سيرة الاختباء (32)

ممدوح رزق
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

ممدوح رزق

لدي حاوية محظورين كبيرة على فيسبوك.. تعددت الأسباب التي دفعتني لإلقاء كل منهم داخلها وإغلاق غطائها عليه (ربما سأكتب عن تلك الأسباب بالتفصيل فيما بعد)، لكنهم مع ذلك يمتلكون فضيلتين لا تتوفران في شخصيات أخرى: المصير المحسوم، حتى لو تحوّل في أحيان نادرة إلى وجود مؤقت (ولشرح هذه الفضيلة كتابة محتملة أيضًا)، والاختفاء وإن لم يكن كاملًا نتيجة عوامل لا يمكن السيطرة عليها.

لدي مخطط ساخر تجاه المحظورين المقيمين في هذه الحاوية، ولأنه لم يأت موعد تنفيذه بعد؛ فإنهم يخطرون على ذهني في بعض الأوقات بطريقة سيئة.. أفكر في ما يمكن أن يكتبوه عني على صفحاتهم دون أن أعرف (استعراضات القهر الباعثة على الاستهزاء والشفقة).. في كيف يمكن أن يمر ما قد يكتبونه عني دون أن أدهس وجوههم بشكل فوري.. هل أريد أن أعرف؟ (يسهل عليّ ذلك دون شك).. طبعًا لا.. لماذا أفكر إذن بهذه الطريقة؟

هل لاهتزاز الثقة (المنطقي) في أن أظل حيًا حتي يأتي موعد تنفيذ المخطط الساخر؟ (أعمل الآن على معالجة تلك المعضلة في روايتي “وصية كلنكسر”).. هل لأنني محكوم بطبيعة لا تريد أن تسمح لأحد بأن يُفصح عن عداء ما تجاهي ولو في أدنى مستويات التجسّد؟.. هل لأن “الإختباء” يشترط ذلك الإخضاع حيث لا يمكن لمخبأك أن يصبح فردوسًا حقيقيًا إلا حينما تصفّي جميع حساباتك خارجه؟.. هل كل ما كتبته يطالبك دائمًا بذلك (كانتزاع بديهي لنوع من التعويضات “الثقافية” العادلة)؟.. هل تؤمن بأنه يتحتم عليك الاستجابة لهذا الإلحاح الذي لا يخمد؟

لا يتوقف الموت عن التحقق حتى عند تأتي اللحظة الملائمة لتنفيذ مخطط ما.. لا يتوقف إدراك العداوات عن التصاعد مهما ساد الصمت من حولك.. الصمت نفسه ـ الذي تكافح لإبقاء عزلتك في حمايته ـ هو الموطن الماكر للعداء.. أنت خاضع كلما أخضعت ـ أي كلما شعرت بنجاحك في ذلك ـ حيث لا حسابات تُصفّى، ولا مخبأ يتخلى عن كونه جحيمًا.. الكتابة التي تطالبك بتعويضها العادل هي سر وعيك بالموت المطلق والعداء المحصّن والجحيم المتجذر داخلك من قبل أن يتمثل في حجرة صغيرة، منزوية ومغلقة.. هي سر وعيك بأن التعويض العادل خرافة استعبادية.. فإذا كانت استجاباتك حتمية لإلحاحها بالانتقام؛ فإن الكتابة ذاتها هي جنية الأحلام التي تتواطأ مع كينونتك الغائبة على تفكيكه.

مقالات من نفس القسم