عالم حسين عبد العليم والبطولة المطلقة لسعدية عبد الحكم وآخرون

رضوى أسامة
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

رضوى أسامة

من الصعب الكتابة عن حسين عبد العليم، أتوقف كثيرا لأمسح كل ما كتبت وأقررالاعتذار عن المشاركة فى هذا الملف، لكن روحه تدفعنى بقوة للكتابة، فما يقوم بتقديمه كتابة من نوع خاص سهلة ممتنعة، تلك الكتابة التى تقرأها فتشعر ببساطة وسحر لا يقاوم ينساب داخلك فتشعر بالرغبة فى كتابة مماثلة فتعجز لأن الأمر ليس بهذه السهولة.

حين عرفت حسين عبد العليم  كنت على أعتاب المراهقة. طفلة تذهب مع أبيها الكاتب لمقابلة أصقائه المبهرين المختلفين عن عالم المدرسة وعالم أمى، أبطال حقيقيون أقابلهم فى المساءات مع أبى.

كان حسين عبد العليم بالنسبة لى أهم هؤلاء الابطال، حين يخبرنى أبى أخر المساء أننا سنذهب لمكتبه فى بولاق الدكرور كنت أطير فرحا وأعرف أننى سأقضى ليلة ساحرة بين أبطاله وحكاياته التى لا تنتهى وسخريته الممتعة.

عالمه الذى يمنح فيه البطولة للمهمشين كان يبهرنى ويحمسنى للكتابة، ما زلت أذكر قصة لى كتبتها بعنوان “فتاة الطالبية” كانت محاكاة لما يقدمه، المجد للمهمشين، تلك الرؤيا التى شكلت اختياراتى فيما بعد ودفعتنى للعمل لسنوات مع المهمشين ليتحولوا لأبطال كما فى روايات حسين عبد العليم.

ظللت لسنوات أبحث فى الواقع عن سحر عالمه عن ذلك الجنون والبساطة التى كانت تميز خياراته فى الحياة.  ربما أن تعيش متعة اليوم بكامل قلبك وتخلص لها حتى تخلص لك أكثر مبادئه اتساقا مع كتابته التى كان مخلصا لها بشدة.

الكل يملك عالما سحريا عليه أن يكتشفه وعندما يصل لهذا الكشف ستتدفق قصصا ترى العالم فيها بلون آخر والحلم برائحة آخرى تجعلك تقاوم مرارة الواقع  فتصبح بطلا.

فى ليلة من تلك الليالى الساحرة التى كنت أقضيها مع أبى فى مكتبه قررت أن يصبح لدى قصصى الخاصة الحقيقية مع المهمشين وظللت ابحث فى الصباح  عن مكان يخصنى فى شوراع الحسين يملكه أحدهم الذى لابد وأن يشبه أبطال حسين عبد العليم ووجدت “نصبة شاى وقهوة ” وجلست على الدكة الخشبية الوحيدة أنا ومريم ابنة حسين عبد العليم نشكل تاريخا موازىا ونتحدث عن أحلامنا واحباطاتنا. فتاتان لم تتجاوز أكبرهما الثامنة عشر كانتا تحلمان بعالم يخلصان فيه للمتعة والفرح كما علمهما الكبار وكما وعدوهما فى كتابتهم.

ظل حسين عبد العليم يقاوم مرارة الايام بالكتابة عنها بسحرية خالصة ومودة حقيقية وايمان قوى.

الإيمان بأن المتعة تنبت من سحر المعاناة، من تحويل تلك المعاناة الى كتابة تتدفق بسلاسه.

هناك تشابه بين العوالم المختلفة لرواياته رغم اختلاف الشخصيات والاحداث، ” ففصول من سيرة التراب والنمل ” تختلف فى شخصياتها عن ” المواطن ويصا عبد النور” و”سعدية وعبد الحكم وآخرون” و”رائحة النعناع “و”بازل” و”موزايك” وغيرها من أعماله.

لكن هناك خطا مشتركا بين كل هؤلاء وهو سحر اللحظة الحالية والمتعة المتسربة من قلب أوجاع كل هؤلاء.

سافرت منذ سنوات إلى الفيوم لأبحث عن ذلك السحر الذى تحدث عنه فى أعماله لكنى لم أجد شيئا ولم أحبها فأدركت أن حسين عبد العليم ضحك علىّ وأن العالم ليس بهذا السحر وأن الواقع قاسي وأننى لن أصل لتلك المتعة بسهولة وعلى أن أسكب المزيد من الألم والوعى بالذات ليفتح لى العالم أبواب متعته.

حين رأيته منذ سنوات عند محكمة الجيزة بالصدفة بعد انقطاع طويل ظللت أبكى، كنا فى صيفية حارة وكنت حامل فى الشهور الاخيرة فى طفلتى الاولى وبطنى كبيرة ومنتفخة.

لا أعرف لماذا شعرت فى تلك اللحظة اننى أشبه أبطال حسين عبد العليم، ورغبت فى البكاء وانتابتنى نوبة خوف لكننى شعرت بالأمان حين خطر فى بالى أن يحولنى فى كتابته لاحد هؤلاء الابطال وأننى وقتها لن أبدو منتفخة وبائسة بهذا الشكل سأصبح أكثر سعادة ورضا.

المرة الأخيرة كانت روحه تسيطر على المكان فى العزاء بوسط البلد، شعرت بأهمية الحضور رغم بعد المسافة، كان العزاء يشبهه جدا، بسيطا ومبهجا وموجعا.

عمو حسين أنت علمتنى كيف ينبت الفرح من وجع المعاناة، كيف نصبح أبطالا حقيقيين دون ابتذال.. لروحك المحبة والسلام.

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم