رسائل حُب مُفترضة .. بين هنري ميللر وأناييس نن 1

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

ليلى البلوشي

هذه الرسائل من "قلب" و "فكر" .. "ليلى"؛ أما الكاتبين الشهيرين "هنري ميللر" و"أناييس نن" هما مجرد افتراض  ..

بعض أسماء الشخصيات الواردة في الرسائل :

1 ـ أوتو رانك : محلل نفسي نمساوي ، تلميذ سيغموند فرويد وابنه بالتبني ، عملت معه الكاتبة أناييس نن .

2 ـ جُّن : هي زوجة هنري ميللر .

3 ـ ريتشارد : صديق أناييس نن وهنري ميللر .

4 ـ سلفادور دالي : رسام سوريالي .

ملحوظة مهمة:

العبارات التي وضعت بين قوسين دون ذكر قائلها هي بلسان "هنري ميللر" و"أناييس نن" ، ويمكن التمييز بينهما من خلال الرسائل الخاصة باسم كل منهما ..

أولى الافتراضات :

" هنري " : إلى الآخرين ..

/

"أناييس": وليس لك ..

قلتَ لي مرة : " صوتك يمنحني التقوى " ..

قلت ُ لك مرة : " اشتهي قلبك الحار ولا شيء آخر " ..





 

1

أناييسي ..

إنني الآن وأنا أكاتبك في لحظتي هذه لا أجد في صوتي البائس سوى صوتٍ مماثلٍ لحشرجة الشاعر “لير منتوف” وهو يعلن بأسى: ” في قلبي كما في المحيط ، يوجد ثقل الآمال المحطمة ..!

أحتاجك أنت ِ.. تعالي إلي .. تعالي واكشطي هذا العالم عن ظهري أو ساندي الأثقال التي عليه ..! تعالي وخذيني .. خبئيني في دهليزك .. في أعمق بقعة في ضياعك اللامحدود .. كي ألهث وراء غوامضك .. أتيه في ممراتك .. في أرواحك المتعددة وهي تطبخني وجبة من التوق والحنين والشهوة .. فاستذوقك .. التهمك ولا أشبع ..!

هذا هنري ..

 روحك .. قلبك .. عقلك .. أنا هنري .. حبيبك .. طفلك الشقي .. خذيني يا هوائي .. هاك بالونك المترهل .. ضخي روحي بأكسجين رئتيك .. وحين ينتفخ ولعك اغرسي جنون أظافرك حيثما تشائين واثقبيني .. كي تسيح روحك في روحي وحيث هناك هدهدي لي أغنية حبنا الأبدي .. إن هذا العالم ألحق بي العار من بعدك يا عالمي الذي افتقد ..!

أصابعي التي كنت تتمرسين في تقبيلهم إصبعا .. إصبعا .. الخنصر . البنصر . الوسطى . السبابة . الإبهام .. إن خنصري الذي كنت تفرطين تدليله وتتغزلين به : إنه أشبه ببرج صغير تمرح عليه الفئران ..!

إن الفئران عينها حامت فوقه وأكلت قطعة منه .. لكن بقي منه جزؤك المفضل ذاك الذي كنتِ تغمسينه في لسانك وتضغطين عليه بأسنانك .. تنبهرين بينما حنينك يهمس : إن لدمك مذاق حب أبدي لا ينضب أبدا ..!

الموهبة قتلتني مرة وحبك العنيف قتلني ألف مرة .. صلّبني في آماديه طفلا هزيلا تمرست الريح الهائجة بشيطان مكرها كيف تقتلع الحنان من قلب العالم منه .. تردمه دودة حين غلبها الفحيح ولم تجد ما تبلعه التهمت نفسها ..!

يا حبي الأوحد ..

ذاك الكسر الذي حطمني لم يبرأ .. كبر .. تفجّر .. تقيّح مرارة بعد مرارة .. لكنه لم يبرأ .. وأنا الجرح .. أنا العطب .. !

أعطني يدك أشمّها .. إن هذا العالم قابع بقذارته في أنفي وأنت النقاء اليتيم الذي أتوقه ..!

لماذا بريدي مكبّل على حدودك الإفتراضية ..؟!

تلك الكلمات التي رصفتها كنمال مجندة في ورقتك الالكترونية المبعوث إليّ عبر افتراضية هذا العالم التعس لم يشبع نهمي إليك .. قلقي الكامن فيك .. إنه الخوف الذي أدركت بسذاجة في لحظة غباء أنني خلفته ورائي إلى الأبد .. ها هو ذا قفز من العالم إلى قلبي .. من قلوب البشرية إلى شرياني .. دمي سابح في خوفي من فقدانك والحنين فقيد ..!

 مكثّف غريزة أخبارك فيّ ..!

 لن يشبع Google فضولي الشرّه ..!

فهو لا يعرفك كما أعرفك أنا بإتقان .. فهناك أنت افتراض محض .. مرتبة تفاصيلك .. ملمّعة سيرتك وكتاباتك معروضة كتحف نفيسة في واجهات الصحف الورقية والمواقع الإلكترونية .. لكن لا أحد سواي يقدّر مقاييس حزنك وحمولة أحلامك والكتب التي تحتضن الفراش معك وقصاصات أوراق تحتفظين بها ككنز ثمين وكيف تأكلين وتتنفسين وتمارسين النوم مع كسلك .. بل كيف تضحكين كمهرجة أمام المرآة ؛ لتؤدي طقسا اجتماعيا مخضوعة أنت لها في ترف الأقنعة .. وكيف تغويك مواءات القطط في آخر الليل .. تلك القطط التي وقعت في غرامها مذ اعتراف ملهمك المفضل الياباني ” هاروكي موراكامي ” بأنها تغويه بدورها كحكاية … كل هذا وأكثر … هل يتقن Google إماطة هذه الأسرار إلى مجموع أعدقائك ..؟!

أناييسي ..

لا أدري أي سموم تم حشوها في رأسك عن حبيبك ..؟!

ثمة مهرج أخرق فبرك اللعبة في صالحه من أجل عينيك الغارقتين في بحر دفئهما ربما .. هذا ما أجزم به الآن .. فعيناك غيمتان مطيرتان .. ماستان .. قطعتا جليد في فرن العالم ..!

أجل اللغز في عينيك الماستين النادرتين ؛ حتى ” موديلياني ” المجنون والبوهيمي وزير نساء وجد وطنه في عيني حبيبته ” جان ” التي كانت تسترخي بهدوء في لوحاته بلا عيون وهو يقول على ملء سمعها : عندما أعرفك تماما ستكونين حبيبتي وسأستطيع رسم عينيك ..! واقترف حبها وعانق روحها كأيقونة وحينئذ أدركت ” جان ” أن عينيها مسكونتين بوجه ” موديلياني ” وقلبه وعقله وجلّ انفعالاته النابضة بحس الغرام وعبقرية الفن ..!

يا ربّة الغرام .. إنني غارق في شهد عينيك .. كم أحبهما .. كم يرهبني الإبحار في بؤبؤهما ..!

فإذا ما كان ” جنكيز خان ” المغولي الشرس حين دأب وهو طفل العاشرة على خطبة صبيّة فاتنة من نسوة المغول المصفوفات أمامه بكامل طفولتهن حسبما التقاليد نصحه والده الزعيم حينئذ أن ينتقي صبية بعينين لوزيتين صغيرتين .. فالأحداق الواسعة طبقا لفلسفة المغول تقدحان سحرا يجلب الجنون والشقاء الأبدي … وأنا ترهبني بشدة فكرة التهام عينيك في لحظة توهان مسكرة من خبل حبي المجنون .. تلك العيون بعثرتهم وبعثرتك وبعثرت عالمي يا طفلتي ..!

 آآآآآآآآآه … من سوط انتظارك ..!

 ذاك القطار الطويل كرقبة زرافة .. تلك المسافة الخائنة كانت تمشي علي ّوأمشي أنا في حقلها الهش نمل ضال وسط جبل من السُكر .. عالمك وحدك .. كان الرصيف حاضناً قدميك الناعمتين .. وأنت ِ مديرة ظهرك للعالم .. للماضي .. للحاضر .. شمعّتِ أزمنتك من أجلي وخذلتك .. أنا هنري المجنون بك خذل انتظارك وهذا ما يثقل ظهري ويكسره .. أحدب حزنك أنا يا حبيبتي لا أحدب نوتردام ..!

اشتهي قلبك الحار ولا شيء آخر … اسعفني يا ” لوركا ” .. اسعفني .. فقلب حبيبتي احترق من الانتظار وتعفّن ..!

2

” يوميّة نن ”

أدير وجهي للأمام كرمح .. لكن ثمة ريح عازمة على كسر رقبتي ..!

الأب كالريش على القلب ..!

حينما أنجبني أبي مع أمي .. شاطرت كشقية في حبهما السري .. تلصصت عليهما .. كانا راضيين بمعنى ما .. أمي وأبي كانا مبهورين بمعجزة قذفي على وجهة هذا العالم ولكن لمّا تبين لهما خستّه بصقوا على قفا المعجزة وكنت أنا طفلة لم تحبو بعد ..!

حين نكون مركبين كيميائيا من أب رائع تبهجنا معادلة أبوّته يصطف كل رجل حينئذ في المرتبة الثانية أبدا .. فذاك العجين الكيميائي البيولوجي وحده الجدير بالمرتبة الأولى في أولويات القلب ..

يردد لي دائما : يا أناييسي ..إن أمك تشبهك ..!

وحين ترجوه الطفلة بالتفسير .. يرد عليها بحشرجة لا تفارقها ابتسامة تعرفها : تشبهك امرأة تهدم طوب حيطانها الداخلية من أجل سكن الآخرين ..!

إذن أمي لا تشبهني .. أرّد على بابا دون أن اسمعه صوتي الذي يخون ظنه وربما لا يخونه ..!

حب معافى أبدا هو حب الأب  ..!

كل أنثى تضع يقينها في هذا الحب الأبوي كامل الدسم .. يُغني .. يُشبع حتى الإفراط .. صحيّ ولا يسمن .. خال من مغبة التملك ولهيث الهجران والآه والتيه .. فيااااالها من خلاصة عاطفية ساحرة مشحونة بجّل الانفعالات سوى عاهة ” الخسارة ” .. !

حب الأب هو الحب الوحيد الآمن ..!

فالأب يحب دون غاية .. حبه مطلق لا يبرره سبب سوى عاطفة أبوة شاسعة .. غريزة أبوية لا تنطفئ .. بينما الرجل ، أي رجل في حياة أنثى .. فإن حبه لها يكاد لا يخلو من غايات متضافرة .. كيفما كانت نياتها : صالحة ، سافلة ، حقيرة ، محبة ، دنيئة … !

فحسبما احترام الرجل لنفسه تعجنه غاياته : يحبها ؛ لأنه يخشى أن تخنقه عقارب الزمن وحيدا دونها .. يحبها ؛ لأن لها عينان جميلتان كأيقونتان تلهمانه .. يحبها ؛ لأنها مادة إغراء ملفوفة كسيجارة يمجّها بلذة .. يحبها ؛ كي تكون عكازته التي يتوكّأ عليها في دروب الأرض الشّاقة .. يحبها ؛ كي يعتشي على جيبها كأي وضيع اعتاد التسول من جيوب النساء .. يحبها ؛ لأن لا فحولة دون أنثى .. أما الذي يحبها لأجل غاية الحب هذه الغاية وحدها – بشحمها أوعظمها – دون غيرها .. فما أندره ..!

لكن الأب وحده .. هو الرجل الوحيد في أعطاف هذا الكون يحب أنثاه بلا مقابل .. بلا غاية .. يحبها في مجموع انفعالاتها : طيبة ، شريرة ، مجنونة ، حزينة ، مرحة .. وفي جُلّ أوقاتها يحبها : حاضرة ، غائبة ، حية ، ميتة … وهذا هو صمام الأمان الذي يطوقها إلى أبدية الموت ..

كثيرا ما تخضّني حيرة بأبعاد شاسعة من الرجل الآخر : ألا يغدو الرجل دون غريزة أبوة في مرتبة التمساح ..؟!

 ففي حياة التماسيح تسعى الأم دائما لحماية أبنائها من الأب الذي يستسيغهم وليمة شهية .. فالأب ليست لديه غريزة الأبوة والأم التي تتمتع بفم كبير تحمي صغارها داخل فمها خوفا من الأب الذي يلتهمهم ، لكن الأطفال الأبرياء لا يميزون بين الأب والأم وأحيانا يتسلل الصغار إلى فم الأب .. فيقضى عليهم .. وهذا يقارب جدا ما يحدث في الواقع ..!

ألم يصدق ” مورافيا ” حين قال : ” تستطيع المرأة أن تعرف في حياتها رجالا كثيرين ، لكنها لن تعرف إلا أبا واحدا ” ..!

* * *

هنري بعث لي حزمة من أنفاسه ..!

هنري .. آآآآآه يا هنري .. أيٌّ من الرجال أنت …؟!

أنا على يقين بأن نومه الآن يعصر جسده الهزيل في إحدى مراحيض باريس النتنة .. حيث لا شيء سوى هجمة صقيع قاس رديء الوحشة ودموع كقطرات مطر وحيد في سماء مرتدية حدادها ..!

كم أتوق ضمّ توقه المرتعش في رسالته لعلي أغمس حرارة تلهفي في أوصاله القلقة ..!

آآآآه .. كم أخشى عليه مني .. من امرأة مضطربة الحنين والغياب وكل شيء ..!

إنني راهبة في معبد هذا المجنون ..!

يلهم روحي كمجموعة رجال في قامة إنسانية واحدة : أب . عاشق . شريك . صديق .. يالـ مسارب العشق بين سهم وقوس ..!

” أعشقك ” أٌسمعها لقلبك في ارتجافة الروح واضعة روحي قبالة سرير روحك .. وثمة خشية مريرة تستند ما بيننا كضوء شاحب .. فالحب .. هذه التفعيلة النبيلة .. هذا الصلصال الذي أعجز الكون عن ملامحه .. مرعب يا حبيبي هنري .. كم مرعب الحب في موضع هش كالعالم ..!

هل تذكر ..؟

ذاكرة حب كلينا مشتعلة على صوت الشاعرة ” صوفيا دي ميللو ” صوتها وهي تسرّبه إلى رأسينا .. فبحّة حزنها تشملنا .. تشبهنا .. حزن لن يطيقه سوانا ككائنين مخلوقين من مادة داكنة .. صوتها الذي تأبّط الحزن في بّزته السوداء حين كان مقت العالم يخنقن كلانا و كلماتها وحدها مررت الستر على عري فجيعتنا :

” رعب أن أحبك

مرعب أن أحبك في موضع هش كالعالم

مؤلم أن أحبك في مكان الشبهة هذا

حيث كل شيء يهشمنا ويحرسنا

حيث يفترى علينا الجميع ويفصل ما بيننا ” ..

أغرز دبابيس حزني في مخطوطتي .. أهرب من هنري إلى سيرتي الموجعة .. أعيد ترميم بعض الصفحات .. أمسح كسّرة هنا وأعوضّها بضّمة وسُكون هناك لعلها تنفث ضيقها في فتحة أبدية حين تنفقئ من هول مصابها ..!

 أن ترخي الستار عن يومياتك يعني أن تنشر على حبل الآخرين أكاذيبك . صدقك . وحقدك المبطن والظاهر . حبك . فضائحك .. عليك أن تعرض كل غسيلك ؛ كي تغدو نفسك غسالة وهي تدلق في وجه العالم خسته ودناءته .. طهره ونقاؤه المخيفين .. كي يعترف حزنك الخنوع لأي طفل بالقرب منك ببراءة مماثلة : انّج بكّلك .. إن قابلت موتا يضاهي براءتك فلا تتردد ..!


3

أنا اليوم مهزوم ..!

وسأبقى في سجن انهزامي ما لم تصلني أنفاس أناييسي ..!

أخشى أن يطول انحباسي في هذه الهزيمة .. إن كان ” همنغواي ” تخلص منها بطلقة .. فأي خيار هو أمامي ؛ كي أستأصلها من أعماقي ..!

إنني كائن يرى وجوده في الحياة .. أجل .. فمذ إطلالتي من ذاك الشق البتولي كان قلمي وروحي وكل جزء من أوصالي يحفل بالحياة في حيوات كثيرة .. يرغبها كلها دفعة واحدة .. والموت هو خصمي اللدود .. هي الدودة التي تتسلل تحت جلدي .. تقتاتني وأنا ما أزال راغب في الحياة كنطفة لم تقذف بعد ..

وحين يفترسني خطر حقود أبكي بل أصرخ بشدة : ” افتحوا بوابات العالم كلها ” ..!

وأنتِ يا حبي ..

لقد سبرت غورك منذ قرن وحفرت أعماقه بمعول قلبي .. هناك أنت في قبوّك و حيث لا مهرب سوى بالكتابة .. الكتابة منها وإليها .. إنها غدت ملاذك . طعامك وفراشك وموتك اللذيذ .. !

كان ” بورخيس ” يفرغ عتمته في الكتابة ؛ كي يخترع ضوءه الخاص ويهزم وحش رتابته القاتلة التي نغصت حياته في ظلمة كابية ..!

و” هيرتا موللر ” تلك المرأة كم عانت .. كانت مرغمة على الكتابة .. عن تلك الأشياء التي لن تتركها بسلام أبدا .. فخدّرت أشباحها بلعنة البوح ..!

وأنا كلما كتبتني سحقني جوع أكبر .. جوع بحجم حوت .. بحجم جهنم لا شبع من مريديه .. حقا إن الكتابة هي موتنا المتوحد في فراغ هذه الحياة . في عبثيتها . في جنونها ..!

لهذا دأبت على دعك روحك في كتابات تستغرق أشواطا طويلة ؛ لأن الحياة العادية لا تثير انتباهك كما الأشخاص البليدين .. تلك الحياة المفخّخة بالسهولة تستفزك .. تنظيف الأثاث .. ترقيع الجوارب لشتاء باريسي حقود .. ثرثرة على شرفات النميمة كجارات بليدات .. فأنت حين تخوضين كأي امرأة في مثل هذه الأمور لا تتنفسين حياتك بالمعنى المكثّف الذي تهفين إليه بكل كيانك الجهنّمي ..!

 وتلهث روحي في الكتابة بهمّة كلب بوليسي لأن مطاردي هو الموت … أليس هو الفناء الوحيد .. الفناء الأعظم الذي يسلبني منك .. من عينيك الفسيحتين كغابة نذرت نفسها لطبول الإثارة والوله وحب أبدي لا ينضب ماؤه في قاعي .. ؟!

 حبيبتي أناييس ..

أقولها بملء ما أملك من روح : إن خيّرت ما بين الحياة وطلقة حبك المميتة فإنني سوف أضع قلبي أمام طلقتك وأموت شهيدا في حبك الأبدي بلا توجس سوى من مغبّة فقدانك ..!

أحبك ..

أحبك كنهر لا مصّب له ..!

4

” يومية ننّ ”

حواري مع الدكتور ” رانك ” غدا اعترافيا على نحو عميق بل أضفت إليه متبلات جنونية غمست كل ولهي فيه :

إحساس 1: هل تخللت طبلة أذنيك همسة ” أحبك ” فاختل عمرك كله على هامشه ..؟!

تجربة الإحساس 1:

أجل .. لا .. بتناقضهما الحامي بالرغبة ..!

أجل .. كانت تتوامض على ألسنة معشبة حبا لأنثى نقشت قوائمها على تفاصيل مغرية لا سبيل للرجل حيالها سوى الذوبان كقطعة آيس كريم بينما ربة الشمس تدغدغ خيالاتهم بحلم مغليّ ..!

تناهت إلي من أفئدة لم يكن الحب منهم مترقبا عبروني كأصدقاء تزاحمت أقدامنا معا على رصيف الصدفة كتحية أخوية مستعجلة ..!

وكم حلمت بإفراط معيشة هذه اللفظة في داخلي رعشة لذيذة تدهشني على حين اقتحام من قلب كل رجل أحببته سرا دون أن يعلم .. !

إحساس 2: هل علّقت ” أحبك ” على مشجب أمنية مذلة وقلبك منه شحاذ رغبة ..؟!

تجربة إحساس 2:

لم أتمّن بالمعنى ” الواقعي ” أنا اشتهيت بالمعنى ” العاطفي ” والشهوة مطيّة المحرومين في الليالي المضببة بخذلان لقاء روحين على شرشف مصنوع من الغيوم ..!

الحياة .. الأم التي لم تقذفني من رحمها غير أنها وضعت في أذني حلقتين كبريق ماس على عنق زنجية حين شاغبتها كمراهقة : أن ليس كل الذين نحبهم يملكون قلوبنا كما نحب نحن  وليس كل الذين نحبهم جديرون بقلوبنا كما ندّعي نحن .. !

حذرتني :  أن الحب لابد له من كفتين متعانقتين وإلا سقط من مفهوم الحب الحقيقي وصار بمنزلة الوهم المعذب لا أكثر .. !

علمتني : لا ينبغي للإنسان أن يترقب الحب من الذين ينبهر بهم بل عليه أن يترقبّه من الذين لا يتوقعهم كبوح فيل عاشق لمعشوقته الباندا .. !

كلما احتواني القدر مع رجل ما تلاهثت أنوثتي إليه بحماس أنه الزائر الذي بعّثر انبهاره أخيرا في حضوري .. متسللا كلّص في تشعبات قلبي المظلمة كمحاق قمر .. هذا اللّص المرغوب به في كل مدن الحب .. اللّص الذي بغتنا على حين لهفة ليسرق أثمن شيء نملكه ” القلب ” فيستولي عليه .. يسترخي فيه مطمئن الحواس بعد أن مهر وجوده بثقة كزئير أسد : عاشق استولى على نبضك .. فيغدو سكنه بكامل حواسنا ومفتاحه بيده ..!

هو المرور الذي لا يعرف أمدا كبحر .. لا يوقّت على زمن محدد كساعة بيغ بن .. ولا تحّده خطوط الاستواء وجغرافية غرينتش .. مرور لا منطق له ولا لغة ولا دين يمرّ عبره كل انسي كمهبط إلهي واحد طائعين له : لبيك لمن مررت من هنا .. لبيك ..!

أما ما استوّلى عليه بملء غرامنا .. فتبريره يتفاعل كفرحة ولادة طفل من رحم العقر .. كالتقاء محرمين النار والجليد .. كعطسة .. !

ولكن المرور يبتذل حين تطبق حدوده على حدودي كالتحام حب .. حين خضوعه لي يقطع أعناق كل مساحات الدهشة والترقب المفاجئ الذي كنت أرنو إليهما بلذة .. !

عندئذ تتهاوى كل مدن اللهفة .. تذوي أمام قلبي .. ويبّهت حضوره الجاني كسارق ليأخذ شرعية أي رجل عادي ..!

أعشق رجلا يبّهرني .. يناقضّني .. يرقص على مزاجي بحّب حين أبغّضه ويرشقني ببغضه حين أحبه بجنون ..!

رجلا خارج قواعد مزاجي .. مطلق الشخصية .. يمشي على طريق ملغّم كبهلوان .. يرتشف الشاي مع الملح .. يعبر ذاكرتي ككرة مطاطية .. يحتويني كقنبلة تنفقئ في لحظة جنون .. أهدد كينونته كمرض مستعص على العلاج ..!

إحساس3 : هل وصفات عقلك السوريالي وجدت نفسها في قلب هنري ميللر ..؟

تجربة إحساس 3 :

هنري ليس عشيقي هو أعمق من العشق عينه ..!

هو جنون الجنون .. جنون المرء حين ينتصب بكل ثقته أمام المرآة في صبيحة ما فتخذل انعكاسه وتطعن معرفتها بملامح كائن كان يفرطها تدليلا كعاشقة استثنائية يرائي في قلبها كونه المديد.. لكنها عوضا عن ذلك استنكرته كأي غريب تقابله لأول وهلة رغم ألفة العاشق ..!

هنري ..هو لحظة خَبل ..!

إحساس4 : بماذا تهمسين لكل انسان على وشك الحب ..؟

تجربة إحساس 4:

سأهمس له بنبرة جدة حريصة : إذا أردت أن تحب يوما فلا تعطي هذا الحب كلك .. امنحه جزءا منك واحتفظ بالباقي في حب أشياء أخرى .. لئلا يشمل شلل الانهيار البقية الباقية من وجودك فيعطل سير النبض في حياتك المتبقية .. إن ثمة حياة أخرى تترقبك بعين فضول .. بعين شفقة .. بعين خيبة جديدة أو ربما بعين عاشق قادم مبهور بأنفاس الحب ..!

ملخّص دكتور ” رانك ” في آخر جلسة تجربة إحساس :

 أناييسي ..

كان ثمة طبيب حكيم يدعى ” داود الأنطاكي ” هذا الرجل رأى أن العشق تابع للأمزجة وعلى هذا العشاق في رأيه على أربعة أنواع : نوع سريع التعلق سريع السلو وهو النوع ( الصفراوي ) وعكسه ( السوداوي ) لا يعرف الحب من أول نظرة ويتروى ويطيل التفكير ولكنه حين يحب لا يتخلى عن محبوبه ما بقيت له الحياة .. وهناك النوع ( الدموي) وهو سريع الوقوع في شرك الحب لكنه ليس سريع التخلي عن حبه بل يجد مشّقة في السلو وعكسه ( البلغمي ) الذي لا يعرف الحب من أول نظره لكنه يعرف حب غيرها ( أو تعرف هي حب غيره ) حين يواجه الهجر مرة ..


مقالات من نفس القسم

تشكيل
تراب الحكايات
موقع الكتابة

قلب

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون