جاكلين سلام.. تدوير الحواس بالاستعارات وتعدد المعنى

جاكلين سلام
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

حميد الشامي

تنتمي الشاعرة السورية-الكندية: جاكلين سلام حنا إلى أفق شعري مواز ومختلف في الكتابة الشعرية الجديدة في العالم العربي.

وقد تعرفت على هذا الصوت المميز والاستثنائي من خلال متابعتي لنشاطها الملفت وحيزها كثير الجمال على صفحتها في الفيس بوك، هي التي تنشر باستمرار تفاصيل يوميات وتفاصيل اشتغالاتها الشعرية والصحفية وفي حقل الترجمة وتنقيب ونبش ذاكرتها السريانية التي تشدنا من أرواحنا صوب أمكنة وطقوس وبشر وحكايات.
صوت يتميز باحتمال صيرورته الفريدة والمميزة لحضوره حتى آخر نص أو جملة شعرية في عوالمه الكثيرة تلك المترعة بالجمال بكل تفاصيله، الجمال بوصفة أنثى وبوصفه حرية، بوصفة التفاصيل اليومية لأمكنة وجهات وأحلام وتجارب لا تنتهي.
فجاكلين المرأة الجميلة في واقعها الأنثوي الساحر هي ليلليت التي حبذت الحرية والتبلور في مجتمع أكثر انعتاقا وانفتاحا في وطنها الحاضن كندا، عوض الجحيم، هي نفسها جاكلين الشاعرة والمترجمة المثقلة بحكايات الأمكنة ودفء الحزن والأحلام في أزقة وشوارع وضيعات سوريا بلدها الأم
هذا الصوت يتأتى من اللعب الشغوف بالشعور لغويآ.. صوت يمتطي تجريدا شديد الفطنة وتكثيفا لغويا بارعا.. يسكن بواس المتلقي مثل المتداول واليومي..
وهذا شيء قل ما نجده في الكتابة الابداعية السريالية.. الحديثة او المعاصرة حيث يكون المعنى واللفظ غارقين في الغموض والدلالات البعيدة.. رغم ما بهذا النوع من الكتابة من جمال ومتعة.
تخلق جاكلين مساحة هادئة ومألوفة لتجربتها الشعرية من بين أصوات شعرية وأدبية كثيرة في عالمنا العربي.. وفي عالمها الأنثوي المترع الجمال والمناخات، الملهم للوحة وللنص الأدبي بتعدد اشكاله ونوعه او للصورة والفن بكل انزياحاهم.
وفي سيرة أخرى.. تكاد جاكلين أن تكون صوتا شعريا مقاربا لتلك الشعرية الفريدة التي تمتعت بها التجربة الشعرية المدهشة لرامبو..
حيث التجريد لا يحتمل الإغراق في الغموض والسريالية المنغلقة.. بقدر قدرته على خلق معنى “شعوري” اضافي للصورة الشعرية:
(لا يليقُ بالناياتِ أن تصيّرَ عُكّازاً
هاكَ ذراعي،
كِسرةَ قلبي
اعطني الأغنيةَ ترانيمَ السماء

لا يليقُ بسفنِ الروحِ أن تغرقَ في محيطٍ أَبْكم

الناياتُ لا تترمّلُ
واَصقُلُ صقيعَ دمي الغجريِّ
لعلهم
يستيقظون

نايٌ على ناي لا تضرِموا النارَ في الوردِ مجاناً
نايٌ على ناي وتفرُّ أَسرابُ الدُجى من وجدِ
نايٍ
يتشبثُ بخاصرةِ الريحِ أيّتها خذيني
لعلّ هناك جنةً و أَرفُلُ في الأبد

لا من فرحٍ توجَّسنا وحسب
ولا من حزن أَيْنعنا
ولا من موتٍ تواشَجنا
نايُك َ وأَصابعي وهذي الثقوب
عينايَ ذابلتان
منارة روحِكَ
ألن يهتديَ الطريق؟

ثقوبٌ في جرة القلب
ثقوب في خاصرةِ النايات
كفيفةٌ هذه المسافاتُ ما بيني وبينكَ يا أَخ الإنسان

يليقُ بالمكانسِ أن تحظى بقيلولةٍ إلى الجدار
تزفرُ الغبـار
واقفةً
ترقُبُنا 
نجد هنا توظيف الاستعارات وإن كانت متعددة الشعور واخضاعها لتوصيف المحسوس -الملموس بين الأصابع
واخراجه بقالب شبيه لكينونة الشاعر
تقول جاكلين في نص أخر مقارب:
(هام الوجه في الوجود
إلى أن
غفت على كتفي الحديقة
همست وردة في فمي: العطر وهج نساء يهربن إلى الغابات في الليل
ويتركن للصياد طعما،
رائحتهن!)
وهنا أيضا نلاحظ.. صدق وواقعية في “تجريد الشعور” ذاته..عندما يكتمل الوحيدون بتعددهم بنشوة باذخة
لا يشاركونها الا الشعر وحده.

جاكلين سلام الشاعرة والصحفية والمترجمة والفاعلة الثقافية، بتعدد علاقاتها الثقافية أو في الوسط الأدبي والصحفي العربي وتلك اللحظات التي تتشارك بها مع اصدقائها سيرة الحياة والجمال والاهتمامات المشتركة من بيتها الصغير “مشغلها وجاليري حواسها وعوالمها الساحرة” في كندا او من ذاكرتها المكتظة بالأمكنة والذكريات والاحزان والشخوص ومسائل الوجد والغرام وثيمات الذات والحرية وبهما حيوات لانهاية لدهشتها او حبور
الا انها تحبذ في الوحدة وتمديداتها.. استحضار الشعور ومعطياته.. اشد سحرا وادهاشا
في لغة شديدة التكثيف.. كالذات المنتجة لها تماما..
 لا تأكل أصابعي كلها..
عند المغيب أغسل قدميّ من ألوانكَ الكثيرة كي أكمل الطريق إلى الجبل.
أغمسهما بماء الورد وزيت البنفسج والماء نصف ساعة فيحلّ الأسى كماشته عن ساقي المولعتين بالرقص.
تنكسر أشعة المغيب المعدنية المتوهجة بين وجهي ووجهك المعلقين في سماء الرغبة وتغطس في وجوه وشطآن نائية.
تتجمد أصابعي في محيط أمنية تلفح روحك وعينيك.
أنتشلُ عن ساقي غابة من الأحلام الوعرة وأتخفف من حمولات ميتة.
يحررني لحن يستيقظ داخلاً وأمضي بعيداً كي أراكَ في ضوء آخر.
أقلّم الأظافر وأطليها بالأزرق فيما يداك المذهولتان بالضوء تنكسران كمجذافين قبل أن تصلا إلى شطآن جسد محتشد بالماء وبالأسماك.
أنت تقول: أحبّ أصابع قدميك سيدتي ولكن لماذا التلوين بالزرقة؟
تقول: حين وقعت عيناي على أصابعك المنهمكة بالبحر، أصبتُ بالسحر.
كانت بيننا يدٌ مترعة بالشِّعر وشال أخضر مرمي على شجرة الليمون وتلك الصنوبرات
لم نكن قد تبادلنا ما يكفي من الأصابع كي نحدد جهة الغرق والدوران
كانت الأسماك في رأسي تدغدغ الأطراف وتقرصها بغنج.

أنت تقول أنك تحب الأظافر المصبوغة بالأحمر. أذهب إلى أدراج الخزانة المصنوعة من شجرة جوز عتيقة لأجد الكثير من تدرجات الحلم والغياب الذي له لون الشفق ورائحة تحفر أخاديد في رحم الأرض.
كان الوقت مشققاً مثل علبة المناكير المدلوقة على أطراف الحرج
عيناك ترشحان شهوة زرقاء وجمرات
تسكبها فوق أقدام العابرات في محطات العمر،
وجائعاً إلى أصابعي تعود لتقتات على وهجها سمكة أخيرة
منذورة على مائدة الكون

جائع أنتَ
وأنا أيضاً

لا تأكل أصابعي كلها
وكيف لامرأة حين تصبح كفها بلا أصابع أن ترفع موجاً من روحها الخمرية لتغسل عنها وعنك كل هذا الضباب!
وهكذا تبعثر جاكلين وجودها المغمس في متواليات الجسد -الوحدة-الرغبة-الموجودات والمعرفة
في عوالم شعرية لامتناهية الحضور..سهلة المعنى حد البكاء او النظر في الأصابع وهي تنزف عصارة من نحل وازهار ودبيب متوالي لعوالم بالغة السحر حد ثمالة المتلقي وتحليقه ابعد من الكلمات والصور الشعرية المفتوحة على أفق التأويل والسيرورة كما لو كان هذا المتلقي نفسه وجاكلين يتشاركان قطاف التفاح والكرز والتوت البري في حقول أونتاريو
او يتنفسان الدهشة في طفولتهما وفي ذكرياتهما معا
قرب شلالات نياغارا..
…..
– جاكلين سلام حنا: شاعر ة ومترجمة وصحفية سورية-كندية، صدر لها ونشرت الكثير من الاعمال الادبية مابين الترجمة والشعر والقصة والنقد والفنون ومن اعمالها:
«خريف يذرف أوراق التوت»، نصوص نشرت الكترونياً عام 2001م، في شبكة الذاكرة الثقافية.
«كريستال»، مجموعة شعرية عن دار الكنوز الادبية، بيروت، عام 2002م.
«رقص مشتبه به»، مجموعة شعرية عن مؤسسة جذور الثقافية، توزيع الدار العربية للعلوم، بيروت نوفمبر 2005م.
«المحبرة أنثى»، مجموعة نصوص عن دار النهضة في بيروت، نوفمبر 2009م.
مجموعة شعرية هي الخامسة بعنوان: «جسد واحد وألف حافة» عن دار هماليل، دبي عام 2016م.
الطبعة الثالثة من مجموعة «خريف يذرف أوراق التوت»، عن سلسلة ابداعات طريق الحرير عام 2021م، أما الطبعة الثانية فصدرت ورقياً في كندا عام 2015م.
– نالت جاكلين الكثير من الجوائز والتكريمات من ذلك: حصلت على منحة إقامة في «مركز كتّاب تورنتو» لمدة ثلاثة أشهر خريف 2006م.
حصلت على درع تقدير وتكريم في كندا من قبل «بيت النساء المضطهدات» عام 2009م.
حصلت على جائزة لاختيارها عام 2013م لتكون شخصية العام في حقل الابداع الأدبي في تورينتو.

مقالات من نفس القسم