علي سلمان نعمة
عاد الأب هادي الى بيته مساءا حاملا بيده لوحة زيتية قديمة لفنان غير معروف، والتي كانت عبارة عن منظر طبيعي لفصل الخريف. دخل الأب بيته ووضع اللوحة على منضدة الطعام، ثم خلع معطفه ووضعه في خزانة الملابس التي بجانب باب الدخول. وبخطوات بطيئة نزل الى قبو المنزل ليجلب مطرقة صغيرة ومسمار من عدة ادواته البسيطة ليعلق اللوحة على احد جدران غرفة الضيوف.
وعندما دخل المخزن الذي في القبو أخذ المطرقة الصغيرة، ثم بدأ يبحث بين عدته على مسمار بحجم صغير. وفيما كان يبحث عن المسمار لفت انتباهه صندوق بلاستيكي أزرق اللون متروك منذ زمن على أحد رفوف المخزن. تساءل مع نفسه: “ياترى ماذا في داخل هذا الصندوق؟”
سحب الصندوق إليه وأنزله من الرف ثم وضعه أمامه.
بعدها فتح الصندوق ليجد فيه الكثير من الصور العائلية القديمة، وبدأ يتفرج عليها بصمت. وقد كان من بين الصور ما يفرحه فيبتسم وهناك أيضا ما يجعله أكثر صمتاً، فبدأ يشعر وكأنه مسافرا عبر الزمن ليحل ضيفا على تلك الوجوه المنسية في لحظات لا تتكرر ابدا.
وبينما هو يتفرج على الصور توقف عند واحدة منهن، وكانت له أيام شبابه ، بعمر سبعة عشر سنة مع من أصدقائه القدامى واللذان كانا بنفس عمره ايضا. اسم أحدهما مشتت واسم الآخر رياض، وكانا عزيزين على قلبه كثيرا. لكنهما فارقاه بعد وقت قصير، لانهما سيّقا إلى الحرب صغارا، وبالرغم من صغر سنهما فقد كانا لا يهابان الموت والرصاص. كانا يرقصان على الخوف والألم، لكنهما لم يدركا وقتها ألا قوة تقف امام قوة الاقدار. فقد خطفهما الموت وهما في مقتبل العمر، خطفهمل حيث اللا عودة.ذهبا بلا اي أثر يذكر.
وبكل حزن استلقى هادي على ظهره وبدأت مطرقة الذاكرة تطرق بشدة على مخيلته ليتذكر كل ما حدث آنذاك بينه وبين صديقيه. فتذكر لقاءاتهم الاولى، وجلساتهم المؤنسة، ثم أخذه شريط الذكريات الى آخر لقاء بينه وبين صديقه رياض.
كان اللقاء مقابل بيت عائلة هادي آنذاك، قبل ساعة من وقت الغروب. وكل مايتذكره من ذلك اللقاء هو سؤاله وقتها لرياض
“ألا تخاف الموت يا رياض؟” :
وبكل سكون رد عليه صديقه
“الموت. وليش أخاف منه، أشو اني ارقص وياه كل يوم. المهم اني سعيد، بكل لحظة تمر، إذا بقيت او وافاني الاجل، ابدا ما عندي اي فرق”
لم تسعف ذاكرة هادي ابدا ليعرف ماذا حدث بعد رد صديقه المحزن عليه.
فطن الأب هادي الى دموعه تنزل على خديه. نهض وهو يمسح دموعه بطرف أكمام قميصه، ثم جمع الصور وارجعها الى الصندوق ووضعه على الرف. بعدها صعد الى غرفته لينام، تاركا وراءه المطرقة ملقاة على الارض.