د.أحمد يوسف
سامح محجوب صوت متميز يكتب الشعر مثلما يستقبل أفراح الحياة وأوجاعها وألغازها. تشغله أسئلة الوجود، وهي أسئلة أزلية لا تجد لها إجابة قاطعة وتجد لها إجابة تولد من رحم الواقع الممتزج بالتاريخ وبتجارب كبار المتسائلين أمثال أمرئ القيس وأبي نواس وابن الفارض والخيام. ورؤية محجوب رؤية لا قرار لها ولا جواب لأنها في عالم من التحول والصيرورة عمادها القلق الوجودي وتجلياتها الشعر الذي يكتبه ونشره (لا شيء يساوي حزن النهر. الحفر بيد واحدة. مجاز الماء. يفسر للريح أسفارها الذي صدر في الأردن) ومجاز الماء على الرغم من صغره ديوان ممثل لما قلناه في صدر حديثنا هذا.
صدر عن دار تويتة للنشر والتوزيع في العام 2015 بالقاهرة. به “13” لوحة من الشعر الذي يعتمد التشكيل الحر المنضبط بمقدار النبر والوقع قبل الإيقاع. ويسبق هذه اللوحات تصدير من ثلاثة أسطر شعرية هي بمثابة رسالة يتلقاها القارئ لتهيئته لما سوف يتلقاه من القصائد برؤاها وتعبيراتها وأخيلتها. ولا يمهل الشاعر القارئ غمضة عين. فمنذ الوهلة الأولى يشعر أن الحس الوجودي الخالص هو الحس المسيطر على رؤية الشاعر وعلى تعبيراته الشعرية. وقد أدى هذا الحس الوجودي إلى تحميل لغة الشعر حمولة فكرية تلتبس بلباس الشعر الذي يشير إلى أن الشعر وعي، وأن المتعة هي متعة الوعي لا متعة التطريب أو الإيهام. وهذا اللون من الكتابة غير ذائع ولا شائع لأنه قائم على إقصاء الوسيط بين النص والواقع.
فمنذ النص التصديري الذي يعلن صراحة كراهية الرماديين الذين لا موقف لهم ولا لون باسم الحياد ليؤكد ضرورة إعلان الانحياز وضرورة أن الاختيار هو السبيل الوحيد لتحقيق الوجود، إلى آخر قصائد الديوان وهي “شهقة وينزل المطر” لا يغيب الحس الوجودي والرؤية الوجودية. ولا يغيب الوعي بمرارة أن نحيا وكيف نحيا ويبدأ الديوان بقصيدة ” أكتب كي أهزم موتي” 7-17
أكتب كي أهزم موتي
أكتب كي أتحرر من عقدي
كي أترك فوق شفاه النهر
سؤالا إشكاليا
لنبي يأتي من بعدي
وهي أشبه ببيان شعري عن جدوى الكتابة ورسالة الشاعر والكاتب إلى العالم وتعد إعلانا عن موقف أيديولوجي خالص. ثم قصيدة ” هذا تأويل العاشق” وقصيدة” شبق انفرادي” وهما تشكيل للرؤية الوجودية التي أشرنا إليها ودعوة لإشباع النهم الحسي الذي لايشبع ولا يرتوي. وقصائد” أنا وأنت آخر من يعلم” و”كمال النقص” و” شهقة وينزل المطر” مجموعة نصية ذات تساؤلات صعبة عن الوجود والإنسان. والقصيدة الأخيرة من هذه الثلاثية تبدأ بنص تصديري:” أيها الناقصون المطرودون… أيها الحالمون المخطئون… أيها الحيارى… أيها السكارى… أيها المنبوذون… أيها المنكسرون… أيها الضحايا… العالم لا يحتمل بدونكم” وتتكون من”36″ وحدة نصية بالغة القصر، كل وحدة مستقلة عن الأخرى والجامع بين هذه الوحدات هو الرؤية الكلية للوجود.
فشعر سامح في مجاز الماء دعوة لعودة الوعي بالشعر من جهة وبدوره من جهة أخرى
……………………….
* ناقد أدبي وأستاذ بآداب الزقازيق