنفقه بسخاء في لحظة لهو. البعض يعشق الغناء والرقص.. قد يبيع كل ما يملك، ويقامر به من أجل سعادة عابرة قد لا تطول أكثر من ساعتين..هدى سترقص اليوم بمقهى شهرزاد.. تعجب حمو كيف أطلق صاحب المحل هذا الاسم على مكان العرض.. شهرزاد لم تعد اليوم في حاجة لمواجهة الموت بالحكاية.. كان عليه أن يستلهم اسما امازيغيا.. مثل ماتيا أو مايا..
جاء إلى القاعة باكرا لحجز مقعد قريب من الخشبة.. كان قد باع قطيعا من الماعز.. شرب بعض زجاجات البيرة.. واشترى زجاجة ويسكي وأخفاها تحت قميصه.. الويسكي وحده يُخرجه عن طوره، ويجعله يتفاعل مع الرقص والغناء من غير حياء أو خجل..
صعد الجوق إلى المنصة.. بدأ الكمان يشدو.. اربع فتيات في سن الزهور يتهادين مع النغم.. لا يعرف إن كنّ قد تناولن بعض الكحول أم لا.. الخمر تزيد من توهجهن.. الإيقاع يرتفع، وصوت العازف يتسرب بحنان مثل تيار هواء بارد في صيف حار.. هدى ترقص كالفراشة.. عندما تحلو له الخمر تبدو هدى مثل ملاك هبط من السماء بجناحين أبيضين.. قال لنفسه:
ـ هذه المرأة خُلقت لترقص..
تماللك نفسه، وقام ناحيتها.. لا بد أن يكافئها على هذه الحركات الساحرة.. أخرج من جيبه رزمة من الأوراق النقدية الزرقاء، كان قد حرص على أن تكون جديدة وحادة مثل السكين.. ثم بدأ يُلقيها تحت قدمي هدى، وهو يهمس اليها بانه مستعد لبيع هذه البلدة الملعونة من اجلها.. تذكرت أنها رأته في سهرة سابقة.. نظرت إليه بعينيها الواسعتين وابتسمت.. تبتسم وترفع من الايقاع.. ينتهي الدور الأول.. يستريح الجوق حوالي ربع ساعة.. تنظر هدى إلى حمو من بعيد.. تبدأ الوصلة الثانية.. كانت الخمر قد لعبت برأسه.. نهض مرة أخرى ورمى برزمة جديده من الاوراق تحت قدميها.. وهو عائد الى طاولته التفت ناحيتها.. بدا صوته كأنه قادم من بين جبلين:
ـ(وا هدى كنبغيك انا وبّا)*!
نظرت إليه هدى بدهشة واستغراب !
أعاد النداء من جديد.. ارتفعت الضحكات من حوله، وهدى ترقص، وتنظر إليه بحب، وتبتسم..
بعد يومين جاءتها إحدى صديقاتها ب(تراند) يغزو (الأنستغرام).. يتردد فيه نداء حمو:
ـ (وا هدى كنبغيك انا وبّا)*؟
وظهرت صورتها وهي ترقص، وتنظر إليه بفرح طفولي.. قالت لنفسها وهي تبتسم:
ـ حتى ليلى العامرية لم تحظ بهذا الشرف.. قمة الجنون في هذه القرى المحيطة بالبلدة أن يعشقك الأبن والأب معا..
ثم خفق قلبها، وأحست برعشة خفيفة تسري في العروق..
المعجم:
ـ بّا: أبي.
مراكش 03 نونبر 2025





