فاطما خضر
رَحـــمٌ تَـــخـافُ الــــــضّــــوء
إلى كـــلّ أمّ، انتشلَ الموت طفلها.
إلى دمـــوع أمّــي، بعد أول طفل أنجبته؛
أخـــــي الـــــــذي لَــــــم أعرفــــــه.
أســــتـــعــــيرُ
أصواتَ أطفالِ الحَيِّ
لأراك
أُمــــــــدِّدُ عـــــلـــى راحــــتـــي
حـــذاءَك الصّــوفي
لأشــعــرَ بنبضِ
عـــروقي
أتــلـــمّـــسُ سَــــوســـنًا
طالعًا من خيطان ملابسك
لأشــــــمَّ رائـــــحـــــتــــــك
أمـــــســحُ عـــن مَــــلاءة ســريـــرك
نارَ دموعي، لأستشعرَ
دفــــــــــــــــــأك
أحـفُّ لعبتَك عــلـى صـــدري
لــيــخُفَّ وَجـيـــبي
أهدهِـدُ حــصــانَــــك الخَشـبيِّ
لأغـــــفـــــــــــــو
مــــــــا مـــــعـــــنى كونٍ لا أثرَ فيهِ
لِخدشِ أظافرِك الغَضَّةِ
عــــلى وجــهـــي؟
مــــــــا مـــــعـــــنى حَــــــيــــــاةٍ
فيها الخُرَقُ مُهملةٌ في درجٍ مشلولٍ
ولا تعرفُ طعمَ لُعابِك؟
مــــــــا مـــــعـــــنى صَـــبـــــاحٍ
تُناغي فيه عصافيرُ لأصابعي
بدلًا منك؟
مــــــــا مـــــعـــــنى أمــومــتي
في غـيــابك؟
أَيـــــا نهدًا فُجِعَ بأمومته
وحليبًا حُرِمَ من لَثمِ ثَغرك
وحَنانًا هُدِرَ وتلاشى
مع النّسيم
أَيـــــا دمــــــعًــــــــا
يسيلُ على ضِفَّتي قبرك
فتتسعُ به ضِفَّتا
جُـــــرحـــــي
أَيـــــا رَحمًا آلَتْ شرنقةً
ترتجفُ خوفًا من الضّوء
فترفضُ بعدَك أن تُنجبَ
الفَراش
……………………….
عــــــــشــــــقٌ ســـيــــــئُ السُّــــمـــعـــة
لا بُـــــدَّ أن أعــتــرفَ بــــشــجـــاعــــةٍ
أنّي حبـيـبـةٌ غـــير جيدة
فأنـــا قــلــقــةٌ دائمًــا
والقـــلـــــــقُ
خصلةُ عشقٍ سيئةُ السّمعة
هُــــــنـاكَ وُلــــدتُ
في مساكنِ مـطـارٍ عسكريّ
وهذا لا شأنَ لهُ بالعشقِ والقصائدِ
له علاقةٌ -فقط- بقلقٍ يعلو قوّةً
صوتَ الطّائرات
واضــــــحٌ إذًا…
كَـــم كــــانــت طفــولتي قــلــقــة!
عــنـــدمـــا
حِضتُ للمرّةِ الأولى
اخــــتـــبـــأت أســــفلَ الـــسّريـــرِ
أعضُّ يدي لأكتُمَ صوتَ بكائي
أخبرتُ أمّي ب قــلــقٍ أنّي قـــد أمــــوت!
وبّـــخــتــنــي قــائــلـةً:
ســتموتــيـنَ لـــو تكلّمـــتِ مع الرّجــــال
وأكدّت قريباتُـــــنا وجاراتُــــنا
قــــولَــــهـــــا
مـــــن يومِــــــهــــــا
كـــلّــما قـــــالَ لي رجـــلٌ «مــرحــــبًــــا»
أعـــضُّ يـــــــدي وأركـــــضُ
قــلــقــةً أن يقتلَني!
فــــي المـــراهـــقـــة
كــانت عمتي تــقصُّ ضفائري
بتسريحةٍ أقربَ لأكونَ بها مصطفى
وكــانت أمّــــي تُــوصيني دائمًا
بألّا أضـــحـــكَ
كـــــنــــتُ قَــــــلــــقـــــةً دومًــــــا
أن تفلَتَ منّي ضحكةٌ على طريقِ المدرسة
فأرسبُ في صفيّ!
ذاتَ صـــبـــاح
مـــن غـــيـــر قَــــصــــــدٍ
كرجَتْ ضحكتي أمــامــــي
أمسكَ بها زميلي بدهشةٍ قائلًا:
أوف ضحكتـــــك شـــو حــلــوة
شكوتُهُ للمدير
وأكملتُ مدرستي الثّانويّة
أُعــاني فــوبــيـــا قــلــقٍ أن تعلمَ أمـّي!
فــي الــجـــامــعـــة
كـــان الــقلــقُ زمــيــلــي وأســتــاذي
يخرجُ من كوبِ النّسكافيه
من المـــحــــاضـــراتِ
ومنَ الطّريــــق
زميلاتي المُحجبات
رأينَ أنّي قــــد أدخــــلُ الـــنّــــارَ
وعليَّ الــقلــقُ جديًّا كوني سافرةً
المتحرّرات قُـــــلـــنَ
إنّي طموحةٌ لكن قلــقــــةٌ
تنقصُني الجرأةُ وعلاقةٌ جسديّةٌ
لأكــــــتـــــمـــــلَ!
حـــــبيبي الأول أحــــبَّ أصـــابــــعــــي..
قبلَ انقـــضــــاءِ عـــــامٍ افترقـــــنا
لشدّةِ ما منعتُ عنهُ
يــــــــــــــدي!
لَمْ يكن يفهم قلقي
مِن أنْ تصبحَ يدي حُبلى
لـــــــــو قبّـــــلــــها!
ثُــــــــمَّ..
لَــــــــم يـــــــتــــغــــيـــر شــــــيءٌ
بمزيدٍ من القلقِ تابعتُ حياتي
مـــن عيون مديري، يدِّ سائقِ التّكسي
مجتمعٍ يراني فاشلةً لأنّي لم أصبح عروسًا
مـــن نقودٍ ناقصةٍ في حقيبتي دومًا
مـــن الحـــــــرب، والعَــــتـــــمــــــة
وغربةٍ فـــي وطــــنــــــي
والآنَ مــــنـــــكَ!
……………………………
ضَـــــــــــــــوء
«الضّوء هو عتمةٌ في عينَي أمّي»
قـــــال طــــفــــلٌ..
ثُـــــمّ
ترك مدرستَهُ
لِـــــيــصــيرَ عـــصـــاهــــا
في الضّـــــوء
يحدفــونَ الــــنّردَ
ويدخّـنـــــونَ عفتَـــهــا
لــيـــلًا..
ينــقـــرونَ بــــابَـــــها
تُدنْدنُ لطفلتِها مرتعشةً
وتُضيف: دموعي بسبب البصل
صباحًا سأبيعُ الخُضارَ المُقشرّة
وأشــتري لـــــكِ لُــعبــةً
يـــــحـــرقُ عــــينيه بــــضـــوءِ الشّــمــس
لِيعميهما عن حَربِ أبنائِهِ
بعدما ثَقبَ مُسبقًا
أُذنَـــــيه
غــــــربًـــــا..
يَفترشونَ الشّاطئ عُراةً
ليتغذّى جسدُهم على الـــضّــوء
هُــــــنـــــا..
يُعرّينا صقيعُ الشّتاءِ
مُجبريـــــن
أحـــــبُّ أنْ أُعِدَّ لـــــكَ
وجبات القُبَل في الــــضّـــوء
فأنــــا أكــــتَــئِـــــبُ في
الــــعِتمة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شاعرة سورية .. والديوان صادر عن دار مرفأ 2024