فقدت بحري

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

 

نيران طرابلسي 

تسحب نفسًا عميقًا من سيجارتها، تضع قدميها على الحائط، تتمدّد بطريقة مربكة وهي تخبرني لماذا لا تريد الزواج مني؟!..

لأكون صريحا و صادقا مع نفسي، أنا أحبها، ولا أجد سببًا لذلك، لا أستطيع أن أستمرّ من دونها، هي بالنسبة إلي الماء الذي يروي عطشي لهذه الحياة، إنها البحر، بحري أنا وحدي، أحبها ربما بسبب عاداتها السيئة، فمثلا حين نكون في السرير، نتمدّد بعد مضاجعة شبقة، تقفز فجأة في حركة صادمة نحو علبة السجائر وتترك أصابعي التي امتدت لتداعب جسدها تداعب الهواء غير عابئة بي، على عجل دائما، تأتي فجأة وتهرب فجأة، كأنها تخاف أن تبدّد لحظة واحدة في اللاشيء، لها أحلام كثيرة لا تحصى، تجددها باسمرار، ولها رغبات أكثر، مندفعة على الدوام، تبحث في العمق، غير عابئة بالعراقيل، تركض و تركض، غارسة أظفارها في العادات والتقاليد، رافعة الوسطى لمقدسات العالم، تركض على إيقاعها الموسيقي، تغني أحيانا جاك بريل، وأحيانا أخرى كابريل، لا تخجل أبدا من التجول في المنزل عارية، أثناء اعداد القهوة، التنظيف، الأكل، ونشر الثياب على حبل الغسيل في الشرفة، أكاد أجزم أحيانا بأن بإمكانها الخروج إلى الشارع والتجوال عارية، وأن ذلك لا يحرك فيها مثقال ذرة من الحرج.. لا تستحي من شعر عانتها، أخبرتني مرة أنه يمكنها أن تزيله ككلّ النساء العربيات، إلا أنها تحبّه، لم يسبق لي أن قابلت امرأة تحبّ شعر عانتها، إنها نموذجي المفضل للحريّة، تتحدث في كلّ شيء براحة مطلقة إلى درجة موجعة أحيانا، تنطق الكلمات البذيئة من أعماقها بطريقة مغريّة جدا، حين تسكر تكون أكثر جمالا، تقوم بأشياء ساذجة جدا، كأن تمرّر قطع الثلج الصغيرة على جسدها غير عابئة بلعابي الذي يسيل شهوة، أحيانا كثيرة تطلب مني أن أتعرى لتستمني، تقول ذلك كأي شيء آخر عادي، وكأنها تقول “صباح الخير”، تعرى لأستمني، لا أرفض لها أي طلب، استمني أمامها، أتجول عاريا، ألعق الشكولا التي تضعها فوق نهدها او سرّتها.. أصير معها أكثر حريّة رغم أنّ الأمر صعب جدا لأجاريها في كلّ شيء، فأنا الرجل العربي الفحل أضاجع فقط!.. كثيرًا ما أرى صورة أمي ماثلة أمامي في جلبابها الطويل بسبحتها الورديّة الصغيرة وهي تردّد أدعيّة لا أسمعها، أو لا أفهمها، أسمعها أحيانا تصرخ في وجهي: ” تو انت راجل؟” ..

 لكن كيف أخبر أمي أني هكذا أحسّ نفسي رجلا، وأن كلّ النساء اللواتي سبقنها لم أشعر معهن إلاّ بالقرف، لم يسبق لي أن شعرت برجولتي كما شعرت بها معها، حين تغضب لا تشتم، لا تكسر الأشياء، فقط تنظر إليّ في صمت، تظلّ تنظر إلي في توتر، فأفهم ذلك من عينيها، عيناها مرآة لروحها، قابلت الكثيرة من النساء لهن أعين مختلفة الحجم واللون، لكن عينيها كانتا الأجمل، إنهما قويّتان ومربكتان، لونهما قريب من لون العسل، تشرقان كالشمس في يوم ممطر، تلمعان بطريقة مخيفة جدا وجميلة في الآن نفسه، إنها كتلة من الجمال، ما كنت لأعرف ذلك، دون أن أقترب منها، في لقائاتنا الأولى اعتقدت أنها سطحيّة وعاديّة جدا، لكنّي غيرت رأيي بعد أن تورطت في عمقها، أشعر أحيانا أني أغرق فيها، إنها بحري، بحري وحدي أو هكذا أريدها، أرغب في الاستيلاء عليها، في الزواج منها، في حبسها داخلي، لا أريد أن يراها سواي، أريدها لي وحدي، لكن كيف وهي نموذجي الوحيد عن الحريّة.. تطلب مني أحيانًا أن أحدثها عن النساء اللواتي ضاجعتهنّ قبل أن نمارس الحب، أو أن ألعق أصابع قدميها ولا تخجل أبدا من لعق حلمتيّ صدري، أحيانا تكون هادئة جدا، وأحيانا هائجة جدا، إنها لا تسقرّ على رأي أو حالة ابدًا، مرة خرجت عارية لتفتح الباب لصديقي، لم أغضب، تركتها تفعل ذلك، صديقي لم يفهم شيئا، ابتسمت له ودعته للدخول لتجلس معنا في الصالون عاريّة، لكنّي، لكثرة ما كانت تتصرف بتلقائية وكأنها بكامل ثيابها شعرت أن الأمر عادي جدا، صديقي يتهمني بالجنون، لأني أتركها تفعل مثل هذه الأشياء، أخبرتها بذلك مرة، فقالت دون تفكير: “في المرة القادمة أخبره أنّنا لن نقبله في المنزل بثيابه” ضحكت حينها، ضحكنا كثيرا، كانت الغيرة تحرق قلبي الصغير ومع ذلك ضحكت حد السقوط على الأرض، لأنها الوحيدة القادرة على إسعادي، لا أستطيع أن أرفض لها طلبا، و لو طلبت صديقي لوافقت من دون شك. أحبها لكلّ الأشياء التي قد يكرهها آلاف الرجال من أجلها، كيف سأستمرّ من دونها؟ إنها تحب كلّ الرجال، تحدثني عن ذلك دائما، طريقة إمساكهم للسيجارة، جلستهم، حديثهم، كلماتهم البذيئة، طريقة قذفهم، ومن لها طريقة عجيبة لرؤية الأشياء؟ لا أحد غيرها يرى ما تراه.

 قفزت من السرير بعد أن رمت السيجارة في المنفضة وقالت:

_سليم، أنا لا أريد الزواج، كيف سأتزوح و انا لم أجرّب الرجل الأمريكي والأفغاني والهندي والصيني؟ سأخونك ولا أظنّك ترغب في ذلك.

_كلّها أيور غير مختونة، وقد سبق وجربت ذلك، أظنّ أننا منسجمان جدا، لا داعي لكلّ هذا التعقيد. _أريد أن اسمع اسمي باللكنة التركيّة، سليم قد أموت في أي لحظة، لماذا تريد أن تسجنني؟ الأطفال، المطبخ، الروتين، كلها أشياء يخنقني، أريد أن أدخن في شوارع ماليزيا، أن أجرّب المارخوانا، أن أتعاطى المخدرات، أريد أن أفعل كلّ الأشياء الساذجة، تزوج ابنة عمتك تلك التي تريد أمك أن تتزوجها.

 _لا أحبها، أريدك أنت، لنسافر معا، لنفعل كلّ الأشياء الساذجة التي تريدينها، سأعمل على إسعادك، سنبتكر كلّ يوم شيئا جديدا، سنعيش أكثر من حياة، أنا كلّ الذين تريدين التعرّف عليهم، سأكونهم جميعا.

_بحق ربك، لماذا لا تحضر ابنة عمتك إلى هنا، لنجربها سويّا في الفراش، سيكون الأمر ممتعا، ربما تعجبك، فتتزوجها وتريحني.

 _كفي عن المزاح، أنا موافق، سأنتظرك، جربي كلّ الرجال، العقيهم جميعا، سأنتظرك، لتكوني لي وحدي إلى الأبد

_لا وجود للأبد يا سليم، أرجوك كفّ عن هذه الترهات، أنا لن أتزوج.

 عدلت جلستها، ثم وقفت لتفتح نافذة الشرفة، وأخذت تصرخ:

_العالم مليئ بالحياة، الرجال في كلّ مكان، الشمس، الماء، الدفء يا سليم في كلّ مكان، لماذا تحبسني، لماذا تريدني أن ألهث وراء أطفالك ومدرستهم وكلّ ترهات أمك؟

 تركتها تصرخ، أنا أتركها دائما تفعل ما تشاء

أشعلت سيجارة قبل ان أقول لها:

 _لن ننجب أطفالا، ما رأيك؟، لن ننجب أطفالا أبدا، لن نزور أمي أبدا، سنكون أنا وأنت فحسب. _كفّ عن هذا الجنون.

أغلقت النافذة، أخذت السيجارة من يدي وبعد أن أخذت نفسا، قربتها من صدري هامسة:

 _سأحرق قلبك إن تزوجنا و أنا أحبك، أحبك أكثر مما تتخيّل وأخاف عليك منّي..

أنا أيضا أخافني أحيانا. كان ذلك أخر عهدي بها، بعد تلك الليلة تغيّر كل شيء، اختفت فجأة، بحثت عنها في كلّ مكان، لم يكن لها مكان مفضل تقصده دائما، كانت باستمرار في حالة هروب من كلّ شيء.

 تزوجت ابنة عمي فتغير كل شيء، لم أعد أبحث عنها، صرت راضيا جزئيا بهذه الحياة ولو ظاهريا، لكن قلبي كان يراها في كلّ مكان ولم يكف عن البحث عنها، كان متأكدا تماما من أنّي سأراها قبل أن أنتهي، سأراها فقط لأخبرها كم انتظرتها، وكم بحثت عنها.. سأراها .. سأراها ..

……………..

شاعرة وقاصّة تونسيّة

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون