ظُلمــة

آية الباز
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام
آيـة البـــاز 
فراغ أسود دائرى يتخبط فيه، لم يرى نفسه ولم يتعرف علي المكان الذي يحيط به بعد. كل ما يعرفه أنه اندفع مع ملايين الأجسام التي رافقته رحلته من أنبوب ضيق ..ضيق جدا والمكان مزدحم لا يكاد يُحسن السرعة ولكنه سَبَح محركاً القطعة الوحيدة التي يمتلكها، ذيله الطويل الذي ظل يناضل بها ساعات وساعاتٍ حتى وصل مكانٍ ما مع قِلة قليلة من رفقاء الظلام…مكان رخو ودافئ..دفن نفسه فيه،استقبله كما يستقبل الغريب وطنه بعد غربةٍ طويلة؛ وهكذا انتصر علي البقية، فَقَدَ بعضُه في رحلته ولكنه فقدْ كالالتئام..يا ترى ماذا سيكون حالك بعد فترة ؟
أيام وانقسم لأنصافٍ وأنصاف كلها متساوية، مستمتعاً لانه يرى من نفسه أشباهاً يؤنسون وحدته بعدما فقد رفاقه، تيارات الموج تتلاقفه، ليس له يد ولا ساق، لا بطن،لا ظهر،لا اكتاف، لا كيان مكتمل، فقط نبضاته يسمعها بفؤاده، هو السيد علي هذا الكيان الذي لا يعلم هو نفسه أنه نفسه.
لم يتشكل بعد في فقاعته الهوائية، لا يعلم هويته بعد
أذكراً يصيرُ أم أنثى،
لم يذكر كم بقى علي هذا الحال، لا يدرى.. فجأة شعر بشئٍ ما ينبت فيه
شيئا ما يشق كيانه اللحمىّ بالطول .
كان هذا شيئاً جديداً عليه..تحمل الآلام الشديدة محاولا الثبات والتأقلم علي هذه الغُصة ولكنه أخيرا تجاوز.
شهراً واحداً مر عليه وهو ينعم بالتقلب في الدفء الممنوح له.
اووه اعتقَد أنه مكث دهراً هنا ولم يكُ شهراً واحداً .
مرت عليه الايام طويلة كنملة تزحف علي سطح جبل لم تبلغ قمته بعد
.يا تـرى؛ هل هناك بلوغ فعلا؟
تنمو له أربعة أطراف يبدأ باستخدامها والتعرف علي نفسه..ماذا سيفاجأه القدر بعد ذلك؟
هل هاتان اليدان تعملان جيداً.
مُنح له قلباً نابضاً وحبتين سوداوتين ستكونان عينين
اووه ..يبدأ الآن في التعرف علي رائحة المكان الذي فيه ..حمض؟ ماء؟ سائل ما؟ زلال؟
يصل إليه شيئاً لذيذا عبر الحبل الممتد له في بطنه، لم يتخيل أبداً أن لهذا المَشنق فائدة غير أنه يعرقل حركته ويضايقه في صحوه ونومه، في حركته وسكونه..
ظَنّ أنه سيمكث هنا طويلاً طويلاً بدون تقلبات في حياته اكثر، لا يريد سوى الهدوء وان يُترك وشأنه
الآن يشعر بمذاق الأشياء ..ينبض قلبه أسرع، يحس بأن إلهاً ما من خارج عالمه يُحيطه بيديه..يرسل له اشارت محمّلة بالحب، بالأمان والطمأنينة بعدما كان يصارع من أجل الوصول.
يسمع اصواتاً أكثر دقة ..يتعرف عليها
يشعر بأن شيئا ما يُلهمه القول ولا ينطق.
تتصارع نبضات قلبه أكثر وكأنه يبعث بها لشخصٍ ما خارج عالمه المُظلم.
من خارج المكان يشعر بأن يداً ما تُشبه التي لديه، تتحسس رأسه وبطنه التي تكونت وضميره يُخبره بأنها يد القُدرة التي ترعاه.
نما علي جسده رداءاً رقيقا تلمسه يداه ويمنحه بعض الغرور .
اطمئن لنفسه أنه لا شئ يُنغّص عليه حياته مستقبلا..لقد مُنِح كل شئ ..ممتن لكل شئ..للأذرع والأقدام والأعضاء التي ملأت جوفه الفارغ والتي جعلته كياناً ذا عظمة وكبرياء.
كياناً استحق كل ما استحقه لانه صارع طويلاً من أجل البلوغ.
رنا الي خاطره أن الخلود في هذا المقر دائم ولن يزحزحه أحد..أصلا لا يوجد أحد ينافسه..فهو السيد والمتفرد وصاحب السُّلطة والقرار علي مملكته.
يجلس علي العرش المظلم كآخر ملوك زمان.
.يتسيّد جوارحه ويتحكم بعالمه الداخلي والخارجي..يشعر بذات اليد الخارجية تمنحه دعماً..ظن أنها دائمة.
يشعر بضربات متتالية تُقحمه لمكان آخر لا يعلم أين يتجه ..أين يدفعه الزلزال الذي حلّ عليه فجأة.. كرسي العرش يطاح به من تحت قدميه، أحدهم ينزع عنه سلطانه،
بدون رغبة ولا سيطرة منه علي حواسه..يندفع لمكان ما.. يظن أنه رآه في خياله وقتاً ما
يشعر أنه اللكمات تتضاعف والخبط يقوي أكثر وأكثر..لم تُسعفه حواسه التي فرح بها وقتاً ما أن تمنحه البقاء. ولم ينتصر له كبرياؤه أن يظل السلطان علي العرش. لقد تهدّم العرش.
يلفّه حبله السريّ .سقط دفيناً بكَّاءاً لرحم الأرض.. ليبدأ رحلة جديدة ليعود فيها عدماً كما كان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قاصة مصرية 

مقالات من نفس القسم