الطفولة المرعبة

الطفولة المرعبة
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

كانت تجلس في ردهة المستشفي كالعادة لعمل أشعة وانتظار نتيجة الجبس فى ذراعها اليمنى جراء كسر عند مفصل الكوع، تنتظر ككل المنتظرين، والألم يسحق روحهم، والحزن يملأ وجوههم، واللاجدوى، وترقب الأمل أنْ ينجو من مرض أو عجز بكلمات الطبيب المنتظر، و أنْ ينقذهم من المصير المجهول، ويرحمهم من الإجراءات الطبية التي تحتاج إلي صبر أيوب، خاصة من يأتون هذا القسم،  قسم العظام والجراحة أوقسم  المخ والأعصاب القريب منه، وغيرها من الأمراض المستعصية علي العلاج، وفجأة، وبدون مقدمات، جاءتْ سيدة في العقد الثلاثين تقريبًا جلست بجوارها وتحمل طفلا لا يتجاوز الأربع سنوات، شكله منغولي وملفت للنظر حتى لفت انتباه كل الجالسين، وخاصة أنّ هذا الجزء من الردهة الطويلة الملتوية التي بها العديد من الغرف للتخصصات المختلفة، وإنْ كان هذا الركن يخص قسم العظام (أو جراحة العظام) أكثر الأماكن ازدحامًا، تشعر فيه أنّ مصر بكاملها تعرّضتْ لحوادث أدّتْ إلى كسور مضاعفة، أو عجز، فتنوع الكسر بين حامل عجاز أو عجازيْن، أو يجلس على كرسي.. شلل تام أو مستلق علي سريرطبى  بعجل يدفعه المسعفين، الذين يعملون في سيارات الإسعاف وتستدعي النقل الطبي، لعدم قدرة المريض بتاتــًا علي الحركة.

دون أنْ أبدأ بأي حديث معها قالت بحزن شديد :

جاية من روض الفرج –علشان ابني المسكين- عنده عجز يوقف نموه عند 4سنين.. نظرتُ بشفقة بالغة ولم أرد، واستطردتْ الجدة تــُـفسر ما قاله هذا الطفل المنغولي الشكل.

البطة أنا علقتها..

وتـُشير الجدة بحركة عند رقبتها أنه قتل البطة.. تصدقي يا حبيبتي.. نظرتُ بدهشة ولكني لزمتُ الصمت من المفاجأة.

وقالت الأم – ولا أعرف تباهيًا أم سخرية أم خوفا منه :

أمى اشترتْ عشرة كتاكيت، وخنقهم، والبطة فقست ثلاث بطات عند أمي (أي الجدة) خنقهم كمان.

ونظرتُ إليه نظرة طويلة بإمعان، والخوف والرعب انتابني من هذا الطفل المنغولي الشكل.

    وعاجلتني أمه بحسرة :

طفل عدواني خالص.. حتى أخته الصغيرة لما يلعب معاها، بيحط صباعها في بقه ويلحسه.. وأنا بخاف يأكله والله.. يا رب أقف جنبي وصبرني.

ما يحدث أمامي سمّرني عن أي تعزيز أو سلوان واجب تقديمه  في ذاك الظرف الإنساني المأساوي للغاية، وصمت تمامًا وفتحتُ فمي كالبلهاء والمعتوهة، بينما كان تعليق الجدة، ملخصًا عميقــًا لمدي المأساة، والفاجعة المرعبة.. وقد ضحكتُ ضحكة قصيرة استهزاءً و حزنـًا لا مثيل له :

بيقتل الكتاكيت، ولما بيشوف القطة ويسمع صوتها بيبقي عايز يخربشها، ويخنقها.. بكره يقتل بشر أو يقتلنا أنا وأمه مين عارف.. يا رب رحمتك ولطفك بينا.

إلاّ أنّ الأم الشابة عاجلتْ حسرة الجدة بسؤالي بكل تلقائية :

إلا يا أختي متعرفيش دكتور المخ وأعصاب هايجي إمتي…..

***


مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون