حكاية

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

كانت النافذة تطل على جبل معلق من كتفيه إلى السماء، لم تكن تسمع سوى أنين الجبل وبكاء أفعى كبيرة عشقته فهجرت الغابة وسكنت كهفه مع خفافيش كثيرة، صوت أجنحتها وهي تضرب الهواء، تلك الدقائق من الخوف القديم  جعلت النافذة المرتعبة تفكر بالرحيل.

في أعماقها تردد صوت جعل دمها يرتج باللذة، كان مشهدٌ قديم للبحر يعبر من ذاكرتها إلى عينيها، فكانت رحلتها التي ارتدت من أجلها حليها الصاخبة وثوبها الذي جعل منها أنثى حقيقية.

لم تعش النافذة في حياتها وقتا أجمل من صباحات البحر كانت رائحته توقظها فتنفتح روحها على جنون رقيق وتمسها موجاته بوجل فتضحك بشهية تلتهم كل مشهد بحري ملون لتحبسه في عينيها صادقت نورسا أبيض كبيرا وصيادين أهدوها محارات لؤلؤية وأغنيات حلوة وأطفالا رموها بكرات الرمال في لعبهم لكنها أحبتهم جميعا  .

بعد ساعات النهار، كان البحر يبدو مختلفا بعيدا وغريبا تنسحب موجاته وينشغل عنها بكائناته التي لا تعرفها يتحدث اليهم بهمهمات غير مفهومة أو يجلس منصتا إلى رجال يتحدثون كأنهم يهذون ونساء تعيسات يبكين بكاءا مرا لم يفعل البحر شيئا سوى أن يستمع بصمت ويترك دموعه تلمس هؤلاء الحزانى فيهدأ ألمهم.

في الليل سمعت النافذة أصواتا ميزتها حكايات لغرقى يفتقدون الأهل يخبطون روحها بأجسادهم المتجمدة من البرد والوحدة استمعت إلى حكاياتهم وهي تشعر بالخوف فالبحر الذي يتحدثون عنه لم يكن كما عرفته اشتد صراخهم يطلبون منها أن تفتح أقفالها ليختبئوا ويتمكنوا من الهرب

في الصباح قررت النافذة أن تهرب، تركت كل ما أحبته لا تعلم إلى أين ستمضي لم يطلب البحر منها أن تبقى فهم كل شيء بمجرد النظر إلى عينيها وواصلت هي السير قلبها مجروح وجسدها واهن شفتاها جافتان وأطرافها تيبست ضعف بصرها حيث لم تعد تفتح مغاليقها لتطل على شيء

كان هذا هو حال النافذة عندما وجدها الرجل الطيب ضائعة في الشوارع ورغم حزنه لأجلها شعر بفرح لم يختبر مثله من قبل ،كان الرجل يحب بيته الصغير لكنه يظل هائما  حتى وقت متأخر من الليل ،لم يكن لبيته الجديد الذي انتقل اليه هربا من رجال قساة طاردوه في شوارع المدينة أية نوافذ فشعر به وكأنه زنزانة حقيقية

انتقلت النافذة للعيش في البيت الصغير مع الرجل الذي أحبت صوت غنائه ورائحة طهيه، انفتح في قلبها مكان لشعور لم تختبره من قبل استمعت إلى أغنيات رائعة آتية من راديو قديم لا يُغلق أبدا في المقهى الذي تطل عليه وعلى بيوت كثيرة ودكاكين أحبت كل ما تبيعه :حلوى ساخنة تفور في الزيت المغلي، برطمانات الطرشي بألوانها الوردية، كراريس وأقلام، ملابس رخيصة لكنها تبدو غالية الثمن عندما ترتديها فتيات ونساء الشارع بأجسادهن الفاتنة

أحبت كل المشاهد التي أطلت عليها خاصة مشهد الصبية الذين يلعبون الكرة أو يصنعون تماثيل صغيرة تشبههم من طين الشارع، حتى عندما كبر هؤلاء الصبية قليلا ودخلوا في معارك صغيرة خلّفت جروحا وبعض نقاط دم علقت بجسدها لم تفزع، فقد علمت أنهم بعد قليل من الوقت سيعودون ليلتقوا من جديد بضحكات بيضاء وحواديت عن قصص حب وبطولات يهزمون فيها العساكر وفتيان أشرار يسكنون شوارع اخرى بعيدة.

لاحظت النافذة أن رجلها الطيب لا يشيخ أبدا، فلم تتغير صورته منذ اللحظة الأولى التي وجدها فيها، وتذكرت الجبل والبحر، ليس بالمرارة القديمة نفسها ربما بالقليل من الحنين، ابتسمت النافذة عندما وجدت تجعيدات خفيفة حول عينيها وشعرات بيضاء تداخلت مع اللون الأسود لشعرها الطويل جعلته في الليل يبدو كمصباح خافت الضوء، تحب النافذة أن تراقب الرجل الطيب الذي أنقذها من الموت في الليل وهو يقرأ كتبه المحبة، يحب الرجل الطيب الضوء الخفيف لشعرها الأسود الطويل.

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون