وقتها لم تفهم الكلمات ولكنها أدركت الآن الروابط الخفية بينهما، شعرت أنها تحبه ولكن أوان إدراكها قد فات، لم تؤمن وقتها بتلك الشرارة الخاطفة التي اشتعلت داخلها، هو يغني لها وحدها، تعرف الآن أن عليها قتله لأن بقائه من دونها مستحيلا، يعتقدون أنه انتحر بالرصاصة التي اخترقت صدغه وإنها كانت اعتراضا منه على إخفاقه في المسابقة الغنائية (هذا كذب..)، الرصاصة خرجت من قلب أيام تقف الآن بموازاة أيامه على ضفة أخرى في زمن آخر، حزينة ووحيدة مثله تماما، جذوره تطفو فوق سطح الماء، تتبخر لتعيد تشكيل حياتها في سنوات مقبلة، دموعه حُجبت واحُتجزت من أجلها وحدها في مساحة شفافة لا ترى، (دليدا) لم تدخل لتكتشف الجثة الهامدة، ولا تحاول الانتحار حزنا على رحيله، بل تحاول الانتحار لاكتشافها خيانته إياها مع تلك الفتاة المنتظرة على ضفة نهر النيل، فتاة ليست من (شبرا) ولم تكن أبدا ذات صوت جميل، تكتب الرسائل للسماء لأن كل أحبتها رحلوا وتركوها تطفو فوق الكوبري العتيق ترسم القلوب الخاوية تارة وتمسحها بدموعها تارة أخرى…
“الشيب بدأ يزحف (لويجي) فوق شعري بشراسة وأنت مازلت وسيما ويافعا، مع الوقت (أدركت أنني أحب) مثلك تماما، أعتذر فلم أقصد بالرصاصة موتك لأشوه الجمال أنا أردت تجميد اللحظة حتى نلتقي في المنتصف هنا، أعرف أنك الآن تغني لي جانب النهر، وأنا أسمع بشغف صغيرة تبكي عندما تصرح لها بأن إدراكك جاء بعد فوات الأوان، أنت تجتر الذكريات المتخيلة عني وأنا ألتقط الطيف القادم منك، نبكي سويا فترقص كل دمعتان معا فوق سطح الماء، تتبخرا وهما متعانقتين كقطرة واحدة ذات بال، فدمعة الانتحار لم تكن أبدا صخرة مترسبة في قاع الماء، بل كانت ومازالت جزء من كيان النهر الباقي مادمت الذكرى تقف بيننا بمحاذاة نهر كل منا هنا وهناك.. لن أسمح للشيب بالزحف وسأقبل الرصاصة التي تخترق الآن قلبي بعدما اخترقت صدغك كهدية، تضيف للنهر حكاية وللهواء معنى وللأيام لحظات متجسدة”.
____________________
* Luigi Tenco مطرب وملحن إيطالي كان خطيب المطربة داليدا وتوفى منتحرا يوم 27 يناير 1967.
* أغنية لـLuigi Tenco ومعناها (أدركت أنني أحب).