عمار علي حسن يعود إلى الشعر بديوان “غبار الطريق”

غبار الطريق
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

عن “دار العين للنشر” في القاهرة صدر ديوان “غبار الطريق” الذي عاد به عمار علي حسن إلى إبداع الشعر بعد أن فارقه نحو ثلاثين عاما أصدر فيها ثلاثة وعشرين كتابا أدبيا عبارة عن روايات ومجموعات قصصية ومسرحية إلى جانب سيرة ذاتية سردية علاوة على خمسة وعشرين كتابا في مجال التصوف والنقد الثقافي وعلم الاجتماع السياسي.

وكان عمار قد جمع أشعار الصبا وأصدرها في منتصف عام 2020 في ديوان بعنوان “لا أرى جسدي” عن “دار الأدهم” بالقاهرة. وتم رفع الديوان إلكترونيا على موقع أبجد عام 2023، وكتبت عنه عدة مقالات نقدية في مواقع وصحف ومجلات عربية.

 ومع هذا يرى الشاعر والناشر د. فارس خضر أن هذه الديوان قد وقع عليه ظلم كبير لأنه صدر بينما كان وباء كورونا يحبس الجميع في المنازل، ويأخذ بالألباب فلا يفكر الناس إلا فيه ليل نهار، فتراجع الانشغال بالكتب والقراءة بشكل عام.

ويقول عمار علي حسن “بدأت مسيرتي الأدبية شاعرًا، فكتبت قصائد عدة في ميعة الصبا، لم أسع إلى نشرها، وأخذتني القصة القصيرة ثم الرواية من الشعر، وإن كانت روح القصيدة قد حضرت جليًّة بهيًّة في ثنايا سطوري السردية، ولم يفارقني خيال الشاعر وجسارته في سطوري العلمية”.

وأضاف عمار “أجد الآن أنه قد يكون مفيدًا، على الأقل بالنسبة لي، خروج تجربتي الشعرية البعيدة إلى النور، بعد أن هجرتها، وهو هجران يضنيني؛ لأنني من الذين يعتبرون الشعر أكثر ألوان الأدب رسوخًا ورهافة وصعوبة”.

وبينما كان ديوانه الأول عبارة عن قصائد الصبا التي نقلها من ورق قديم، ونقحها، دون إخلال بمضمونها، كي تبقى كما كانت ناطقة باسمه في زمن جميل مضى، فإن ديوان الثاني عبارة عن قصيدة واحدة طويلة تتنوع وتتوزع على أكثر من لون شعري، بما يجعلها حافلة بالتجريب.

ويقول عمار “رغم أن أغلب دور النشر الخاصة لم تعد تتحمس لنشر الشعر الذي تراجع توزيعه في السنوات الأخيرة إلى درجة مزعجة ومحزنة في آن، فإن الناشرة د. فاطمة البودي، التي سبق لها نشر دواوين لشعراء آخرين، تحمست لديواني، ونشرته في زمن وجيز”.

يقسم عمار ديوانه أو قصيدته الطويلة التي يحويها ديوان كامل، يشغل مائة وست عشرة صفحة من القطع المتوسط، إلى ثمانية مقاطع، كل مقطع منها عبارة عن مشهد أو لوحة شعرية، تعاد ثلاث مرات، وفي كل مرة تأخذ شكلا أو نوعا شعريا مغايرا، الأول يكون وفق “شعر التفعيلة” والثاني يأتي على هيئة قصيدة نثر، والثالث عبارة عن سرد شعري مكثف، وكأنه نوع من القصيدة القصة، أو الشعر المنثور.

وليس “غبار الطريق” هو الديوان الأول الذي يحوي قصيدة واحدة طويلة، فقد تكرر هذا في الشعر المعاصر كثيرا، لكنه أتى مختلفا عن كل هذا في الشكل، الذي لا يرتبط من خلال “غبار الطريق” بعناوين وفق الأرقام والحروف، إنما بالتنوع أو التوزع بين ثلاثة أشكال من الشعر.

لا توجد عناوين فرعية في الديوان، إنما هو فقط عنوانه الرئيسي. وتقسم العناوين الفرعية هذه بين المقاطع والألوان الشعرية، التي تأخذ جميعها سمتا سرديا لافتا، بحيث نرى العناوين هي (1/ أ) ثم (1/ ب) وبعدها (1/ج)، حتى نصل إلى الرقم (8) فيتوزع على الحروف الثلاثة السابقة، ويضيف إليها في النهاية حرف (د) حيث تتفاعل فيه الأنواع الشعرية كلها.

يمكن القول إن الديوان يحمل حكاية واحدة عن قطار الصعيد، البسيط المجهد، الذي عركه الشاعر نفسه، كما دلت على ذلك سيرته الذاتية التي صدرت تحت عنوان “مكان وسط الزحام”. إنه حلم السفر الذي كان، ولا يزال يراود، كثيرين ممن ضاق بهم العيش، فيكون القطار هو طوق النجاة الذي يلقى إليهم كي ينتشلهم إلى براح يأملون أن يأتي يوما.

إنه القطار الذي يبدو أمام الكادحين في الحقول أشبه بدودة تتلوى مثلما يرونها تحت أقدامهم حين تقلب فؤوسهم الأرض، وهكذا يبدأ المقطع الأول من الديوان:

“قطار الصعيد

قافلة مجهدة

تمشي تحت جناح شمس ذابلة

فتجرح الأصيل

أما هنا بين ساقيّ

فتصير حشرة بائسة

تنبض في شراييني

وترمي عيوناً عابسة

مقددة كشفتي تائه

أرهقه ترديد السؤال

عن عنوان مجهول

وشوارع مائسة

راكدة كساعة خربة

لا تعرف الوقت

بين الميلاد والرحيل

تتلوى على حديد فأسي

دودة واحدة

من الأرض إلى الموت خرجت وأنا أتابعها

بأشواق زائدة

وزاد السبيل

قاتلًا مبصرًا كنت

ضحية عمياء كانت

وبين كن وكان يبدأ كل شيء وينتهي”

والأبيات السابقة تمثل جزءا من المقطع الأول، وقد جاءت وفق شعر التفعيلة، فيعيد الشاعر صياغة هذه الحالة نفسها وفق مسار قصيدة النثر، فيقول مثلا:

قطار الصعيد

يمضي حافيًا

كأقدام من يتطلعون إليه في الزروع

أجرب مثل ملابسهم الكالحة

ضيق كعيونهم التي أكلها الانتظار”.

ويعود الشاعر في المقطع الثالث ليجمل، وربما يوضح أكثر، أو يؤكد الصورة والرؤية، عبر سرد شعر، فيقول: “قطار ودودة. معدن ولحم، يتشابهان في السعي الدؤوب، وفي الجري والزحف. هذه على بطنها الأملس، وهذا على أشواق راكبيه. حين تعبر هي من حقل إلى آخر، تحت التراب اللدن أو فوقه، تقول في نفسها: طرت من كوكب إلى كوكب، ومن مجرة إلى أختها، هكذا المسافات تقاس بالمشقة، وليس بطول السفر”.

على المنوال ذاته تجري المقاطع جميعا وتوزيعاتها، حتى نصل إلى الثامن منها، فيربط هذه المشاعر الخاصة جدا حول السفر، بالسياق العام الذي يحيط بمن يحلم بالفرار من جحيم الفاقة والعوز، سواء بقي في مكانه البعيد يتحين الفرصة كي يركب القطار إلى بلاد بعيدة، أو حين يحل في هذه البلاد، ويبدأ في مكابدة الغربة والاغتراب.

وهذا السمت الحكائي الذي يتوسل به الديوان يجعل كثيرا من المشاهد والصور تطل من أبياته، والوقائع والشخوص يخرجون من سطوره، والأصوات على اختلاف أنواعها ودرجاتها تسمع من تدفقه، إلى أن ينتهي بأبيات لافتة، وكأنها تشاكس الوضع الراهن، فتقول:

“قطار لا عيون له

 ولا بريق

معطلة أبواقه التي تصرخ معلنة عن قدومه

فلا زعيق

لا محطات تبكي على كتف انتظار

 لا سيمافورات تطعن الفضاء

 تحدد الطريق

 لا كبسولات تعانق القضبان

 تدوي ساعة الخطر

 فالسرعة فاقت الحدود

 جنونية هي

 والوقت ليل

على باب المضيق

السائق لا يسمع سوى صدى صوته

ولا يرى دخان الحريق”.

يشار إلى أن “غبار الطريق” هو الديوان الثاني لعمار علي حسن بعد “لا أرى جسدي”. وقد صدرت للكاتب والشاعر له أربع عشرة رواية، وسبع مجموعات قصصية، ومسرحية، وديوان شعر، وسيرة ذاتية سردية، ومتتاليتان قصصيتان، وقصة للأطفال، وستة وعشرون كتابًا في الثقافة والاجتماع السياسي والتصوف، وتُعد حول أعماله الأدبية عشرون رسالة ماجستير ودكتوراه داخل مصر وخارجها، وكتبت عنها دراسات ومقالات نقدية عديدة، وترجمت بعض كتاباته إلى لغات عدة، وحصلت على جوائز كبرى عدة.

 

مقالات من نفس القسم