لوحة ذاتية

مهاب
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

مهاب محمود 

تقول أمي أنني دائمًا كنت أرغب في الاختفاء، والرحيل بعيدًا.
قبل أن التحق بالمدرسة كان يصدف أن تجدني أمي منزويًا في غرفتي. أمسك ورقة، وقلمًا، أحاول كتابة أي شئ.
بعد ذلك بسنوات قليلة سوف تستيقظ أمي مبكرًا -كعادتها- لتجدني نائمًا في غرفتي بجانب حقيبتي المدرسية، وقد ملأتها عن آخرها بالملابس. حينها ستحاول أمي حملي لأستكمل نومي على السرير. ستسألني بصوت هادئ يليق بسكون الفجر عن سر الحقيبة، والملابس التي بداخلها، كمداعبة منها لأستعيد بعضًا من وعيي، وأساعدها على حمل جسدي. فأجيبها بصوت حاسم “غدًا، سأرحل بعيدًا عن هنا”
القصة الأولى كنتُ حينها في الرابعة من عمري تقريبًا. أما الثانية، فلا أعرف توقيتًا دقيقًا لها لكني حينها كنتُ في الصفوف الدراسية الابتدائية الأولى.

الآن أمضي في عامي الثاني والعشرين. أنُجز آخر سنوات دراستي الجامعية. أحببت أكثر من فتاة. جربت شرب السجائر. وسمعت الكثير من الأغاني، والقصائد عن الحياة، والرفاق، وعن الحب، والفقد. صادقت أكثر من مجموعة مختلفة من الصبية، والغلمان لا يجمع بينهم شىء مشترك. مضينا معًا في طرق لم أكن أعرف حينها كيف يمكنني العودة منها إلى البيت، ولا أعرف الآن كيف يمكنني الذهاب إليها. تملصنا من سائقي الميكروباصات رغم أننا نملك الأجرة في جيوبنا. وعرفنا كيف ينظر الرجل إلى جسد الأنثى بإستثارة. تبادلنا السباب. وخسرنا أغلب معاركنا رغم أننا خطتنا لها ببراعة.
خذلني منهم كل من راهنت عليه تقريبًا. وفاجأني آخرون لم يكونوا في الحسبان. حضرت مباريات كرة القدم. و تشاجرنا مع رجال الأمن، وقذفناهم بأفظع الألفاظ. فقدنا بعض الأصدقاء غدرًا. واعتقلت الشرطة غيرهم. وفقدنا آخرين وسط الطريق. سافرت أكثر من مرة. قرأت أكثر من مائة كتاب. وشاهدت العديد من الأفلام لوحدي في صالات السينما. دخلت الكثير من الشوارع التي لا أعرف اسمها، وجلست على عدد لا يحصى من المقاهي. شربت فيها أعدادًا مهولة من أكواب الشاي، وفناجين القهوة. وراقبت عددًا لانهائيًا من الشرفات.
و الآن، وبعد كل ذلك، أجلس في غرفتي منزويًا أمسك، ورقة، وقلمًا أحاول كتابة أي شيء
الساعة تقارب الرابعة صباحًا. منذ قليل نقرت أمي على الباب، ودخلت. لاحظتْ حقيبة السفر المنتفخة بجانبي وسألتني عن أمرها. قلت لها أنني مازلتُ، بعد كل ذلك، أرغب في الرحيل بعيدًا، قبل أن يأخذني النوم أخيرًا، كعادتي، لكني، كعادتي أيضًا، يا أمي مازلت لا أعرف إلى أين أتجه بالضبط..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كاتب مصري 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون