بائعة الخضرة

فن تشكيلي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

إيمان أحيا

كنت على وشك الدخول إلى بوابة البنك الذي أعمل به عندما لمحتها في نظرة سريعة إلى يساري ليصيبني الجمود حيثما نظرت، كانت تجلس وسط جمع من الباعة الذين يفترشون الأرض حتى بالكاد تجد لنفسك موطئ قدم إذا ما حاولت الدخول.

هل يعقل هذا القدر من  الجمال؟ كيف لم أرها من قبل؟ وبخت عيني التي حرمت نفسها من ذلك الحسن في غفلة او غضة بما امتلأت به من الوجوه التي تمر عليها طيلة اليوم في العمل، لا ..لا يعقل أن تكون هذه الفتاة التي تجلس أمام هذه الخضرة سبق لها التواجد هنا من قبل، وإلا كيف يمكن للمرء أن يرتكب حماقة كتلك بعدم ملاحظة مثل هذا الوجه؟ ولكن كيف لهذة البراءة التي تأسر عين الناظر وتُسكّن آلام الدهر لو اجتمعت في قلب وجسد ان تجلس مثل هذه الجلسة امام ذلك القفص وتلك الخضرة؟

لا أطيق صبرا سأذهب لأحدثها..

وما إن وصلت أمامها حتى تاهت الكلمات والحروف من ذاكرتي وكأن قاموسي اللغوي لم يدون به حرف طيلة ما مضى من عمري، فكان الصمت أبلغ ما عرفت، مامها، نظرت إلي مضيقة عينيها نظرة أضفت إلى سحرها سحرا لا ينتهي: ماذا تريد؟

جاء صوتها كطوق نجاة ينتشل غريقا من أعمق القيعان، حاولت تجميع الحروف والكلمات:هل أنتِ جديدة هنا؟ لم أرك من قبل، أجابت: نعم، وبخبث لا تعرف هل يتناقض مع طفولة الوجه أم يضفي اليه مزيدا من الألق قالت :وهل تنتبه لكل من في السوق ؟ اربكتني كلماتها الواثقة وتساؤلها الذي يخفي الكثير ، شعرت وكأنني طفل قد كشفته للتو والدته ، فربما هي قوة خارقة تنفرد بها حواء، لم استطع ان اخفي ابتسامة رسمتها تلك الثقة البادية في كل حركاتها قلت مجيبا: بالطبع لا ..لا أنتبه لكل من في السوق ولكن هناك وجوه عدم الانتباه لها جريمة يعاقب عليها القلب ولا تغفرها العين.

بعد لحظة سارحة في هذه الكلمات ابتسمت قائلة: يبدو أنك تحترف أساليب الحديث مع النساء، أجبتها بسرعة ضوئية منكرا ما جال في خاطرها: على الإطلاق فلم أقابل مثل هذا الوجه من قبل لأحترف الحديث اليه ولكنها فروض الحسن توجب الكثير،

كررت تساؤلها هذه المرة ولكن بارتباك من يريد الخلاص او انهاء الموقف: لم تخبرني ماذا تريد؟ اجبت وقد ذال كل الارتباك  من داخلي :اريد معرفة من انتي ؟ بائعة ألا ترى ؟ اجابت في ضجر، لا أصدق علقت بإصرار ،ما الذي تنكره علي سألت الفقر ام الحسن ؟ صعقني تساؤلها وزاد فضولي واستنكاري فهذه الكلمات لاتخرج من بائعة خضرة ، فأردفت : إن كنت تنكر علي الفقر فهو حقيقة كوقوفك امامي لا يمحوه انكار ولا بمقدور اصحابه الفرار ، اما الحسن فلعله شفقة الفقر او جريمته ، اعجزني كلامها ولكن كيف يكون شفقة او جريمة في نفس الوقت؟ تسائلت متمنيا ان يطول هذا الحديث إلى الأبد ، ربما شفقة يفتح بها نافذة في القلب ليسعد متناسيا عذاباته التي يفرضها ،وربما جريمة لانه حينها سيمنحك الحُلم ويكبح جماحه ، هل يمكنك أن تخبرني هل يغفر الحسن الفقر؟ باغتتني هذه المرة لأفقد القدرة على النطق تماما وتتصارع التساؤلات في عقلي حد الصراخ :من اي سماء هبطت هذه الفتاة؟ بل في أي شقاء نبت هذا العقل ونبض هذا القلب؟

وبعد برهة من الصمت أجابها: نعم يغفر..

لم تكن بحاجة مزيدا من الذكاء لتفطن لارتباك كلماته وكأنها عالمة بلغة الجسد ردت: اذهب أيها السيد فابحث عن هذا العالم  فإن وجدته فستجدني..

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون