عمار علي حسن: ما أتعس العيش بلا خيال

عمار علي حسن
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

حاوره: عاطف محمد عبد المجيد

بدأ  عمار علي حسن مسيرته الإبداعية شاعرًا، ثم انتقل بعدها إلي القصة القصيرة والرواية وتوالت إصداراته فيهما، ومعها ظهرت كتبه تباعا في علم الاجتماع السياسي والنقد الأدبي والتصوف. ولد في صعيد مصر ثم انتقل إلى القاهرة ليخوض، عن قرب، معترك الحياة الأدبية والفكرية بادئًا مشوار رسالته التي يريد لها  أن تصل إلى كل القراء في الأنحاء كافة. 

تلقى كتابات عمار على حسن، الذي يحمل درجة الدكتوراه في العلوم السياسية، أصداء طيبة، مما جعله يحتل مكانة مرموقة بين كتاب ومفكري ومبدعي جيله مصريًّا وعربيًّا.من إصداراته الروائية:  “شجرة العابد” و”جبل الطير” و”بيت السناري”، ومن إصداراته القصصية “أحلام منسية” و”أخت روحي” و”عطر الليل”  ومن كتبه “الخيال السياسي” و”المجتمع العميق” و”التغيير الآمن” و”النص والسلطة والمجتمع” و”التنشئة السياسية للطرق الصوفية”.

 أصدر عمار مؤخرا سيرة ذاتية بعنوان “مكان وسط الزحام” ونجري معه هنا حوارا  كي نتعرف إليه أكثر، أو نقترب من تفاصيل أخرى في حياته، يذكرها للمرة الأولى.

** بداية لن أسألك عن بدايتك ولا عن روافدك التي نهلت منها..فقط أريد معرفة ما هي النقطة التي تود أن تصل إليها في مشوارك الإبداعي والفكري؟

* أكذب لو قلت إنني قد وضعت حدا، فالكتابة في ذاتها فعل يكره الحدود والسدود والقيود، وأي كاتب لابد له أن يقصد الوصول بما كتب إلى جميع من في الأرض، إن استطاع إلى ذلك سبيلا، حال أن يكون إبداعه الأدبي أو الفكري يلبي احتياجات راهنة أو مستقبلية.وأنا طيلة الوقت أتصرف على أن العمر أقصر من أن يكفي لكتابة كل ما في رأسي من صور فنية وأفكار، لكني أشعر أنني منذور لشيء أو لأمر لابد لي أن أمضي إليه بلا توقف، إنه مواجهة القبح، والخواء الوجداني، والتردي الأخلاقي، وكل ما يجعل شروط العيش قاسية، ويقتل في الناس إنسانيتهم، ويفتح أبواب العنف الاجتماعي والسياسي، ويجعل التاريخ يتقهقر إلى الوراء، أو يمضي داخل دائرة محكمة لا يستطيع الفكاك منها، حتى لو كان تاريخي أو مساري الشخصي.

** أنت تكتب الرواية والقصة والمقال الصحفي والمقال النقدي, إلى جانب كتاباتك الفكرية، وفي علم الاجتماع السياسي.. تُرى هل يُعتبر هذا نوع من تشتيت طاقتك الإبداعية؟ أم هو دليل على امتلاكك لنواصي هذه الكتابات؟

* هذا سؤال يطاردني، مع أنني أتصور أن أحدًا لم يسأله من قبل لأولئك الذين أنتجوا كل هذه الأنواع من الكتابة في زمن مضى، فوقتها كان هذا ليس بالشيء الذي يستحق السؤال، لأن الكتاب والنقاد، وحتى القراء، تعاملوا إزاءه على أنه أمر عادي، وألفوه، وتساوقوا معه بلا انقطاع، وتذوقوا كل ما أبدعه هؤلاء، وراح صوت المتساءلين حول هذا، والرافضين له، وسط أصوات من يقبلونه، مثلما وقع مع طه حسين على سبيل المثال، الذي أنتج ألوانًا شتى من الإبداع الأدبي والفكري والنقدي علاوة على البحث في العلوم الإنسانية، ودوره في العمل العام، وكان هناك من يضيق بهذا، لكن الأغلبية تقبلته، وصرنا اليوم نقرأ مختلف كتبه التي تعاد طباعتها.               بالنسبة لي لا أرى تنافرًا بين كل هذه الألوان، طالما أنني أفرق بين لون وآخر في الأسلوب والشكل والصيغة، كما تتباعد المضامين أحيانًا بقدر ما يفرضه كل لون، فالمقال يتابع، في الغالب الأعم، الحدث الجاري، والبحث يحاول دحض أو إثبات فرضيات، والإجابة على أسئلة أكثر رسوخًا، والنقد مساءلة لما هو سائد ومتاح، والإبداع الأدبي هو سعي لخلق جديد، وتتفاوت المسافات بين كل هذا بقدر المساحات المأهولة أو الخالية بين الفن والعلم.في الأول، بدأت شاعرًا، كعادة كثيرين أيام الصبا، وانتقلت للقصة، وتواصل إبداعي لها مع نشر رواياتي تباعًا. والمقال الصحفي ضروري لأقول كلمتي فيما يجري حولي، والكتابة البحثية هي استكمال لمسار علمي تحت طائلة الدراسات عبر النوعية. وبين كل هذا، لا يخلو العمل الفني من فكرة وإلا صار لغة على لغة، وصورة على صورة، ولا يخلو الفكر لدي من طريقة سردية، وبين الاثنين كتبت المقال السردي والرواية المعرفية.جزء مما سرت فيه كان اختياريًّا، وآخر جاء إجباريًّا، بفعل الظروف التي مررت بها، والتي جعلتني أعمل بالصحافة في مقتبل حياتي، ومعها أواصل دراساتي العليا وأعمل أيضًا في عدة مراكز أبحاث، ومع المسارين لم أتوقف عن كتابة الأدب، الذي لو كان بوسعه أن يوفر لي حياة كريمة، ربما لم أكن أسلك المسارين الآخرين. وقد دربت نفسي على الاستمرار في إنتاج هذه الألوان، وفق ما أسميها نظرية ” الترانزستور “، الذي يعطيك أشياء متعددة حين تدير مؤشره. وفي النهاية فإن استحسان القراء والنقاد ورفاق الدرب في الأدب وعلم الاجتماع السياسي والصحافة لكل ما أكتبه هنا أو هناك، يؤكد لي أن هذه المسارات أفادتني جميعًا، بقدر ما حاولت أن أفيد الناس.

** أصدرت منذ فترة كتابك الخيال السياسي..إلى أي مدى ترى تأثير قيمة الخيال في حياة البشرية على المستويين الاجتماعي والسياسي؟

* لا يمكن استمرار العيش بلا خيال، فمن دونه كان الإنسان سيظل يهيم على وجهه عاريًا في الغابة، فالخيال وراء كل تقدم في حياتنا، وأي شيء أدى إلى تحسين شروط العيش.والخيال السياسي بات فريضة غائبة في حياة العرب المعاصرين، فنحن أمة بلا استراتيجية، ندير أمورنا بشكل يومي، وكأننا عُمّال تراحيل، ولهذا تراجعت قيمتنا ومكانتنا وتأثيرنا بمرور الوقت. وهذا الكتاب على أهميته هو جزء من ثلاثية عملت على تأليفها للرد على المقولات السائدة في علم السياسة، فإذا كان تعريف السياسة هي أنها ” فن الممكن ” فقد أردت بكتابي الخيال السياسي أن أقول إنها يمكن أن تكون ” فن المأمول “. وإذا كان هناك من يتعامل مع السياسة على أنها بنت الواقع وتتوخى الحقائق، فقد انتهيت من تأليف كتاب بعنوان ” المجاز السياسي “، لا يزال قيد النشر، لأرد على هذه المقولة.وهناك من يرى السياسة أنها من أفعال الامتلاء المادي، وأتمنى أن يكون لديّ الوقت لتأليف كتاب عن ” الفراغ السياسي “. وأريد من هذا أن أضع المقولات والافتراضات والتصورات القديمة محل نقاش، وعدم التعامل معها على أنها مُسلَّمات، متفق عليها، وغير قابلة للمراجعة.

** في مجموعتك القصصية ” أخت روحي ” الصادرة حديثًا بالقاهرة نجد مسحة من الحزن على ما مضى..هل هذه حسرة على الماضي الذي لن يعود؟ أم هو توجس من مستقبل غائم لأقصى حد؟

* الاثنان، الماضي الذي ذهب ولا يمكن استعادة ما كان فيه من لحظات المسرة التي لا تنسى، ولحظات الأوجاع التي تم نسيانها وبقيت منها العبر والعظات.والآتي الذي تسربل بستائر سوداء سميكة، تحجب عنا كل شيء، فنسير متخبطين في عمًى.ربما مرد هذا أنني من المؤمنين بأن الإنسان يقضي حياته في متاهة، رغم التقدم العلمي الرهيب، فنحن نأتي إلى الحياة ونمضي، دون أن نتمكن من فك ألغازها وطلاسمها على نحو جلي، يكفي أن يفهم كل منا ما يعينه على الاطمئنان، إلا أولئك الذين أنزل الله في قلوبكم السكينة.

** أنت واحد من كثيرين ولدوا وعاشوا سنوات في الريف، وبعدها انتقلوا إلى المدينة..دعني أسألك ألم تندم يومًا على إقامتك في المدينة؟ 

* دائما أقول إن القرى من صنع الله، والمدن من صنع البشر.لكن القدوم إلى المدينة كان شرًّا لابد منه، فحين تخرجت في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، كان لابد أن أبحث عن فرصة عمل لا يمكن أن تكون بالريف، لمن حصل على مؤهلي، ومع العمل كان الانتقال والإقامة وطول المقام والتحول التدريجي من حياة بسيطة تقوم على الوجه للوجه، إلى حياة معقدة يصيبها الاغتراب والتجهم والزحام. 

مع هذا لم تنقطع علاقتي بالريف من ثلاث زوايا، فأحيانًا أتردد عليه زائرًا، سواء لمسقط رأسي أو غيرها من القرى في ندوات أدبية أو مؤتمرات سياسية أو للتنزه. وكثيرًا ما أذهب إليه في شرودي لأستعيد أيامي هناك التي لا تزال قادرة على إمدادي بذكريات هانئة.والأهم من هذا أنني أحول ما تجود علي به الذاكرة إلى أعمال أدبية، قصصية وروائية، فالريف حاضر بقوة في مختلف نصوصي.

** منذ سنوات أصدرت كتابك ” حكايات الحب الأول ” .. كيف ترى الحب قيمةً وتأثيرًا على حياة الإنسان؟

* هذا الكتاب يحوي مائة حكاية لبطلها الذي لم يفارقه الحب الأول، رغم أنه نقَّل فؤاده في الهوى مرات، فباح  به دون قيد، متراوحًا بين الروحي والحسي، دون مغادرة حالة من التبتل الصوفي، الذي ترفع المحبوب إلى مراتب سامية.لا أريد في هذا المقام أن أتحدث عن القيمة والتأثير إلا بقدر ما جادت به عليَّ واقعة ربما تكمن فيها الإجابة.فبعد نشر أجزاء من هذه الحكايات في ملحق يوم الجمعة من صحيفة ” الأهرام ” قابلني رجل بسيط في يوم حاشد من أيام الثورة المصرية، بعد أن خلص إليَّ من قلب الزحام فاتحًا ذراعيه، فظننت أنه يعلن تضامنه مع موقفي السياسي، لكنني فوجئت به يجذبني من يدي، ويأخذني بعيدًا عن الزحام الصاخب، ثم يسألني والدموع تملأ عينيه: هل مررت أنت شخصيًّا بما كتبته في حكايات الحب الأول؟ وقبل أن أنطق وجدته يقول: قرأتها مصادفة في القطار بعد أن وجدت ركابه يتخطفون صفحة من الجريدة، فلما وصلت إليَّ في الرحلة الطويلة من أسيوط إلى القاهرة، قرأتها وبكيت، لأنني آمنت أنها حكايتي أنا. 

**هناك من يرى أنك تسعى إلى دفع واقعية سحرية عربية، أو حتى واقعية روحانية خطوات إلى الأمام، فلماذا يتكثف وجود الفانتازيا في قصصك ورواياتك؟ 

* التفت نقاد وباحثون يعدون أطروحات جامعية، في مصر وخارجها، إلى هذا المسار في مشروعي الأدبي الذي يمضي في طريقه بحول الله، وقال بعضهم إنني أكتب بما يضاهي آداب أمريكا اللاتينية دون أن آخذ عنها.وهذا الوصف في حد ذاته جعلني أندهش، فهذه الآداب اعتمدت في جانب منها على ما هضمه الأسبان والبرتغاليون من تراث العرب الأقدمين، حيث الملاحم والأساطير والحكايات الغريبة التي صبت جميعها تحت اللافتة العريضة التي كان يرفعها الغربيون عنا وهي ” سحر الشرق “.وقد اعتمدت في بناء ملامح مشروعي الأدبي هذا على كرامات الأولياء والقديسين التي يغالي فيها البعض فيحولها إلى أساطير، مثلما تجسد في روايتي ” جبل الطير ” وعلى إطلاق العنان للتخييل الجامح مثلما جاء في روايتي ” شجرة العابد “، وعلى بعض حكايات التاريخ المنسية، مثلما تجسد في رواية ” بيت السناري ” و” خبيئة العارف ” علاوة على ما سمعته في قريتي من حكايات غريبة عن الجن والعفاريت والغيلان وذئاب الليل المفترسة وأشباح القتلى، خاصة وقت أن كانت القرية تسبح في ظلام الليل قبل أن تدخلها الكهرباء، وما سمعته كذلك من ملاحم وسير وجلسات زار كانت جدتي لأمي مولعة بها، ومواويل وأمثلة مدهشة وحكايات عجيبة عن الأجداد وهم يواجهون كل ما يخيف في الليالي السوداء، يملأ رأسي يما يعينني على أن أمضي على هذا الدرب غير هيّاب بما يفرضه من قريحة عامرة بالخيال والدهشة، وقد ظهر هذا في روايتي ” السلفي “، بل إن روايتي المشهدية عن ثورة يناير ” سقوط الصمت ” لم تخل من أشياء تنطوي على فانتازيا، لأن الواقع يكون أحيانًا أغرب من أي خيال أو تخييل.لكنني كتبت روايات أيضًا في الواقعية الاجتماعية مثل ” جدران المدى ” و” زهر الخريف ” و” باب رزق ” و” حكاية شمردل “، وهي روايات عن المهمشين في الريف والمدينة.

**رغم انسحاب الضوء من على القصة القصيرة، لصالح الرواية، إلا أنك ما زلت مصرًّا على كتابة القصة..هل لك أن تشرح لي فلسفتك بهذا الخصوص؟

* في البداية كنت أظن أن القصة هي مجرد جسر ينقلني من كتابة الشعر إلى الرواية، أو تجريب سردي حتى أصير فيه طويل النفس ثم أهجره إلى عالم السرد الرحيب، لكني أدركت بمرور الوقت أن القصة فن عصي على التجاهل، فإلحاحه علي وجداني وعقلي لم ينقطع، ووجدت نفسي أمضي في كتابة القصة على التوازي مع الرواية، ثم أحاول التنويع في إبداع القصص، فمن مجموعة تحوي قصصًا مختلفة في حجمها وموضوعاتها وعوالمها وأماكنها وشخوصها، كما جاء في مجموعتي الأولى ” عرب العطيات ” إلى أخرى تدور حول موضوع واحد وهو عالم ذو الاحتياجات الخاصة مثل مجموعتي الثانية ” أحلام منسية “، إلى الدخول إلى قصص هي عبارة عن حكايات متوالية، متصلة ومنفصلة في آن، مثل ” حكايات الحب الأول ” لأذهب بعدها إلى القصة القصيرة جدًّا في ” عطر الليل “، لأعود في ” أخت روحي ” إلى العالم المتنوع المتفاوت في حجمه بين قصة ومضة أو موقف أو مشهد وأخرى طويلة نسبيًّا، تبدو أشبه برواية تم ضغطها وتكثيفها وفق تقنيات فن القصة القصيرة، والآن شارفت على الانتهاء من نص مختلف يعرض سرديًّا الأدوات والآلات الزراعية والتي كانت موجودة في منازل القرى في زمن سابق، متوسلًا بفن القصة القصيرة.

** كلما سئل كاتب عن أقرب كتبه إليه أجاب بأنهم كلهم أولاده..هل لديك إجابة مغايرة عن سؤالي هذا؟

* لن تختلف إجابتي بالطبع، فكلهم أولادي، بل إنني أقول عن الكتب الفكرية والثقافية والنقدية إنها أولادي، وعن الروايات والقصص إنها بناتي.وقد يكون دافعي لهذا أنني ممن يقرون بأن البنات أقرب إلى نفس والدهم، وأحن عليه، وبذا لا أكون متناقضًا مع نفسي حين كنت أقول دومًا إن الأدب هو خياري الأول، فأول ما نشرت كانت قصة، وأول جائزة فزت بها كانت في قصة، وأول مال يدخل إلى جيبي من الكتابة كان من قصة، وأول إبداع لي كان الشعر، ولو أن الأدب يمكنني من الإنفاق على أسرتي ما كتبت غيره.وبين أولادي وبناتي، وكما يجري في الواقع إن لم يكن بوسعي أن أفرق في حبهم، فإن الحكمة والعدالة تقتضي أن أرتبهم حسب أهميتهم لي، ونفعهم للحياة.وهنا لا أستطيع أن أساوي بين كتب مثل ” النص والسلطة والمجتمع: القيم السياسية في الرواية العربية ” و” التغيير الآمن: المقاومة السلمية من التذمر إلى الثورة ” و” التنشئة السياسية للطرق الصوفية في مصر ” و” الخيال السياسي ” و” المجتمع العميق ” وبين كتب أخرى، بعضها عالج قضايا فقدت بريقها، وتناول أحداثًا سياسية صارت تاريخًا.وفي الأدب أرى، ويشاطرني نقاد كثيرون في هذا أن روياتي ” جبل الطير ” و” شجرة العابد ” و” بيت السناري ” تتقدم درجة على غيرها.

**آخر كتبك هو ” جامعات وجوامع: جدل التعليم الديني والمدني “، فما الذي دفعك إلى أن تكتب في هذا المجال؟

* أرفع دوما شعار “ التعليم ثم التعليم “، فكل خطوة على دربه بألف خطوة في طريق التنمية الشاملة.أؤمن بأن المعاني يجب أن تكون قبل المباني، أو على الأقل معها، والبشر من الضروري أن يكونوا قبل الحجر، دائمًا وأبدًا.وحين أتحدث عن التعليم لا أقصد بالطبع هذا النوع السائد في العالم العربي الآن، إنما تعليم يحض على النقد والإبداع، ويتقدم ليقضي على كافة أشكال الأميات الموجودة في حياتنا، الأبجدية والثقافية والمنهجية والسياسية والإلكترونية. ويتعدى اللافتات التقليدية التي تقول ” تعلم لتعمل ” وهي تجعل التعليم مجرد وسيلة لإنتاج موظفين، إلى تعلم لتتعايش، وتعلم لتتحضر، وتعلم لتتقدم.كما أن التعليم الذي أطالب به، لا يقف عند حد تطوير المناهج والمضامين إنما أيضًا الوسائل التعليمية نفسها.

* أخيرًا..هل لعمار علي حسن أن يحدثنا عن كواليس كتابته لسيرته الذاتية التي صدرت منذ عامين تقريبًا..وما دافعك لكتابتها؟ وهل حققت الصدى الذي كنت تنتظره؟

هذه هي أول مرة أتحدث فيها عن حقيقة الخلفيات التي كانت وراء كتابة سيرتي الذاتية، وهي ستجيب عن سؤال آخر في ركاب سؤالك هو: لماذا كتبت سيرتك وأنت في الخمسين من عمرك؟ في الحقيقة إنني واجهت رد فعل قاس حيال موقفي السياسي في السنوات الأخيرة، وفوجئت ذات مرة بحملة صحفية ضدي تصفني بأنني ” الأديب المغترب ” و” المفكر الافتراضي ” و” عالم الاجتماع الجاهل بمجتمعه “، وبدا لي أن مصدر هذا الهجوم كانا واحدًا.وقتها تذكرت ما جرى لطه حسين حين كتب سيرته ” الأيام ” وهو دون الأربعين من عمره ردًّا على حملة وصفته بالتغريبي الذي نسي أصله، ومنفذًّا نصيحة عبد الخالق ثروت باشا الذي قال له: ” عليك أن تعرفهم من أنت “.ولأن التشبه بالرجال فلاح، فقد وجدت أن من واجبي أن أبين زيف هذه الدعايات والأوصاف، حيث سيظهر للناس من سيرتي، التي قابلتها مختلف الأوساط الأدبية والفكرية والاجتماعية بترحاب شديد، أن صاحبها نبت من طين أرض مصر، وكابد في حياته، وقطع الطريق خطوة خطوة فوق جمر وأشواك. 

 عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم