فصلٌ من رواية “شَـرطي هو الفرح” لـ أشرف الصبّاغ

شرطي هو الفرح
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

أشرف الصباغ

 القرية لا تزال منهمكة في سيرة الشيخ السباعي، بينما راحت ملامح نعيمة وأمين تتلاشى تدريجيا. دارنا الكبيرة تعيش حياتها التي لم تتغير منذ سنوات طويلة. النساء يستيقظن قبل آذان الفجر. يقمن بحل البهائم، ويساعدن عمي الأكبر في تحميل العلف والتبن، ثم يتركن له وضع الأشياء الثقيلة على ظهور الدواب. يدخل جدي مهرولا كعادته، بعد صلاة الفجر حاضرا في الجامع الكبير، ويتحرك الموكب اليومي، الذي كان أبي وعمي الأصغر يتأخران عنه دائما. بعد ذلك تنصرف النساء لتنظيف الزرائب، ثم ينقلن المراتب والأغطية إلى السطح في انتظار أشعة الشمس. الكلام لا ينقطع عن الخبيز والغسيل، وموسم تخزين القمح، وري الأرز، وجمع القطن..   في ذلك اليوم، قرب الضحى، امتطى ابن عمي البغلة الصغيرة وانطلق يحمل الغداء إلى الرجال في الغيط. كان يلعن الفلاحة والجد والأب والزراعة والبغلة. قال كلمات كثيرة غير مفهومة. تذكرتُ تأنيب جدي له بالأمس على كسله وهروبه الدائم من مساعدة الكبار.

 

قال الجد إن وجود الكلاب في الدار يمنع الملائكة من دخولها. لحظتها لمعت عينا جدتي الكبرى على أمل أن يأمر بالتخلص من الكلاب التي تملأ الدار بالنجاسة. ولكنه نظر إليها بطرف عينه، وقال مشددا على كل كلمة: لكن إذا كانت الكلاب للحراسة والمنفعة ، فالملائكة لا تمانع. وأدار عينيه نحو ابن عمي، وقال في سخرية: وإذا كانت الكلاب والمواشي تحلل لقمتها، فالأَوْلَى أن يراعي البني آدم ضميره ويشوف شغله. زامت جدتي الصغيرة القابعة أمام وابور الجاز، معقبة بأن الأولاد صغار ولا يقدرون على شغل الفِلاحة. فنظر إليها الجد نظرة نارية وقذفها بفردة البُلغة التي كانت بجواره.

قبل أذان الظهر خرجت جدتنا الكبرى من المرحاض الرابض في الظلام تحت السلم، وهي تبسمل وتحوقل. راحت تتوضأ بالقرب من الزير الصغير. كانت أمي منهمكة في إعداد القدور والطشوت للغسيل. وجدتي الصغرى وزوجة عمي في القاعة البحرية تجهزان للخبيز. أما عمتي الصغرى، التي أعلنت العصيان التام بعد خطبتها، فقد استيقظت منذ قليل. تسللت حاملة الفوطة على كتفها وبيدها الليفة والصابونة، وتحت إبطها غيار داخلي، نحو القاعة الجوانية في الطرف البعيد من الدار. خرجت العمة أمينة من قاعة الفرن بشعرها الذي تفوح منه رائحة الجاز، متجهة في حذر نحو السلم الكبير المؤدي إلى السطح. لمحتها أمها – الجدة الكبرى – فقطعت وضوءها متسائلة:

إلى أين يا قرة عين أمك؟

ردت مشيحة بذراعها:

اشمم الكتاكيت الشمس..

هه، الكتاكيت، يا هايجة؟!

كلفتنا الجدة الصغرى، في لين، بإلقاء الذرة للحمام. فألقينا كل ما أعطته لنا دفعة واحدة، وركضنا لنكمل اللعب مع الكلاب.

نظرت العمة أمينة وهي على نهاية السلم، وقالت محذرة:

ابعدوا عن القط، يا أولاد..

زعقت أختي بصوتٍ متشفٍ:

القط في الشارع، ويمكن راح في ستين داهية..

لم تكد أختي تنهي جملتها، حتى تعالى صراخ جدتنا الكبرى. راح جسدها الضئيل يتدحرج مع صوت سقوط الزير الصغير. كان القط واقفا، كأنما انشقت الأرض عن جسده الضخم، في نفس الموضع الذي كانت الجدة تتوضأ فيه وتحت أقدامه فخار الزير المتناثر، وفي فمه فأر ضخم بحجم الأرنب. تعالى صراخ أختي التي اندفعت نحو الجدة، بينما رحتُ أرقص وأتقافز مصفقا. هرولت نساء الدار على صوت لعنات جدتي وصراخ أختي التي التصقت بها وجسدها ينتفض. انسحب القط في هدوء غير عابئ بما يدور حوله، واتجه ليلقي بالجثة إلى خارج الدار.

أطلت عمتي الصغرى من أعلى ضاحكة:

الكلب أكل راسك، ياعجوز؟

وقالت امرأة عمي غامزة في ابتسامة غنجة:

القط يحبك، يا خالة..

صاحت الجدة بين المزاج والجد:

حبك برص وعشرة خرس منك لها. واحدة فوق تُفَلِّي شِعْرَتها، والتانية تقول لي يحبك.. نسوان آخر زمن..

صاحت أمي من الداخل ضاحكة:

إنتي نسيتي التي تستحم بالداخل، يا خالة..

أشاحت الجدة بيدها السمراء المعروقة في ضيق وهي تتأوه، ثم قالت مبتسمة:

البنت تستحم ثلاث مرات في اليوم، وكأنهم سيدخلونها على الملك فاروق

لم تكد تكمل جملتها. تجمدت الابتسامة على وجهها، حين لمحت القط الأسود مقبلا في هدوء ورأسه المثلثة الضخمة مرفوعة إلى أعلى في خيلاء، بينما شواربه الطويلة منتفضة في كبرياء وثقة.

  قرب آذان العصر نزلت العمة أمينة من فوق السطح لتساعد في طهي طعام العشاء. لمحتها جدتي الكبرى تهبط الدرج متبخترة في تأنٍ وبيدها المرآة الصغيرة. زعقت فيها بغيظ:

لمي شقافة الزير، يا هايجة، وأشعلي الكانون بسرعة..

تمتمت الجدة ببضع كلمات أخرى، ناظرة إلى العمة ملكة التي تراوح في وسط الدار دون هدف. بينما أمينة التي لم تعرها أي اهتمام، راحت تلقي ببعض أعواد الحطب في الكانون. وبين الحين والآخر تزعق محذرة إيانا بالابتعاد عن مكان القط، ثم توجهت إلى أمها قائلة:

الزير انكسر بسببك.. لمي الشقافة أنتِ..

وغمزت لعمتي ملكة، فردت الثانية بابتسامة. بينما أدارت الجدة وجهها إلى الناحية الأخرى، متمتمة:

بنات آخر زمن.

وظهرت ابتسامة خفيفة على طرف فمها الأهتم، وتعلقت عيناها في فخر بشفتي أمينة الورديتين المكتنزتين.

 راح القط يتجول في هدوء بين الأرانب المتراكضة. توقَّف فجأة. انتفضت شواربه بحدة. لمعت عيناه الخضراوان. تسلل في حذر نحو السلم. ارتقى الدرجات بخفة. قالت أختي:

ـ يا رب يموت..

بادرتها العمة ملكة التي كانت قد خرجت لتوها من الحمام:

يا رب تموتي أنتِ.. هو أنفع منكِ، يا مفعوصة.

التفتت نحوي وسألت:

أين القط؟

أشرتُ برأسي إلى أعلى دون اكتراث. فدفعتني بمؤخرتها الكبيرة في غنج، وقالت:

هل بلعت لسانك؟ إلهي تنخرسوا كلكم!

انطلقت صرخة مروعة من العمة أمينة التي علا صوت دبيب أقدامها وهي تركض. وفجأة ظهرت أعلى السلم وهي تواصل الصراخ. هبطت مهرولة وفي يدها كتكوتان قتيلان، وخلفها القط يسير مطبقا أسنانه على حدأة.

هللت عمتي ملكة وراحت تصيح بكلمات غير مفهومة. انكمشت أختي في ركن بعيد. أقبلت جدتنا الصغرى في فزع من الداخل وخلفها زوجة عمي والعجين يغطي مرفقيهما. وقعت عينا الجدة على الكتكوتين. صرخت:

كيف فعل ذلك.. كيف فعلها الملعون؟

انطلق صوتي حادا وعاليا:

لا. إنها الحدأة..

وأشرت إليها بسبابتي نحو القط الذي كان لا يزال يطبق عليها متجها بها إلى الشارع.

ألقى بها بعيدا وعاد. استقبلته عمتي ملكة فاتحة ذراعيها. قفز إلى صدرها باعتزاز وكبرياء. دعك رأسه في وجهها. ضمته بقوة وقبَّلَت رأسه. راحت تربت على جسده الطويل وتتمتم:

حتى إذا كان هو، في ستين داهية.. الكتاكيت كثيرة، وهو واحد فقط..

حطت جسده الضخم بين بطنها ووركيها. أراحت الرأس على صدرها الضخم النافر، وراحت تغني وهي تفرك ذيله وتتنهد.

 في اليوم التالي، راح يتجول في أنحاء الدار بثقة، مقلدا جدي. ألقى نظرات ثقيلة على القاعات الجوانية. تشمم الأركان والزوايا البعيدة. نبش بقدميه في أرضية الزرائب. تفقد بعناية وحرص جحور الأرانب. نظر باهتمام إلى “بنيات” الحمام المعلقة على الجدران. هز رأسه في رضاء كما يفعل الجد، ثم رفع ذيله وتثاءب. بعد قليل أقبل نحونا. ظل يلف ويدور حول مرقده الذي نلعب فيه. راح يلعق شواربه تارة، ويهز ذيله أو ينظف رأسه تارة أخرى. نظر إلينا طويلا، ثم انسحب إلى ركن بعيد وعيناه الناعستان تراقبانا..

قالت العمة ملكة:

دعوه ينام.. العبوا بعيد..

ردت أختي في غيظ وبلا مبالاة:

لينام هو في مكان آخر..

نهرتها العمة قائلة بصوت سمعته أمنا في الداخل:

هذا مكانه قبل أن تأتي أمك نفسها إلى دارنا.

وقذفت الأخت بفردة حذاء قديمة. تفادتها الصغيرة وانفجرت بالبكاء، ثم تناولت حجرا وقذفت به القط٫ فأصابه في مؤخرته. أطلقَ مواء خافتا ونظر نحوها باستكانة لا تخلو من غدر. أدار بصره متثائبا نحو العمة ملكة التي انتفضت صارخة في وجه أختي وزغدتها بقوة في مؤخرتها. بكتْ بحرقة، وهجمت على القط. ركلته بشدة. فوثب نحوها، نطحها مقلدا العجل الصغير، طار جسدها النحيل في اتجاه الحامل المعدني للزير الكبير حتى كاد رأسها يصطدم به. علا الصراخ. جاءت أمي مهرولة وصوت سبابها ولعناتها يسبقها. انحنت على الصغيرة وراحت تمسح الدم النازف من أنفها. هرولن جميعا والتففن حولها، وهن يلعن القط، بينما العمة ملكة أخذت ركنا بعيدا وراحت تنظر إليهن وعيناها تطقان بالشرر.. كان هو قد وثب بقفزة واحدة فوق الفرن ووقف متحفزا.

نظرت أمي نحوي بتأنيب، وقالت:

كيف تركت أختك، يا بن الخائبة؟!

اندفع الدم إلى رأسي. تراجعت إلى الخلف قليلا. تناولت عصا خشبية طويلة. اندفعتُ نحو القط المكشر عن أنيابه. انهلت عليه بالضرب. زام الملعون. تراجع إلى الوراء متفاديا الضربات. تحول لون عينيه الأخضر إلى لون أصفر مشوب بالاحمرار. نظر بشراسة في عينىَّ، ثم وثب نحوي مصطدما بصدري دون أن ينشب مخالبه في وجهي أو رقبتي. سقطتُ فاقدا الوعي.. أفقتُ بعد قليل على مشادة كلامية بين أمي وعمتي ملكة، كادت تتحول إلى عراك بالأيدي لولا تدخل زوجة عمي التي لا تحب عمتي الصغرى ملكة. وإمعانا في العناد، خرجت العمة وأتت بالقط من الشارع. أرقدته في مكانه. جلست إلى جواره وراحت تمشِّط شعرها.

انتهت المشادات، وراحت كل منهن لحالها. انشغلنا في الركض واللعب. اختفى القط. وقبيل الغروب بقليل، ظهر من جديد، يسير في هدوء. توجه إلى مرقده. استلقى وصدره يعلو ويهبط بشكل ملحوظ. كانت عيناه زائغتان قليلا. عندما سمع أول دقة من عصاة الجد، نهض في تكاسل على غير عادته. توجه نحو الباب الكبير لاستقباله.

في المساء جلجلت ضحكة جدي عندما سمع ما جري لىَّ مع القط. قال:

عفارم عليه.. إياك أن تضربه، سأهشم عظامك..

 لم يكن في الدار أطفال. لكنني استيقظت في الليل على صوت بكاء طفل. تحول البكاء إلى أنين. كتمتُ أتفاسي لعلني أميز الصوت: كان صوته هو.. صوت مواء مُعَذَّب. وجعني قلبي بشدة. راودتني رغبة في النهوض، لكنني تذكَّرتُ ما فعله معي. رحتُ مرة أخرى في النوم. لا أدري كم من الوقت مرَّ حين استيقظتُ على وجه أمي وهي تدعوني للنهوض. كانت عمتي أمينة تنتظرنا في الشارع أمام الباب الكبير وبيدها جوال مربوط بعناية.

سرنا تحت ضوء القمر. كانت السماء صافية والنجوم كبيرة وواضحة. اتجهنا نحو مقام سيدي الخراشي. عبرنا تلك القنطرة الترابية الصغيرة من فوق فرع النهر المحاذي للقرية. قالت أمي:

انتظرنا هنا، داخل المقام..

وقفت على الباب أراقبهما. توجهتا إلى الفرع الملعون. أمسكت كل منهما بطرف الجوال، وألقيتا به في وسط الماء. عندما لمحتني العمة على باب المقام، صاحت من بعيد:

أ لم نقل لك أن تنتظرنا بالداخل؟

لم أر شيئا.. كنت أنظر إلى النجوم..

قالت الأم في حسم، انتظرنا بالداخل. سننزل إلى المياه..

تواريتا خلف سور المقام. خلعتا ثيابهما، واتجهتا إلى الفرع القريب من القرية. سمعت أصواتهما الضاحكة وهما تسبحان. خطوتُ إلى الخارج لأتفرج عليهما. لمحتني العمة. فصاحت:

ادخل، يا قليل الأدب.. عد إلى المقام..

ضحكت أمي، وقالت:

هو صغير، لا يفهم..

الصغير اليوم، سيكبر غدا..

 بعد قليل، دخلتا المقام، وكل منهما تنفض عن شعرها المياه. أخرجت أمي شمعة وأشعلتها. جذبتني من يدي. أوقفتني بينها وبين عمتي أمينة، ورحنا ندور حول المقام سبع مرات. عدنا قبل أن يستيقظ جدي لصلاة الفجر. أرقدتني أمي في فراشي، وذهبت لتسخين المياه وإعداد ما سيأخذه الرجال معهم كالعادة.. شعرت بخدر يسري في جسدي بهدوء.. رأيت القط يقفز فجأة إلى فراشي، اندس تحت الغطاء إلى جواري. دفن رأسه في صدري. أحطته بذراعيَّ في رفق ومسحت على رأسه. نظر إلىَّ بعينين دامعتين ولعق رقبتي ووجهي. جاءت أختي بطبق لبن كبير وخلفها عمتي ملكة مبتسمة. جلسنا نطعمه ونلعب معه. مسح شاربه بلسانه، وقال فجأة:

اركبي على ظهري..

ضحكت أختي. فرفعها بذراعيه ووضعها على ظهره. نبت له جناحان. نظر إلينا وابتسم. حلَّق. دار دورتين، ثم طار عبر النافذة. وفجأة، ظهر جدي. أخذ يضرب عمتي ملكة. راحت أختي تبكي. قفز القط نحوه. أنشب مخالبه في وجهه ورقبته، أخذ يضربه في صدره بقوة. سالت دماء الجد، غطت وجهه. ومن بعيد أقبلت العمة ملكة مرتدية السواد وهي تبكي وتلطم خديها. نساء الدار يرحن ويجيئن منهمكات في شئ ما. الجدة الكبرى تقف علي الزير الكبير تؤذن لصلاة الفجر، والقط يتوضأ من مِسْقَاة الكتاكيت..

نهضتُ مفزوعا على صراخ عمتي ملكة وعويلها. علا صوتها متسائلا:

أين القط؟ ماذا فعلتم به؟

 كان الصمت يخيم على الدار كلها. حتى الكلاب لم تكن تنبح. والأرانب اختفت في جحورها. الكل يتحركن في صمت ووجوم، لا ينظرن حتى إلى بعضهن البعض. فقط عمتي ملكة هي التي كانت تسأل بين الحين والآخر باكية عن القط.

قبيل الظهر، ركبت الحمار وأخذت طعام الغداء إلى الرجال. وعند عودتي، لم يكن شئ قد تبدل. وضعت عمتي ملكة الشال الأسود الكبير على رأسها وكتفيها. جذبتني من يدي وخرجنا إلى الشارع. رحنا نبحث عنه حتى أذان العصر. لم يكن له أي أثر.

لم يظهر القط في هذا اليوم، ولا في الأيام التالية. ثار جدي في البداية وتوعد الجميع. وبعد ذلك قال:

أنا أعرفه.. ملعون.. سيعود..

لكن العمة ملكة ظلت تسأل وتبحث. تعاركت مع جميع النساء في الدار. قررت ألا تفعل أي شئ. قالت لها العمة أمينة ذات يوم بعد أن فاض الكيل:

راح في ستين داهية. كفى عناد وعويل..

إذن أنتي السبب.. ماذا فعلتي به؟

قلتُ لكِ، راح في داهية، خلاص، كفى..

ونشبت معركة بالأيدي بينهما. قطعن شعور بعضهما البعض ومزقن الملابس.. أدمت كل منهما وجه الأخرى. ولكي لا يعرف الجد ما حدث، أخبرته الجدة الكبرى أن ملكة وأمينة مريضتان. وبعد فترة بدأت الحياة تعود بشكل طبيعي إلى الدار.

 وذات يوم. قبيل الظهر، امتطى ابن عمي الحمار حاملا طعام الغداء للرجال. وما إن خطا الحمار خارج الدار خطوة، حتى سمعنا صرخة ابن عمي التي هزت الشارع. هرول الجميع نحوه. أشار في هلع، نحو القط الراقد في الزاوية القائمة بين جدار الدار وأرض الشارع بجوار الباب الكبير.. شعره قذر ومخالبه متسخة يغطيها الطين. جسده الطويل الضخم متهالك تماما ورأسه مستند إلى الجدار في إعياء. فتح عينيه بصعوبة وبطنه يعلو ويهبط. جفونه ترتعش، وسائل شفاف يسيل من زوايا العينين. نظر نحوي في كسل. نقل بصره إلى عمتي ملكة وهو يتنفس بصعوبة. حرَّك عينيه بين الوجوه. ظهرت العمة أمينة، اهتز جسده. نظر إليها. أخرج صوتا ضعيفا وهز رأسه، ثم أغمض عينيه. اقتربتْ منه ملكة. وضعت يدها على رأسه، ربتت على جسده الذي لا يزال يرتعد. فتح عينيه مرة أخرى. أصدر مواء ضعيفا. سال سائل أصفر ثقيل من فمه، وسقط رأسه على الأرض.

……………

 الرواية صادرة عن دار الآداب ـ لبنان

مقالات من نفس القسم

تراب الحكايات
موقع الكتابة

خلخال