فاطمة المرنيسي، امرأة على أجنحة الحلم

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

هاجر شعوط

 في الفاتح من ديسمبر2015، ونحن نستقبل الذكرى الأولى لرحيل الأديبة الفذة رضوى عاشور، كنا أيضا نستقبل بيومٍ واحد قبلها رحيل الباحثة والكاتبة وأيقونة في الحركة النسوية "فاطمة المرنيسي"، لقد رحلت تاركة خلفها خمسة عشر مؤلفًا يبحث، يفسر ويحلل أكاديميا ويقدم في الفكرة الأساسية التي نذرت لها: تحرير المرأة العربية في العالم الإسلامي حيث راحت تكتب منذ أول بحث لها في تاريخ ومؤسسات المقومات التي تعيشها المرأة في هذا الوسط، بداية من مجتمعها المصغر في المغرب.

ولدت المرنيسي بمدينة فاس المغربية عام 1940، حيث كانت تنتمي إلى عائلة غنية لأب متدين محافظ والتحقت ب المدرسة الوطنية  المناوئة للاستعمار الفرنسي أنذاك، ثم تابعت دراستها بباريس والولايات المتحدة الأمريكية في علم الاجتماع والعلوم السياسية لتعود كأستاذة محاضرة بجامعة الرباط.

 

"الحريم" الذي يوجه رسالة إلى الغرب.

لقد عُرفت المرنيسي بخط الحركة النسوية المختلف عن الحركة النسوية الأوروبية والتي كانت تقف فيه المرأة وحيدة، بينما –هُنا- يقف إلى جانبها رجالٌ مستنيرون  للظفر يدا بيد بحقوقها المسلوبة وإثبات وجودها في لائحة الحياة المتطلبة لوجود الجنسين معًا، حيث تتوافق المرنيسي مع هذه النظرة: "ليس لدينا مشكلة مع الرجل، نحن لسنا أعداء، نطالب بأن نكون  جنبا إلى جنب مع الرجل! لأننا نعيش في مجتمع تُهيمن عليه ثقافة الفصل بين الجنسين، الرجل يعيش في عالم، والمرأة تعيش في عالم آخر مختلف جداً".

تنوعت بحوث المرنيسي في جوانب عديدة لفكرة واحدة، المرأة في العالم العربي والإسلامي، ففي كتابها (هل أنتم محصنون ضد الحريم؟) تطرقت الباحثة لمصطلح "الحريم"، وقالت عنه: يجد العديد من الرجال في العالم الغربي في كلمة "الحريم" شيئا مسليا، تُطلق كلمة حريم العنان لخيالهم: "يبدأ الرجال بالحلم بالحفلات الخلاعية، بالنسبة لهم الحريم مكان الإثارة الجنسية، فالرجال محاطون  باستمرار بالنساء العاريات أو شبه العاريات، ويسود الصفاء والمتعة الأبدية، أيضاً النساء في الغرب يعتقدن بذلك"، هذا المصطلح الذي جاء من بيئتها الأولى في المغرب.

 تحدثت في "الجنس والايدلوجيا والإسلام" عن وضع المرأة في الإسلام، ووضعت دراسة مثيرة للاهتمام حول العلاقة بين الجنسين في المجتمعات ما قبل وما بعد الإسلام، واكتشفت أن الجنس  في الإسلام، خلافاً لما هو في المسيحية يُشكل قوة إيجابية، بينما ناقشت في كتابها "العالم ليس حريماً" الوضع المعيشي للمرأة في المغرب وفي بحثها "الحريم السياسي" كسرت المحرمات الاجتماعية، عندما أشارت إلى أن وضع المرأة الأكثر إشكالية في المجال السياسي والاجتماعي لم يتغير منذ تأسيس الإسلام.

في كتب أخرى أيضاً، كما هو الحال في دراستها التاريخية  "سلطانات منسيّات: نساء قائدات دولة في الإسلام" حيث كتبت حول مكانة المرأة وروت قصة حياة سلطانات الإسلام هذه في دلهي والقاهرة وصنعاء وغرناطة، وقدمت بذلك مساهمة حول سلطة النساء المعتم عليها في الدول الإسلامية.

لم يقتصر نقد فاطمة المرنيسي فقط للعالم الإسلامي، ولكنها انتقدت  أيضا موقف العالم الغربي حول المرأة في الإسلام. ففي كتابها "شهرزاد ترحل إلى الغرب "، أوضحت أن أفكار الثقافة الغربية عن الحريم ليس لها علاقة بالحريم الذي تعرفه ولا يوجد بينهما أي علاقة مشتركة، الحريم هو أي شيء ماعدا أن يكون ماخوراً، فهو ببساطة جزء من المنزل، الذي لا يسمح للرجال دخوله.

لقد كتبت في الرواية أيضا نساء على أجنحة الحلم، أحلام النساء الحريم.

 

الكتابة في حياة المرنيسي

إن الكتابة بالنسبة لفاطمة تُشكل أيضا الخلاص المبحوث عنه، وكذلك الإضاءة الخافتة التي تسطع تدريجيا في الطريق الطويل نحو الحرية وإثبات الذات، فتقول: " كان في الماضي محكوم على المرأة الشفوية، لم يكن لها الحق في التعليم ولا الحق في الكتابة"، وهذا ما أدركته في وقت مبكر، وأدركت أيضا أن الكتابة هي وسيلة عظيمة للمرأة من أجل التحرر من قيود المجتمع: "فقط مجرد أن تكتب، لديك صوت! السلطة - هذا هو المدلول الأساسي، عندما نتكلم عن الكتابة.

 

الجوائز والانجازات

لم تهتم المرنيسي بالبحث والكتابة فقط بل كانت ناشطة في المجتمع المدني من أجل المساواة وحقوق النساء، حيث أسست القوافل المدنية وجمع "نساء، عائلات، أطفال"، وقد حصلت عام 2003 على جائزة أمير أستورياس للأدب (أرفع الجوائز الأدبية بإسبانيا) مناصفة مع سوزان سونتاغ، وعام 2004 على جائزة "إراسموس" الهولندية إلى جانب المفكر السوري صادق جلال العظم والإيراني عبد الكريم سوروش، وكان محور الجائزة "الدين والحداثة".

 

بفقدان المرنيسي، فقد العالم العربي أيقونة من الرائدات اللواتي تمكن أكاديميا، من وضع أحوال المرأة العربية تحت المجهر منذ ما قبل الإسلام إلى اليوم، ودراستها نقديا وتشريحيا للوقوف على مسببات ونتائج الظروف التي وقفت حائلا أمام تقدمها

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كاتبة جزائرية

 

 

مقالات من نفس القسم