جراد الأرض

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

أحمد الحلواني

طُرُقاتٌ عجفاءُ

تحدِّقُ في شمسٍ

والشمسُ تحدِّقُ في جرادِ الأرض

والموتُ طليقًا...

يُلقيني لعقاربِ الصحراء.

....

رفع بصره للسماء… الشمس تلهب الإسفلت… تحرق جلده المكدود، يتعرَّق، يخرج منديلًا ورقيًّا يجفف به وجهه ورقبته، صلعته في مقدمة رأسه.

كان يرزح تحت وطأة شعيراته البيضاء التي استباحت شبابه، وأكياس مثقلة بالفاكهة كما طلبت زوجته تمامًا… فأختها العزيزة وزوجها ذو الكرش المنتفخ وأولادهم سوف يشرفونهم بالمجيء كعادتهم كل يوم خميس، ولا بد أن يتهيأوا لاستقبالهم وأن تَعِدَّ لهم ألوان الطعام المختلفة، وبعد امتلاء بطونهم لا بد من الفاكهة ولا مانع عندها، أي زوجته من أن تقدم لهم كل ما طالته يداها من عصائر أو مسليات كاللب والسوداني حتى تبدو أمامهم سيدة الكرم وليس مهما أن تخرب ميزانيته.

ردد لنفسه وهو يضحك بمرارة: يوم الخميس وما أدراك ما يوم الخميس، هو عند كل الناس يوم مبروك ولكن عندي صار كابوسًا مخيفًا.

نظر للشمس قائلًا لنفسه: يبدو أن الطقس صار استوائيًّا… ليتها تمطر قليلًا… نظر بعيدًا، أخيرًا جاء الأتوبيس، أشار له مستعطفا حتى يتوقف فليس لديه القدرة على القفز كالأيام الخوالي، أبطأ السائق من سرعته لتلتقمه الحافلة في جوفها كحوت يونس…

تلفتَ حوله بحثًا عن مقعد شاغر… غمغم بضيق… أفٍّ لهذا… مدّ يده بالجنيهين للسائق الذي تناولهم منه بلا مبالاة.

فكر أن يضع الأكياس التي بين يديه أرضًا ولكن الزحام جعله يتردد فقد يدهسهم أحدهم دون قصد وتكون المصيبة.

نهره السائق قائلا… ابتعد عن الباب يا حضرة…

مدَّ له شاب من الجالسين بالمقعد الأمامي يديه ليتناول منه أكياس الفاكهة التي كانت تثقل عليه وتعيقه عن الحركة ففرح وناولهم له وهو يظهر له آيات الشكر والامتنان.

كان الزحام شديدًا وكلما توقفت الحافلة صعدت جموع بشرية جديدة تدفعه للداخل، وأخيرًا وجد نفسه في آخر الأتوبيس بطريقة ما… قامتْ سيدة من مكانها فتكالب على المقعد عدة أشخاص في صراع يتسم بالحقارة، وفي النهاية فاز شاب صغير بالمقعد وكيف لا؟… فالشاب المفتول العضلات لكزه كوعًا في جنبه ولسرعة حركته قفز فوق المقعد.

غمغم بضيق وهو يحدث نفسه:

–        لم يعد هناك أدب ولا أخلاق.

علا صوت فتاة ملامحها القبيحة لا تمت للفتيات بصلة وهي تدفعه ناظرة له شزرًا… وكأنه ارتكب جُرمًا.

–        ابتعد يا عم الحاج… ما هذه اللزقة… حتى العواجيز كمان. 

نظر لها مبهوتًا وقد ارتج عليه القول… وبصوت واهن ضعيف:

–        يا بنتي الأتوبيس زحمة والسائق فرمل فجأة، على كل حال أنا نازل المحطة القادمة.

جاهد للوصول للمنطقة الأمامية من الحافلة والركاب يتقاذفونه ككرة في أرجلهم… وحين وصل أخيرًا بعد جهد تلفت حوله مصدومًا… وخرجت صرخة من فمه.

–        أكياس الفاكهة … أكياس الفاكهة يا بن الكلب.

……..

القاهرة 27/5/2015

مقالات من نفس القسم

تشكيل
تراب الحكايات
موقع الكتابة

قلب

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون