قراءة في كتاب “خطاب الذات في السيرة الذاتية النسائية” لنعيمة عاشور

خطاب الذات في السيرة الذاتية النسائية
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

محمد عبد الحافظ ناصف

صدر عن مؤسسة بيت الحكمة للصناعات الثقافية مؤخرا كتاب “خطاب الذات في السيرة الذاتية النسائية” للناقدة الدكتورة نعيمة عاشور عن سلسلة أفق، التي أطلقتها بيت الحكمة كمشروع فكري ونقدي يعبر عن الحالة الفكرية والنقدية المصرية والعربية، ويعتبر هذا الكتاب هو الأول للناقدة لكنها تمارس العملية النقدية المتميزة من خلال نشر مقالاتها في العديد من المجلات والدوريات المصرية والعربية المتخصصة في الآداب. 

ويشرف على السلسلة الناقد د. هيثم الحاج علي، ويعتبر هذا المشروع من الأمور المهمة التي تؤسس أي دار نشر كبيرة لنفسها به خطا وطريقا مختلفا عن الآخرين ولا يقتصر دورها على نشر ما بيع من محتويات بشكل سريع و لكنها تؤكد على المشروع الثقافي الذى تسعى له المؤسسة وتراه نصب أعينها مراهنة على الأجود وليس علي السوق ومما يؤكد كلامي فوز كتابين نقديين مهمين في تلك السلسلة وفوز الدار نفسها كأحسن دار نشر مصرية في معرض القاهرة الدولي الكتاب 55. 

ويلحق عنوان الكتاب الأصلي بعنوان فرعي هو (النص- التفاعل الخطابي-الممارسات الاجتماعية) وأرى أن هذا العنوان الفرعي مهم ودال وضروري لاستكمال رؤية الكتاب ومعرفة خط سيره منذ الفهرس وحتى المصادر كمصطلحات كاشفة للدراسة النقدية مما تمهد للقارئ وتساعد في كشف وتوضيح الرؤية.  

واعتمدت الناقدة في كتابها ورسالتها للدكتوراه على فكرتين هما: الأولى: فكرة السيرة الذاتية المكتوبة بقلم الكاتب والتي تعبر عن التعريف الذى قصده فابيرو “إن السيرة الذاتية عمل أدبي، رواية، سواء كانت قصيدة أم مقالة فلسفية..إلخ، قصد المؤلف فيها بشكل ضمني أو صريح إلى رواية حياته وعرض أفكاره أو رسم لإحساساته، وسيقرر القارئ بالطبع ما إذا كانت مقصدية المؤلف ضمنية أم لا”، والفكرة الثانية كانت مكونات الخطاب وأنماطه لدى نورمان فيركلوف وهو أستاذ متفرغ للغويات يعمل في جامعة لانكاستر في بريطانيا ويعتبر أحد مؤسسي نظرية تحليل الخطاب النقدية و تطبيقاته في علم اللغويات الاجتماعية، والفكرة تقوم ببساطة على ما تحمله اللغة من طاقة و إشارات ودلالات لتفسير الواقع الاجتماعي والحياة التي يمر بها أبطال العمل الروائي المعتمد بشكل أساسي على فكرة السيرة الذاتية، وفي الحقيقة هو اختيار موفق من الناقدة تلائم مع الفكرة الأساسية لمنطق السيرة الذاتية التي تقوم أساسا على فكرة البوح من قبل الشخصية الرئيسة المركزية داخل الرواية والتي تعبر بشكل أساسي عن الكاتبة نفسها من خلال عملها الروائي، وقد استخدمت الكاتبة عددا من النماذج الروائية لعدد من الكتابات المصريات والعربيات قدمن سيرتهن الذاتية بشكل روائي وفني حقق قصد السيرة الذاتية؛ منهن رضوى عاشور، عائشة عبد الرحمن، فاطمة المرنيسي، فتحية العسال، لطيفة الزيات، منى الشيمي، نوال السعداوي وهيفاء بيطار ورغم صعوبة تقديم السيرة الذاتية في المجتمع العربي إلا أنهن بجسارتهن الكبيرة استطعن أن تكتبن ما تردن دون أية حسابات للواقع و المجتمع الذى يفكر بمنطق آخر غير منطق الكاتبة الغربية للسيرة الذاتية منطق لا يفرق بين كتابة الإحساس الذى يقصد به نقل الخبرات والتعبير عن مشاعر تستحق أن تنقل إلى الآخر لأنها ستكون بداية أو إضافة مهمة له أو لها، وتستخدم الناقدة د. نعيمة عاشور كل مفردات اللغة وطاقاتها و مفرداتها الفصحى والعامية وطريقة نطقها والإشارات الصوتية والجسدية فتقوم بتحليل المفردات و النحو والصرف كى تصل للقارئ بما تقصده هؤلاء الكاتبات في سيرتهن الذاتية، وتؤكد الناقدة أن الن يصوغ ممارسات خبراتية من منظور الكاتبة صاحبة السيرة الذاتية و تكمن الأهمية الأيدلوجية للنص في تضافر مفرداته، ونموذج ذلك بعض الكلمات مثل (مافيا- معركة-تحقيقات-الفساد-لإرهاب المسئولين- رمى الزهر-أحرزت-تقامر-نجاحا- أبت فوزا) تعتمد هذه الكلمات على التضافر فيما بينها والاشتباك لكى تعبر عن مكنون الموقف وما يدور داخل نفس الكاتبة والمجتمع المحيط بها.

ومن هنا يعتبر هذا الكتاب تحد آخر لكتابات السيرة العربيات لأنه في الحقيقة يتتبع من خلال اللغة كل العلاقات و التداخلات و التفسيرات التي تتم وراء الكلمة و الجملة من خلال تفسرها على كل المستويات المختلفة، فالكتاب يقدم للقارئ أدواته الممكنة الضرورية من خلال منهج علمي مستند على نظرية مهمة في تحليل الخطاب إذا أراد أن يعرف ما وراء تلك الشخصيات الروائية من خلال ما ينطقه اللسان و يخط به القلم قصدا أو بغير قصد، يعتبر هذا الكتاب معملا نقديا لغويا لكشف و تحليل الخطاب اللغوي في خطاب الذات في السيرة الذاتية النسائية و غيرها من السير و كذا في العمل الأدبي بشكل عام.

وتؤكد الناقدة نعيمة عاشور أن الأمر لا يتوقف عند استخدام الخطاب اللغوي فقط عن نورمان فيركلوف و لكنه قد يتسع ليتضمن أنواعا أخرى من النشاط العلاماتي الذى ينتج معان مثل الصور المرئية (الفوتوغرافية، والأفلام، والفيديو، والرسوم البيانية  و كذا الاتصال غير الشفوي مثل حركات الرأس أو الأيدي، وتلك نظرة في تصوري كلية للخطاب و للعالم الاجتماعي للفرد أو الشخصية الروائية/الكاتبة داخل السيرة الذاتية.

ويتكون الكتاب أربعة فصول؛ تناول الفصل الأول الإطار النظري لمكونات الخطاب وأنماطه و خاصة عند فيركلوف وتضمن ذلك الجدل العلائقي و مناهج تحليل الخطاب و خطاب الذات في السيرة الذاتية و علاقة منهج فيركلوف بخطاب الذات في السيرة النسائية.  وفي الفصل الثاني تناولت الناقدة التحليل النصي لخطاب الذات وشمل العلاقات اللفظية والعلاقات النحوية والأبنية النصية. وفي الفصل الثالث تناولت التفاعل الخطابي عن طريق مستويات التفاعل الخطابي لخطاب الذات وجدلية الأصناف والفعال الأخطاء الاجتماعية وفي الفصل الرابع تناولت التفاعل الاجتماعي لخطاب الذات عن طريق مستويات التحليل الاجتماعي نظريا وتطبيقيا.

وختاما أرى أن هذا الكتاب يؤكد على وجود ناقدة حقيقية تمتلك أدواتها النقدية من خلال منهج واضح تعمل به كى تكشف تفاصيل الأعمال الأدبية، وتقدمه للقارئ المجد الباحث عن الحقيقية والمعرفة.

 

مقالات من نفس القسم