ميرال الطحاوى: لا توجد كتابة حقيقية بلا تمرد على الإرث الثابت

ميرال الطحاوي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

حاورتها: أسماء سعد
كتابات يسيطر عليها روح التمرد على السائد، وكسر القوالب النمطية، سواء فى بناء العمل أو الرسم الدقيق لشخصياته وأبطاله، هكذا تجسد الكاتبة الروائية ميرال الطحاوى نصوص أعمالها، والتى تتناول فيها مجموعة من القضايا شديدة الجدية، تعلق على الدوام بأحوال المهاجرين واللاجئين واقتحام عوالم مغايرة كعالم البدو.
تعتمد ميرال الطحاوى على مجموعة من التقنيات المميزة فى السرد، وإعمال الحبكات المبهرة، حيث كشفت فى حوار مع الشروق سر لجوئها لذلك، وكيفية دخولها عالم الكتابة والأدب، وبحثها عن التوازن المفقود بين مجالات عملها الأكاديمى وشغفها الأدبى.

> فى روايتكِ الأخيرة عبرتِ عن صورة مغايرة للهجرة إلى أمريكا.. هل يمكن أن تحدثينا عن ذلك؟
ــ سافرت إلى أمريكا كباحثة بعد الحصول على منحة دراسية فى جامعة نيويورك وبعد انتهاء مدة الابتعاث بدأت فى البحث عن وظيفة جامعية، تنقلت فى تلك الرحلة التى امتدت لتصبح خمسة عشر عاما بين جامعات صغيرة وكبيرة، تنقلت فيها بين ولايات متعددة من الشرق للغرب ومن الشمال للجنوب، بالطبع تعرفت فى هذه الرحلة على الوجه الحقيقى لتلك الأرض، تعرفت على جاليات صومالية وسودانية وعراقية وسورية وفلسطينية، على عالم الشتات العربى والأفريقى، على الهامش الذى يعرفه كل مغترب.
بطبيعة الحال كان هناك أسئلة كثيرة عن ما تخيلته عن أرض الأحلام، أرض المهجر وصورها الرومانتيكية فى مخيلة المهاجرين، وبين الواقع الذى يعيشه اللاجئ، أو تعيشه الجماعة الإنسانية التى تحاول التأقلم والعيش وخلق واقع موازٍ، لم تكن الصورة جميلة كما عبرت الرواية، إنها محاولة مستمرة للنجاة قد لا تكتب لها النجاح، صورة قاتمة كما كتب الكثيرون عن الرواية، صادمة، لكنها حقيقية إلى حد بعيد.

> ما سر استخدامكِ لبعض المفردات التى قد تكون جريئة نوعا ما.. وارتباط ذلك بطابع الرواية الذى يغلب عليه «القهر والبؤس والتمرد»؟
ــ اللغة التى كتبت بها الرواية كانت أحد التحديات التى واجهتها أثناء الكتابة، فالعالم الروائى الموصوف عالم المهمشين وهو عالم كون لغته بشكل عشوائى فهى خليط من الإنجليزية الركيكة والعربية الفجة لا أعتقد أن تهذيب تلك اللغة كان مفيدا أو ممكنا، لأنها لغة تكونت من طبيعة هذا العالم بكل فجاجته وقسوته.

> لمسنا خلال الرواية تناقضا فى مسميات الأشخاص مع واقعها؟ هل قصدتِ ذلك؟ ــ وما هو سبب اختيار عنوان ملفت وجميل للتعبير عن رواية تتضمن بؤسا وشقاءً المهاجرين؟
ــ نعم عملت كثيرا على لعبة المفارقة أو السخرية والتهكم باستخدام المفارقة اللغوية.. وشكل العنوان أيضا مشكلة بالنسبة لى، فقد كان اسم القرية أو البلدة فى الرواية هو «الشمس المشرقة»، وهو اسم لبلدة أو تجمع سكانى فى مكان حدودى شاطئى يتسلل من خلاله المهاجرين غير الشرعيين، والرواية تصف أيام تلك البلدة ووقائع الحياة فيها، سكانها وأحوالها ويومياتها، كان هذا العنوان مؤقتا.
حينما قررت نشر الرواية بحثت عن عنوان يصلح للنشر لكن النتيجة كانت تعود بى للعنوان الأول. الشمس المشرقة، لأن الرواية تصنع تلك المفارقة، وتحرص عليها، شرق يقع فى غرب العالم، وشمس حارقة فى أرض جليدية.

> تملكين القدرة على إضفاء «خصوصية» على القضايا التى تتناولينها.. كعالم المهاجرين أو البدو، كيف تحرصين على انتقاء تلك القضايا؟
ــ أنا من هذا النوع من الكتابة الذى يكتب عما يعرفه ويخبره، بمعنى أننى لم أنسجم أبدا مع «الكتابة الرائجة» التى تستهدف الانتشار فقط، فالكتابة هى عمل ذهنى، بإمكان الكاتب أن يخطط ويرسم موضوعه، وهى أفكار تدشنها المدارس الأمريكية فى تعليم الكتابة، وساهم فى انتشارها كتاب البيست سيلر ونجوم الكتابة الذين يركزون على الأفكار التى تحقق النجاح والأرباح وتهم القارئ أو تتسق مع اهتماماته، فى الحقيقة أنا لا أنسجم مع تلك الطريقة التى أثبتت نجاحها.
ما زلت أعتقد أن التجربة الروائية شديدة التقاطع مع تجربة الكاتب الذاتية، لا يعنى ذلك أن الكتابة لابد أن تكون ذاتية، لكنها بشكل ما لابد أن تعبر عن قضايا وتجارب تلك الذات الكاتبة. كتبت عن عوالمى وعن خبراتى وعن تلك الذات وأسئلتها الكبرى وأعتقد أن الأسئلة التى تطرحها الكتابة هى أسئلتى.

> ما هو الدور الذى أضفته الهجرة والترحال بالنسبة لإبداعات لميرال الطحاوى؟
ــ الخبرة بالطبع، لا يعنى ذلك أن الخبرة لا تحقق سوى بالترحال، لكن الابتعاد يعطيك تلك المسافة لترى الأشياء من بعيد، تراها من مسافة تسمح بالتأمل، تأمل التجارب الأدبية الجديدة، تأمل ذاتك، مراجعة كل ثوابت الحياة، الأصدقاء الحقيقيون، العلاقات الإنسانية الكثيرة، بالطبع تتوسع علاقتك بالكتابة والنشر، إنها خبرة قاسية لكنها منضجة أيضا، فقدت خلالها الكثير من الاحلام والأصدقاء والمشاريع، فقدت أيضا مكانى فى خارطة الكتابة، لكن ذلك لم يؤلمنى لأن الوجود الحقيقى ينبغى أن يكون للكتابة الجيدة، وليس لصخب الوجود الفيزيقى فى ملاعب النشر والتوزيع.

> لماذا تميلين إلى التعبير عن أشكال عديدة من التمرد فى رواياتك؟
ــ لقد كتبت رسالة الماجستير عن «التمرد والاغتراب فى الكتابة العربية»، وتلك مفارقة لكن معظم اهتماماتى حتى فى الكتابة النقدية عادة ما ترتبط بما يشغلنى، التمرد بالطبع والاحتجاج كان يرافق كتاباتى الأولى خاصة فى الخباء والباذنجانة الزرقاء، أعتقد أن التمرد هو حلقة من حلقات الاغتراب، لا توجد كتابة حقيقية بلا تمرد على الإرث الثابت، على المجتمع ومحرماته، على الذات أيضا.
هذا هو محور دراستى التى أعمل عليها، عن تطور بلاغة الاحتجاج بالجسد فى الكتابة الأنثوية فى التسعينيات، والكيفية التى تمردت بها تلك الكتابة عبر تحدى المجتمع ومحرماته، فى تلك الدراسة دراستى أركز على علاقة كتابة البنات فى التسعينيات بالأجيال السابقة، ومدى اختلافها أو تجاوزها لما سبقها من تراث نسائى مكتوب، وهل شكلت التجربة الجديدة منقطعة الجذور بما قبلها ملمحًا.
لأدرس تجربة كتابة المرأة فى التسعينيات باعتبارها فى مجملها تمثل تمردًا على الكتابة السابقة، كما أنها تمثل انعكاسا لواقع اجتماعى وحضارى مختلف، أم كانت امتدادا لما سبقها؟ خاصة أن إعلان الانقطاع الجذرى عن تجربة الأجيال السابقة من الكاتبات هو موقف صرح به ممثلو الجيل الجديد بثقة ويدافعون عنه باستماتة، بل كان إعلانهم عن هذا الاختلاف يتطور أحيانا إلى معارك كلامية وتصريحات يعبّر فيها ممثلو هذا الجيل الجديد عن خصوصية تجربتهم، نافين تأثرهم الفنى بما قبلهم.
وقد جاهرت الكثيرات من كاتبات التسعينيات بأنهن لا ينتمين بشكل أدبى إلى التجارب النسائية السابقة ولا يرَين أنفسهن امتدادًا لأى جيل، وكثيرا ما صرحن بأن كتاباتهن إبداع إنسانى ينبع من الذات، ويتمركز حول الذات ولا يلقى اهتماما للقضايا النسوية، لكن هذا التمرد فى حد ذاته كان أصيلا فى الفكر النسوى.

> وماذا عن بدايات دخولك لعالم الكتابة والأدب؟
ــ نشرت أولى رواياتى «الخباء» فى دار شرقيات سنة ١٩٩٦، ترافق ذلك مع صعود وظهور ما يسمى بجيل التسعينيات وهو الجيل الذى قدم تجربة مختلفة ومتعددة الأصوات، الخباء ظلت مرتبطة بتجربتى لأنها قدمت عالما روائيا مختلفا، لا أسميه عالم البدو أو الهامش لكنه كان يعبر عن ثقافة غير موجودة على خارطة الكتابة.
رافقنى فى التعبير عن هذا العالم فى ذلك التوقيت، الصديق الروائى حمدى أبو جليل، كان معظم كتاب جيل التسعينيات من الكاتبات وشهدت تلك الفترة ازدهارا أو طفرة كبيرة مما جعل بعض الكتاب يطلقون عليها «كتابة البنات»، لقد بدا واضحًا أن هذه الكتابة الجديدة تمعن فى جرأتها وتتحدى هذا المجتمع من خلال نصوص شبه ذاتية، كاشفة، عارية، صريحة، قادرة على تصوير المشاعر الأنثوية المتعلقة بالجسد واحتياجاته العاطفية والجنسية بلا مواربة لغوية أو حيل أسلوبية، وهذا الموضوع هو محور دراستى التى اعكف عليها لرصد علاقة الكتابة الذاتية بالتمرد.
لقد دخلت عالم الأدب ككاتبة وباحثة أدرس الأدب العربى، وما زلت حتى اليوم أحاول خلق التوازن المفقود بين عملى كأستاذة جامعية أدرس الأدب العربى الحديث فى جامعة أريزونا الأمريكية وبين هويتى ككاتبة ومنتجة للأدب.

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم