تأثيرنا امتد لكل شىء.. حتى للشعراء الكبار!

كمال أبو النور
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

كمال أبو النور

هناك نقاد يربطون بين ظهور جيل التسعينيات، شعراء قصيدة النثر فى مصر، وبين حرب الخليج الثانية، وأرى أن هذا غير صحيح إطلاقاً، فهؤلاء الشعراء لم يكونوا منشغلين تماماً بالقضايا القومية التى كانت تشغل سابقيهم، لكنهم انشغلوا، ولا يزالون، بالسرديات الإنسانية، أعنى الموت، والحياة، والعدالة، والحق، والخير، والجمال.

لقد كرَّسوا أنفسهم لتلك الأفكار وطوَّروا فى شكل القصيدة، وخلقوا آليات جديدة فى الكتابة، تواكب رؤاهم، وعليكم أن تأملوا جيداً أعمال أهم شعراء قصيدة النثر فى العالم العربى منذ الستينيات مثل عباس بيضون، ووديع سعادة، وسركون بولس، وأمجد ناصر، وصلاح فائق، وسليم بركات، وبول شاؤول، وبسام حجار.. إلخ، واسألوا أنفسكم هل كانوا منشغلين بالقضايا القومية؟! من أعمال هؤلاء بدا أن هناك لغة جديدة تتشكَّل، وبلاغة مغايرة على مستوى الصورة والمجاز تناسب الشكل الذى انحازوا إليه، لقد بدأوا هذا فى نهاية الثمانينيات، وأكملوا مشروعهم فى السنوات الأولى من التسعينيات، ومع كل هذا الرفض لهم فى البداية إلا أنهم أثروا تأثيراً كبيراً فى أبناء الأجيال السابقة عليهم من بعض جيل السبعينيات مثل، جمال القصاص، وأمجد ريان، ورفعت سلام، ومحمد عيد إبراهيم، وأحمد طه. تأملوا جيداً كتابات هؤلاء الشعراء قبل ظهور جيل التسعينيات وبعد ظهوره، وكذلك أبناء جيل الثمانينيات مثل فتحى عبدالسميع، وأسامة حداد، ومحمود قرنى، وإبراهيم داود، وعلى منصور، وياسر الزيات، وعاطف عبدالعزيز، ومحمد حربى، وإبراهيم المصرى، وإبراهيم البجلاتى.. إلخ.

أما الشاعر فتحى عبدالله فهو يمثِّل حكاية بمفرده. كان محموماً بقصيدة النثر، وحينما قرأ لى قصيدة فى مجلة «الشعر» عنوانها «عربة الروبابيكيا»، والتقى معى، بعد عودته من العراق، شجَّعنى كثيراً. لقد كان مشغولاً بقصيدة النثر قبل ظهور جيلنا، وطلب منى أن يلتقى بكل الشباب ممن يكتبون قصيدة النثر، وتحدثت مع أحمد يمانى، ومحمد متولى، وتقابلنا، فكانت سعادته غامرة بنا، ثم بعد ذلك التقى مع الكثيرين من هذا الجيل كياسر عبداللطيف، وهدى حسين، وإيمان مرسال، وأعتقد أنه تحدَّث عنا مع شعراء جيله، ودارت بينهم حوارات كثيرة، وأفكار حول قصيدة النثر، فكان هذا دافعاً للكثير منهم لتغيير مساره فى الكتابة، وجيلنا يعترف بفضل هذا الشاعر علينا، وتشجيعه لنا، والوقوف فى ظهورنا.

لقد أصبح معظم شعراء جيل الثمانينيات من كبار الشعراء فى قصيدة النثر المصرية، ثم ظهرت الأجيال اللاحقة وانحاز أبناؤها أيضاً إلى هذه القصيدة، وأصبحوا من كتَّابها. ومن شعراء جيل التسعينيات الرواد أحمد يمانى، ومحمد متولى، وعصام أبو زيد، وياسر عبداللطيف وكريم عبدالسلام، وعماد أبو صالح، وعلاء خالد، وعماد فؤاد، ومهاب نصر، ومحمود خير الله، وأسامة الدناصورى، وعزمى عبدالوهاب، وهدى حسين، وإيمان مرسال، وعلية عبدالسلام، ونجاة على، وفاطمة قنديل.. والسؤال المهم هنا، هل ظل هؤلاء الشعراء يكتبون بنفس الطريقة منذ بدأوا؟! وهل اكتفوا بنفس الشكل، ونفس الموضوعات، ونفس الآليات؟! وهل توقفوا عن الكتابة وجفت أنهارهم؟!

الحقيقة أن واحداً أو اثنين لم تصدر لهم أعمال شعرية منذ فترة طويلة، واثنين انتقلا إلى رحمة الله، والباقون ما يزالون مستمرين، وما يزالون يبحثون ويطورون فى كتاباتهم، والدليل أن معظمهم أصدروا أعمالاً شعرية جديدة، وعلى وشك إصدار أعمال أخرى قريباً، وأنا أعرف ذلك بحكم علاقتى بهم، وأنت حينما تتحدث إلى أحدهم، تجد أنه لا يزال لديه الكثير فى جعبته من الشعر، وكثير منهم حصل على اعترافات عربية ودولية، وهذا يرجع إلى أن قصيدة النثر دائماً ما تجدد نفسها على كل المستويات، فهذا يناسب طبيعتها، لدرجة أنك تجد الشاعر الواحد ينقلب على نفسه من كتاب لآخر، وبالتالى فهؤلاء الشعراء صنعوا فى مصر مشروعاً كبيراً فى كتابة القصيدة، وهذا المشروع أصبح هو المتن فى الحياة الثقافية، وما يميز التركيبة النفسية لهؤلاء الشعراء أنهم غير متناحرين، وغير مشغولين بمعارك لا تمت بصلة للكتابة، وهم منفتحون على الشعر العربى والعالمى، ولهم حضور بارز فى هذين العالمين، ويحتفون بأى شاعر شاب أو شاعرة جديدة، لأنهم يعرفون أن الأجيال الجديدة ستبنى على ما قدموه لكى يستمر هذا المشروع فى التنامى والتطور، ويفرز أجيالاً أخرى تضع لبنات جديدة فى هذا البناء الشاهق الذى لا يتوقف عن تطوير نفسه.

ولكن هل متاح الآن الاطلاع على ما يكتبه هؤلاء الشعراء فى ظل الارتفاع الملفت فى أسعار الكتب؟ هل استطاع الجميع قراءة ديوان محمود خير الله الجديد الذى بلغ ثمنه أكثر من مائة جنيه، وديوان أحمد يمانى الذى صدر منذ حوالى عامين وديوان عماد فؤاد الأخير؟.. إلخ، لكى نسأل هل ما زالوا فاعلين فى الساحة الثقافية؟ بالطبع لا، لقد نشروا أعمالهم خارج المؤسسة الرسمية للدولة، كى لا ينتظروا طويلاً، ولكى تظهر تلك الدواوين بالطريقة التى يبغونها، من غلاف إلى نوعية ورق، إلى شكل توزيع النص على الصفحة، ولذلك سنجد عدداً محدوداً من الناس هم من اطلعوا على أعمالهم وصاروا عارفين بتجاربهم.

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم