كتابات النفَس القصير| قدم العجوز الصينية

عدي الزعبي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

عدي الزعبي

“لا مطمع في الرجوع إلى التقليد بعد مفارقته، إذ من شرط المقلّد ألا يعرف أنه مقلّد، فإذا علم ذلك انكسرت زجاجة تقليده؛ وهو شعب لا يُرأب، وشعث لا يلمّ بالتلفيق وبالتأليف، إلا أن يُذاب بالنار ويستأنف لها صيغة أخرى مستجدّة”.

المنقذ من الضلال. حجّة الإسلام الإمام الزاهد أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي الطوسي.

(1)

يسأل المرء نفسه باستمرار عن علاقته مع التراث والتقاليد: ما الذي يعنيني في شعر كُتب قبل ألف عام، لا يشبهني ولا يعبر عني، بأطلاله ومدائحه وأهاجيه، وتكراره الممل، والتحرش بفتيات في مقتبل العمر من قبل كهول يلعنون الشيب في كل قصائدهم؟ ما الذي يربطني، اليوم، بكتاب مختلط غامض مربك سحري بلا معنى ولا مبنى مثل ألف ليلة وليلة، أو ممل وعظي مثل كليلة ودمنة، لا يفيد إلا في الاطلاع على الظروف الاجتماعية لمن كتبوا ولمن قرؤوا هذين العملين؟ ما الذي يعنيني من قراءات الفلاسفة للعرب لأفلاطون وأرسطو وأفلوطين: كل الفلسفة اليونانية، وسليلتها الفلسفة العربية ثم الغربية المدرسية، وصولًا إلى فلسفة النهضة الأوروبية، سقطت مع بدايات الثورة العلمية على أيدي جاليليو وديكارت: سقطت كليًا تقريبًا، بعلمها وميتافيزيقيتها ورؤيتها للعالم الحسي وغير الحسي. فقد افتتح رينيه ديكارت وفرنسيس بيكون العصور الحديثة بمقتلة كاملة وشاملة للتراث الإغريقي وكل ما نتج عنه، كأن العلم بدأ جديدًا.

كارل بوبر وتوماس كون، بعد قرون قليلة، قدّما مقولة مختلفة تمامًا: لا علوم بدون تقاليد. تولد الثورات العلمية من داخل تقاليد الماضي، بالضرورة. كل تقدم هو ابن الماضي، ابنه الشرعي. اختلف الرجلان حول كيفية فهم هذه المقولة، وخاضا معارك قاسية، حول طبيعة الحقيقة والعلم والتاريخ والنسبوية، معارك لم تنتهِ حتى بعد وفاتهما.

سلامة موسى طالب بالتجديد، وبالجديد. طه حسين وأدونيس رفضا قتل القديم: عملا، كل بطريقته، على نبش الماضي وجرّه، عنوة أحيانًا، إلى الحاضر. ولكن، يبدو ثقل الماضي أكبر مما نستطيع حمله: سقوط الامبراطورية الصينية رافقته حملة ثقافية تطالب بالتخلص من الكونفوشية، أكثر المذاهب تمسكًا بعبادة الأسلاف وتقديسهم، ومن البوذية المستسلمة ومن الطاوية السحرية؛ فيما كانت الحضارة الغربية، بجزع، تتطلع إلى المشرق، منذ إعادة اكتشاف حكمته تدريجيًا، مع توسع الاستعمار إلى كل بقاع الأرض، علَّها تجد بعض الراحة من دوامات حروب وعنف نفسي: من ديوان جوته الشرقي إلى تشاؤم شوبنهاور الحزين الحساس اليائس البوذي تقريبًا.

على أن التقاليد قد تبدو غير قادرة على ربطنا بالحاضر: هل نقرأ محاورات كونفوشيوس المملة جدًا وأشعار لي باي الجامحة، أم نقرأ مو يان ويو هوا ونشاهد زانج يومون لنفهم الصين المعاصرة؟ هل نقرأ سعدي الشيرازي أم صادق هدايت؟ هل يمثلنا نجيب محفوظ أم المتنبي؟

انتحر أكوتوجاوا، القاص الياباني المتفرد، يائسًا من محاولة المواءمة بين اليابان التقليدية والغرب (انتحر، بالطبع، لأسباب شخصية أخرى، كثيرة). انتحر بعده كاواباتا وميشيما، وكلاهما فشل في المواءمة. ما زالت اليابان واحدةً من أقسى المجتمعات الملتزمة بالتقاليد الاجتماعية: كيروساوا جسد هذا العذاب في فيلم ساحر غير مشهور بعنوان الأشرار ينامون بعمق، The Bad Sleep Well، عن الولاء للشركة: هذا المفهوم الفظيع، الذي تفاخر به الرأسمالية اليابانية بوقاحة منقطعة النظير. أما في فيلم ربيع مبكر، يعالج المخرج ياسوجيرو أوزو، على عادته، الموضوع ضمن دراما عائلية، عن زوج يخون زوجته مع زميلته في الشركة، في سياق كئيب محبط سوداوي.

يسأل المرء نفسه باستمرار عن علاقته مع التراث، مؤملًا أن يجد حلولًا أقل قسوة من الحلول اليابانية، أو الإسلاموية، التي جسدها سيد قطب: مواءمة قد لا تكون مطلوبة في النهاية: من قال إن العالم يمكن فهمه في مذهب متوائم؟

(2)

أجل، لا أعرف ما الذي سأفعله. لا أريد الانفصال عن زوجي، وأحب هذا السويدي البارد البليد. لا لا، لا أحبه، ليس هذا حبًا. ولكنني أحب أن أقضي الوقت معه، أن أتسكع معه، أن أنام معه“.

تقول الفتاة، ثم تضحك.

كنت غارقًا تمامًا في ترجمة نص لباكونين، سيظهر قريبًا في كتاب يجمع بعض أعمال الفوضوي الروسي. في تلك اللحظة التي نسيت فيها سمّاعاتي على أذنيّ بدون موسيقى، كانت الشابة الآسيوية تتكلم بصوت خافت، مطمئنة إلى أنني غارق فيما أفعله.

بالطبع، لم أستطع أن أقاوم: تظاهرت بأنني أعمل، وأعطيت أذنيَّ الاثنتين، وقلبي وعقلي وجوارحي، لما ستقوله هذه الخائنة، الجميلة جدًا؛ متناسيًا نقد باكونين اللاذع، المُقنع حقيقة، لـجان جاك روسو، ولفكرة الإنسان البدائي الفرداني النبيل، والعقد الاجتماعي: يقول باكونين إن الإنسان وجد، منذ البداية، في جماعة: وبالتالي، إن فكرة الفرد النبيل البدائي وفكرة العقد الاجتماعي، سخيفتان تمامًا.

– “طالما زوجك لا يشك في شيء، استمري فيما تفعلينه. يعيش المرء مرة واحدة، يا أختي“.

أتت نصيحة السمراء، مع ابتسامة بريئة، متسامحة.

تتنهد سو، ثم تشعل سيجارة.

سو فتاة من آسيا، لها وجه مشرق صاف، وجسد متناسق؛ أقصد متناسق بالمواصفات الشرقية. على العكس من العرب والأمريكيين، لا تجد الصدور الكبيرة والشفاه الكبيرة والمؤخرات الكبيرة التي يزخر بها الشعر العربي القديم ودعايات التلفاز والفيديو كليب الأمريكي. تناسق هندسي، بسيط، كقصيدة هايكو.

شفتاها شهيتان، وعيناها الصغيرتان عميقتان، بسوادهما كبحر لا شواطئ له. رجلاها، المكشوفتان في الفستان الطويل بشقين على الجانبين، مرمر أبيض كثلج الشمال البارد. قدمها الصغيرة، التي تحررت من الحذاء الأسود الصغير بكعبه القصير، في جوربها ذي اللون اللحمي، لا ترتاح وهي تتحرك في كل الاتجاهات، كأنها راقصة شرقية تتحسس الفراغ على مهل وببطء، ثم تملؤه بدلع وثقة ورِقّة، كرقص سهير المرشدي في فيلم البوسطجي: في معمعة الخوف والتيه والقمع والنهايات التعيسة والبدايات الغامضة، مرحٌ جلّاب للمصائب، وللشبق والأمل والخطايا.

تقول سو إنها مرتبكة، إن الحياة لم تعاملها كما يجب، وإن أمها مسؤولة: مسؤولة عن كل هذا الخراب.

تهز السمراء رأسها. تتنهد هي أيضًا.

تقول السمراء إن صديقها خانها مرتين، ولكنها سامحته. في المرة الثانية، تكلما مطولًا، بدون دراما. قال إنه الملل. الملل دفعه للدخول في علاقة سريعة مع امرأة متزوجة عندها أربعة أطفال، الملل ليس منها، ولا من العلاقة الجنسية التي تبرد مع مرور الوقت، ولا من الحياة المشتركة: الملل بمعنىً أعمق، بمعنىً شامل.

تضحك السمراء، وتضيف أنه حيوان كاذب هائج كثور بري. كل قصة الملل كلام فارغ.

أحاول جاهدًا ان أضبط ملامح وجهي. أريد أن أشارك في الكلام، أن أتكلم أنا أيضًا عن الملل والفشل والزواج والعائلة والماضي والسويد والانتحار، ولكنني أصمت. لم أتكلم عن مشاكلي الشخصية مع أحد أربع سنين تقريبًا، منذ كارثة انتقالي إلى مملكة الدنمارك الفاشية، ثم هروبي منها إلى السويد.

تتابع سو الكلام، شارحة أنها تحب زوجها. التقيا في سيؤول، وتزوجا. سو في الخامسة والثلاثين من العمر، وهو في الثامنة والثلاثين. لم يمت الحب، ولكن شيئًا ما انكسر مع الوقت. كوريا تبتعد عنهما: تركا كوريا قبل سنوات طويلة، ولم يكتسبا صداقات في الغرب، ولا عائلة.

تقول السمراء إنها من عائلة فلسطينية، هاجر أهلها في بداية الثمانينيات من لبنان. تعلمت السويدية، وعندما كبرت، تركت عائلتها وراءها: رفض الأهل أن تحيا كما يحيا السويديون، رفضوا أن تنام مع أحد قبل الزواج. عندما انتقلت لتعيش مع ياكوب، جُن جنونهم. يعتقد أبوها أنها شرموطة. لفظت الكلمة بالعربية. التفت اثنان من رواد المقهى، ثم تابعا كلامهما تاركين السمراء تشكو. تقول إن أبوها يتمسك بهذه التقاليد السخيفة المتخلفة، وبتراث يجعله يرفض أن ترى أمها التي تعاني على فراش الموت.

أفتح على الحاسوب ملف الروايات، وفيه عشرات الروايات المسروقة من النت. كنت البارحة أقرأ رواية الحريق لـفالنتاين راسبوتين. كاتب روسي مميز. راسبوتين عنصري بوقاحة، يكره اليهود ويلوم الماسونيين على كل شيء، ويحتقر المثليين ويطالب بمحاكمتهم ويعتقد أن الغرب النذل جلبهم إلى روسيا لتخريبها؛ يحب فلاديمير بوتين، بالضبط مثل صديقه ومعلمه سولجنستين، الذي فضح مخازي معسكرات الاعتقال الستالينية. راسبوتين أيضًا مدافع عن البيئة، ولعب دورًا هائلًا واستثنائيًا في رفع الوعي في قضاياها، خصوصًا في سيبيريا. عايش الاتحاد السوفييت ثم سقوطه، وانهيار البلد في التسعينيات على يد المافيات، التي كان معظمها من أعضاء الحزب الشيوعي الحاكم. راسبوتين متمسك بتراث القرية، ويكتب باسمها: يعتقد أنه يدافع عن التقاليد الروسية الأصيلة.

تضحك سو، تقول إنها لا تعرف بالضبط تراثها اليوم. المسيحية انتشرت ولكنها لم تتغلغل فعليًا. الإخوة في الشمال الكوري لا يشبهوننا في شيء. كوريا كانت دومًا بلدًا بين عملاقين مخيفين إمبرياليين: اليابان والصين؛ اليوم تتبع الولايات المتحدة الأمريكية ككلب أجرب. النجاح الاقتصادي عظيم ومريح، بالرغم من أنه تأسس فعليًا على يد ديكتاتوريات محلية وضيعة في بداياته.

أكاد أختنق. أقف فجأة، وأخرج من المقهى الصغير. أترك الحاسوب والحقيبة والمعطف خلفي، وأخرج وحيدًا.

حياتي مبعثرة، ومسيرتي المهنية متعثرة. لا أقصد داخليًا: أنا، كالرواقيين، حر تمامًا في حياتي الداخلية، ولا أحد يتحكم بما أفكر فيه وبما أكتبه. ولكن، كما تعرفون، الحياة الداخلية أكذوبة، أكذوبة بشعة منحطة اخترعها اليائسون كي يواسوا أنفسهم.

أمشي قليلًا بدون هدف.

سيارة تمر ببطء، أغنية “المدفعجية” تصدح:

الفلوس تحضر

هاتلي من الأخضر

الفلوس تكتر

دلّعوني أكتر

أردد، مع المدفعجية:

دلّعوني أكتر“.

لا أحد يدلعني هنا، في المنفى. والفلوس لا تحضر. أعيش عالة على زوجتي. ليس عالة بشكل كلي؛ أحصل على بعض المال من الكتابة، ولكن أقل بكثير مما نحتاجه. يؤرقني الأمر كثيرًا. تقول زوجتي لأنني رجل شرقي تقليدي يؤرقني الأمر. تقول نحن شركاء، وأحيانًا أحصل على منحة أو جائزة كبيرة، تساوي ما تحصل هي عليه في أشهر.

لم أقتنع.

هل الزواج مؤسسة تقليدية؟ زوجتي تقول، أجل. ثم تشرح: ليست كل الأشكال التقليدية سيئة. السيئ والجيد ليسا مرتبطين بالتقليدي أو بالثوري، لا توجد علاقة مباشرة (هل عكس التقليدي ثوري؟ ألم تكن أغلب الثورات عودة للماضي؟ أليست ثورة النهضة الأوروبية مجرد عودة إلى ما مضى؟ كلمة “نهضة” باللغات الأوروبية “ريناسيناس”، تعني الولادة، مرة، أخرى، أي العودة للجذور اليونانية/الرومانية في هذا السياق).

زوجتي ذكية، ونسوية. ونحن نتشاجر دومًا. هي تتذمر باستمرار لأنني لا أستمع إلى ما تقوله.

أنت لا تستمع. أخبرتك عشرات المرات أنني لا أحب هذا الصابون الرخيص.

أنت لا تستمع. أخبرتك عشرات المرات عن باب الخزانة المكسور.

أنت لا تستمع. أخبرتك عن الطرد الذي يجب أن تستلمه غدًا من مكتب البريد.

أنت لا تستمع. أخبرتك أن أختي ستزورنا اليوم ويجب أن تعدّ العشاء.

أنت لا تستمع. أخبرتك عن موعدنا الساعة الثالثة في روضة ابننا.

أنت لا تستمع. أخبرتك ان تشتري مسحوق الغسيل والخبز.

على العموم، تعتقد زوجتي أنني أعاني من مشكلة جذرية في السمع.

أو هذا ما أعتقد أنها تعتقده. هي تقول إنني ذكوري، ومثل كل الرجال لا أسمع.

هذا أسمعه جيدًا، أسمعه كل يوم.

على أية حال، لا أعرف ما التقاليد التي تستند إليها في اتهامي بأنني ذكوري. كل صديقاتها يشاركنها الرأي في أزواجهن. أي أنني أتصرف ككل رجل أبيض ذكوري يعيش في الدول الإسكندنافية.

أقف متسمرًا في مكاني، في برد يقصّ المسمار، على ما يقول السوريون. معطفي وحاسوبي وما يحويه من أفكاري العميقة والضحلة في الداخل، ينتظرونني كي يكسبوا معنى. أنا، في الخارج، لا أنتظر شيئًا.

مطر خجول، كطفلة أول أيام المدرسة، يبلل الطرقات ويبلبلها.

يبلبلني الخجل، أنا أيضًا، لأعود إلى طاولتي بتعب.

أفتح الحاسوب، وأرد على رسالة من صديق قديم بعيد.

“عزيزي رائد،

سؤالك عن الواقعية وعن أثر القراءات المحلية فيما أكتبه صعب جدًا. يبدو لي، وبصدق حزين، أنني “مقطوع من شجرة”. بعد وفاة حنا مينة، وهو كاتب أحب رواياته المبكرة، كتب الروائي ممدوح عزام مقالًا يرثي فيه الرجل. مما قاله عزام، إن كل روائي سوري يبدو وكأنه يبدأ من نقطة الصفر، كأنه لا يوجد تراكم نقدي يتيح للكاتب أن يتابع مسيرة الآخرين. فيما يخصني، مقولة عزام صحيحة تمامًا. لست سعيدًا بذلك ولا فخورًا به، ولكنه واقع الحال.

لا أعرف السبب تمامًا. ربما لأنني أنفر من السائد في الكتابة العربية: من الواقعية الاشتراكية والفجة، ومن الديستوبيا والفانتازيا الجامحة البعيدة عن القلب، ومن استحضار التاريخ وتشويهه لأسباب سياسية، ومن تحويل الأدب إلى مشروع بروباجندا، سواء كانت اشتراكية أو تنويرية أو ثورية.

السؤال حول “الواقعية” معقد. مجموعتي الأخيرة كتاب الحكمة والسذاجة، واقعية تمامًا: التجريب فيها موجود أيضًا، ولكن في سياق الواقعية. تقليدية قليلًا: حكايا الناس، ولكن بتجريد كبير، لا يوجد وصف للمكان، ولا لأشكال الناس وأجسادهم وثيابهم. ربما يمكن وصفها بالواقعية شبه التجريدية. مصطلح الواقعية نفسه متعدد جدًا. ولا أرى أن هناك تعارضًا بين الواقعية والتجريب. هذا تعارض وهمي، رسمه اليساريون الذين أدانوا التجريب، والسورياليون الذين أدانوا الواقعية، في فترة محددة من تاريخ الأدب الأوروبي. كلا الطرفين كان يخوض معارك فكرية وسياسية متعددة على ساحة الأدب، فيها وضعية كونت وحماسة زولا له وتطرف لينين وتروتسكي ومحاولات بائسة ومملة لربط الفن بالحياة بطريقة غير مقنعة لشباب فرنسي تائه وغير ذلك من قضايا فكرية. اليوم، لا يوجد ما يدعونا لربط أنفسنا بسياق أوروبي محلي خاص، بل علينا تجاوز هذه الثنائية الساذجة. سأعود لاحقًا لشرح هذه النقطة.

أسأل نفسي، أحيانًا، في الأيام التي أعجز فيها عن الكتابة، لماذا ننتظر من الكاتب أن يتأثر بمن سبقوه محليًا؟ أعني، لماذا لا أجرؤ على القول صراحة، في مجال القصة القصيرة، إن إعجابي الشديد بالباكستاني سعادات حسن مانتو أو بالياباني أوسامو دازاي يفوق بأضعاف إعجابي بأي قاص سوري أو عربي؟ وإن أراد المرء أن يتناول فترات سابقة، يصبح السؤال أصعب: أعني هل أفضّل قصائد المدح السخيفة الطويلة جدًا التي دبّجها أبو تمام والبحتري على حساسية إميلي ديكنسون؟ الهجاء المتبادل المنحط بين جرير والفرزدق على الإنجليزي فيليب لاركين والصيني دو فو؟

يبدو لي أن كل سؤال التراث والتقاليد فارغ. أقصد أن الأمر فردي تمامًا: أنا أبجّل نجيب محفوظ ومحمد خان، بطريقة شبه دينية. لا أطالب الآخرين بنفس التبجيل، وإن كنت لا أفهم إطلاقًا أن يدعي أحدهم أنه لا يحب أعمال الرجلين. أعامل المعري وتلميذه طه حسين كأنني مريد درويش ساذج في حضرة أصحاب الطريقة. في المقابل، أفهم لماذا يقرأ البعض يوسف إدريس أو أنسي الحاج، ولكنني لا أحتمل قراءة سطرين مما كتباه.

ولكنني لم أتأثر، في قصصي ونصوصي الأدبية، بأيٍّ من أولئك الذين أبجّلهم من تراثنا. تعلمت منهم كيف أفكر، كيف أتصرف، كيف أحب، كيف أحزن، ولكن ليس كيف أكتب. ربما، ما تعلمته منهم أهم من الكتابة نفسها، أو ربما هو جوهر الكتابة بمعنى ما”.

تركت الرسالة هنا، غاضبًا من نفسي. ما هذا الكلام الغريب الذي أقوله؟ يعني، يبدو أنني لا أقول شيئًا ذا قيمة؟ ومن هو هذا الصديق الغامض، الذي يطالبني بشرح ما لا أستطيع، ولا يستطيع غيري، شرحه؟ ولماذا أكتب له عن الأشياء التي لا أجرؤ على كتابتها في مقال؟

كنت أتأمل سو شاردًا، وأنا أسأل نفسي تلك الأسئلة.

تلتفت سو إلي، وتبتسم ابتسامة ساحرة.

تسألني”هل أنت بخير؟”

أخي القارئ، أختي القارئة: لن يحصل هنا تغيير دراماتيكي، لن أشعر بأن وحدتي وهمية، وبأن الحياة جميلة فجأة لأن السيدة سو قررت أن تتكلم معي. يا ريت يا جماعة. مثل هذه التغييرات المفاجئة تحصل فقط في الأفلام الجماهيرية وروايات باولو كويلو ومع المتدينين الصادقين المحظوظين، كما في اهتداء القديس بولس أو خروج الإمام الغزالي من شكوكه. بقية البشر لا تتغير حياتهم أبدًا بنور مفاجئ يقذفه الغيب في الصدور.

ينتشلني السؤال من الأسئلة الأخرى. أدردش مع سو عن العمل الذي أقوم به. تقول إنها لا تقرأ إلا الأشياء المفيدة. لا تقرأ الفلسفة إطلاقًا. توافقها السمراء، التي يتضح أن اسمها فرح، وأنها سعيدة جدًا في حياتها، كما تقول بدون مقدمات لهذا التصريح الناري. فرح لا تقرأ إلا نادرًا. يسخران مني ومن ترجماتي للفوضوية، بخفة وظرافة محببة. أستعرض معلوماتي، بسخف وتباه، عن الكتب الأربعة التي قرأتها من الأدب الكوري. تقول سو إنها لم تقرا أيًا من هذه الكتب، باستثناء القليل من أشعار كو أون.

تثرثران سريعًا حول سوريا والحرب واللجوء وداعش، رفعًا للعتب. أهز برأسي، موافقًا على كل السخافات التي تتفوهان بها.

تسألني سو عن زوجتي وابني، عن أبي وأمي. تعاملني الفتاتان كأنني مريض فقير، ضحية، مثير للشفقة: ويعني هذا أنه يحق لهما أن تسألانني كل الأسئلة الشخصية الممكنة، لأنهما تريدان أن تظهرا كم تعطفان على اللاجئين.

أتمتم بأن الحياة صعبة، ولكن مقبولة الآن.

على طاولة مجاورة شيخ وحيد، يقرأ جريدة بصمت. وقار شيبه يجلل رأسه الملائكي، ويملأ الأرض كلها بسكينة دينية. لا أرى ملامحه بوضوح. أشعر بالطمأنينة لوجوده. ربما، لأنه يشبه الكاتب النجيري تشينو آتشيبي، ذلك الذي تنتهي رواياته دومًا بخسارات لا تُعوّض، ولكنها، بطريقة غامضة، تجعل القارئ يتشبث بالأمل.

انتقد آتشيبي بحدة رواية في قلب الظلام، واصفًا جوزيف كونراد بالعنصري. لا يظهِر أي شخصية إفريقية في الكتاب، حتى بعد أن يتحرر البطل من أوهامه: يبقى السود كائنات غير فعلية، موجودة فقط في الخلفية، كي يرسم كونراد لوحته المذهلة. آتشيبي، الذي درس في بريطانيا، كان يعرف أن الغرب شرير تمامًا، ولكنه، وبدقة مذهلة، كان يهاجم التقاليد البالية الهمجية المحلية في رواياته. في واحدة من أفضل قصصه فتيات الحرب، يروي قصة بسيطة عن الحرب الأهلية: فتاة جميلة تتحول من متطوعة متحمسة مليئة بالثقة والتفاؤل لمساعدة الثوار المطالبين بالاستقلال إلى نصف عاهرة. الحرب، تلك التي اتخذ فيها الرجل موقفًا حاسمًا إلى جانب الثوار، الذين انهزموا في النهاية بشكل كامل، بعد حصار طويل جاع فيه الناس وأكلوا القمامة وعشب الأرض، حصار طويل لم يهز ضمير أحد: الحرب هذه، والجوع، حولت معظم الناس إلى وحوش، إلى أوباش وعاهرات وقوادين، وعملاء لكل من يدفع لهم، على الطرفين.

تمسك يدي اليمنى بيدي اليسرى، بتوتر بالغ: كأن يدي اليمنى هي يد الشيخ النيجيري، أمسكها وأشد عليها بقسوة وغضب وغل: يتسامح معي العجوز الميت، ويبتسم بشفقة: ينقذني من سو وفرح.

تقول سو إن الحياة الزوجية مقدسة، إنها تعتقد أن الغربيين لا يحترمون حرمة الزواج. تهز السمراء رأسها موافقة. تشرح السمراء أنها تعتقد أن العائلة أهم ما في الإنسان. تقولان يجب أن نتمسك بالتقاليد، وتنتقدان الغرب: تنتقدان الوحدة وتحلل العائلة والبخل والفردانية وقلة التهذيب، والطعام المقرف، وماضي أوروبا الاستعماري، والعنصرية المنتشرة هنا. تحمدان الله أننا لسنا مثلهم.

أهز برأسي، لا أستطيع التعليق على ما تقولانه.

أكاد أبكي.

تفلتني يد آتشيبي: بعد حادث سيارة خطير، أصابه شلل نصفي. لم يعد قادرًا على مساعدة أحد.

أبقى وحدي، في مواجهة التقاليد، والغرب، وسو وفرح، والشمال البارد.

تقول سو إن علينا جميعًا أن نفكر بطريقة تقترب من البوذية: لا يمكننا مواجهة القدر، ولكن يمكننا أن نعالج أنفسنا، أن نفهم أن رغباتنا هي ما يتحكم بنا، وهي ما يجعلنا نعاني على الأرض. توافق فرح، وتقول إن كل ما يحدث مكتوب منذ الأزل عند الله. تقولان إنهما تحاولان أن تعيشا بسعادة، مهما كانت الظروف صعبة، وأنهما تتمنيان لي، ولجميع اللاجئين، حياة أفضل. فرح تطوعت لفترة في مساعدة القادمين من سوريا والعراق في أزمة اللاجئين 2015، وسو تقدم مساعدات شهرية بسيطة لإحدى منظمات مساعدة الأطفال الشهيرة. تعتذران وتقولان إن هذا كل ما يستطيعان فعله.

أتمنى لو أشرح لهما كم أكره التواكل والتسليم بالقضاء والقدر، وكل أنواع التصوف والبوذية وأحتقر التركيز على المشاكل الفردية الجوانية أكثر حتى من كراهيتي لخزعبلات ما بعد الحداثة. أنا “دقة” قديمة، يساري مؤمن بالمساواة بين كل الناس وبالعمل على تغيير العالم، ومتمسك بالتنوير الشكاك المنفتح، على طريقة هيوم وكانط. ولكنني أسكت. دائمًا أسكت.

هل لدى منفي فقير خائف مكتئب مهزوم فاشل بدين ساكت عن الحق، ما يقوله عن التنوير ومعنى الوجود وتحقيق الإنسان لذاته؟

تعتذران بصدق وود، في النهاية، عن كل شيء.

لم أفهم تمامًا ما الذي تقصدانه بقولهما “كل شيء”، ولكنني أحسست بصدق اعتذارهما الغريب العميق.

تغادران المكان.

أعود إلى طاولتي.

يقترب مني آتشيبي، ويضع يده على يدي، وينظر مباشرة في عيني.

أقول، بتردد:

“ما الذي سنحتفظ به من الماضي، في المنفى الطويل هنا؟ وما الذي يبقى بعد الحروب والهزائم؟ أليست التقاليد في صلب الحروب؟ وما الذي سنأخذه من تراث الآخرين الذي قدم لنا، وما زال يقدم، حروبًا وراء حروب وراء حروب؟”.

ثم، بتردد أكبر:

“وأنا لا أعرف أين أبحث الآن، أو، حتى، عن ماذا أبحث يا أستاذي”.

يجيبني، فيما النور يشع منه، كوليٍّ من أولياء الله:

“ليس لديَّ إجابات يا فتى. لا أحد لديه إجابات عن أسئلة كهذه. عليك أن تواجه كل ذلك، وحدك. الحروب لا تنتهي بعد وقف إطلاق النار، بعد الهزائم وبعد الانتصارات. عليك أن تواجه كل ذلك، وحدك. الحروب لا تنتهي. الأسئلة لا تنتهي، أيضًا. اسأل كثيرًا: ولا تبالِ إن لم تجد الأجوبة”.

ثم، بسماحة وثقة ومحبة، يضربني على رأسي بيده، ضربة الأب الحنون اللطيفة الخفيفة:

“مين رائد هاد يلي عمتكتبلو مراسيل يا عبقري زمانك؟ ارحمونا من الفانتازيا السخيفة”.

يتلاشى طيفه.

يبقى ظل ابتسامته السرمدية معلقًا في الهواء، كرائحة القرفة في مخبز حلويات سويدي.

(3)

لا نعرف بالضبط كيف بدأت عادة ربط الأقدام في الصين، أي عملية تشويه وكسر الأصابع الأربع الأصغر لأقدام البنات، وإجبار العظام على الانحناء، إلى درجة يقترب فيها الإصبع الأصغر من الكاحل، لتقليص حجم القدم.

استمرت هذه العادة لمدة ألف سنة.

العملية بسيطة: تقوم الأم بربط قدم بنتها عندما تبلغ سبع سنوات. تبكي الفتاة، وتقاوم، بحسب ما وصلنا من وثائق مكتوبة من نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. تضربها الأم بعصا غليظة، وتربط أيديها أحيانًا. تساهم الجدة أيضًا في العملية. لم تستطع النساء الزواج بأقدام طبيعية، بل ولم يتمتعن بمكانة اجتماعية مقبولة بدون الربط. الأم والجدة تقومان بما هو ضروري كي تُرضي الفتاة تقاليد مجتمعها.

كان ربط القدم شأنًا عرقيًا بشكل كامل. تعرضت الأقليات للاضطهاد وللسخرية لأن أقدام نسائهم طبيعية. بل حتى السلالة الملكية الأخيرة نفسها اضطرت للخضوع. حكمت أسرة كنج (1633-1912) الصين قبل قيام الجمهورية، وأصلهم من منشوريا، أي ينتمون إلى أقلية لها عادات وتقاليد مختلفة عن عموم الصين. لم يربطوا أقدامهم، كما لم تربط معظم الأقليات الأقدام. بل إن السلالة الغازية، ومنذ وصولها إلى الحكم، عارضت هذه العادة، بقوانين صريحة وغرامات مالية؛ ولكنها فشلت تمامًا في البدايات. انتهى الأمر إلى أن قلدت نساء منشوريا العادة بربط القدم من الأمام، كما فعلت الطبقة العليا الكورية تحت تأثير الثقافة الصينية، ولكن بدون كسر الأصابع. أعادت السلطة المحاولة في القرن التاسع عشر، وفي القرن العشرين. النجاح التدريجي كان جزءًا من عملية تحديث متكاملة، قادها فئات متعلمة من الشعب يحدوها رغبة جامحة بإصلاح البلد الذي كان يغرق بين أيدي المبشرين والقناصل الأوروبيين وامتيازاتهم والغزاة اليابانيين وفساد الإمبراطورية المخيف وجهل لا حدود له عند العامة.

من المؤكد أن العادة لم تبدأ إلا بعد انهيار حكم أسرة تانج (618-907). الحادثة الأولى التي سجلت تعود إلى راقصة في عهد السلالات المتصارعة الذي تلى الانهيار، ربطت قدميها ورقصت للملك. ثم بدأت نساء الطبقة العليا بربط أقدامهن. انتشار العادة ترافق مع أمرين: تغير الجو العام بخصوص مكانة المرأة في عهد أسرة سونج (960-1279) والعهود التالية؛ فقد تراجعت مكانتها بحدة عند السلطات والمفكرين مقارنة بالعهود الماضية؛ ووجود طبقة عليا أرستقراطية لا تحتاج نساؤهم إلى العمل: المرأة التي تربط قدميها تمشي، ولكن بصعوبة. بالتأكيد، لا تقوم بأعمال الزراعة ولا الأعمال المنزلية ولا بأي عمل آخر. العاملات في الأرض وفي الخدمات لم يربطن أقدامهن. أصبح الربط علامة مميزة للثروة والنبالة. لاحقًا، جادل الكثير من المفكرين بأن المرأة التي تعجز عن الركض ستعجز عن خيانة زوجها: المرأة العاجزة تمامًا مخلصة تمامًا. كان ذلك الزمن الذي انتشر فيه منع زواج النساء الأرامل أيضًا.

بالتدريج، بدأت الطبقة الوسطى، والوسطى الدنيا بتقليد الطبقات العليا، حتى أصبحت العادة منتشرة في الأرياف في عهد أسرة منج (1368-1644). ترافق ذلك مع هوس جنسي بالأقدام المربوطة، وبمداعبتها وبلحسها وبشرب الكحول من الأحذية الخاصة بها، كما انتشرت معلومات مغلوطة عن أن قفا المرأة وأعضاءها الجنسية تتغير لتصبح كل ممارسة كأنها ممارسة مع عذراء. الواقع أن عظام الأرجل والظهر تتعرض لتشويهات شنيعة، بالإضافة إلى آلام هائلة. كُتبت الأشعار والروايات بالأقدام الصغيرة، ودخلت العادة في الأساطير وفي الحياة اليومية وفي عادات الزواج وغيرها.

أصغر الأقدام، أي أجملها بحسب الصينيين في ذلك الزمن، تمتعت بها الطبقات الأغنى، والعاهرات: كن مشلولات تمامًا. أولئك النساء المحكومات كليًا بالعجز: أكثرهن تهميشًا ومعاناة، والأقل عملاً وحركةً. نساء بقية الطبقات، حتى عندما يربطن الأرجل، يتركنها أكبر قليلًا وقادرة على الحركة، لأسباب معيشية.

مع اجتياح المغول للإمبراطورية (أسرة يوان المغولية 1271-1368)، تحولت العادة إلى موضع فخر قومي لمواجهة الغزاة وحكامهم الذين احتقروا ربط الأقدام وسخروا منها بشدة. سيتكرر الأمر مع حملات التنويريين في القرنين التاسع عشر والقرن العشرين: أصر المحافظون على العادة، واتهموا دعاة التغيير بأنهم عملاء للغرب وخونة.

استخدم الثوريون محاججات مختلفة، منها أن العادة حديثة نسبيًا، نشأت في القرن العاشر، وبالتالي ليست جزءًا من “التراث الحقيقي” للصين. كما أنها لا توجد إلا في الصين، وبالتالي ليست شرطًا للجمال أو للعفة بشكل عام لكل البشر، ويمكن تغييرها؛ كما أنها تمنع النساء من المشاركة في بناء الصين الحديثة. المثير جدًا، أن رفض العادة كان قديمًا، بل يعود إلى فترة نشوئها، ولم يتوقف يومًا. أكثر من ذلك، استخدم بعض الكونفوشيون الثوريون كونفوشيوس نفسه وأقواله لرفض العادة، كما استخدمه المحافظون من أجل تأكيدها.

لم تستطع الجمهورية منع العادة إلا بقوانين صارمة وغرامات مالية كبيرة وحملة دعاية هائلة بعد سقوط الإمبراطورية. حتى الستينيات، كانت العادة تُمارس بشكل خجول في أرياف الصين الشمالية، بالرغم من كل محاولات السلطات إيقافها.

لقرن من الزمن تقريبًا، واجه معارضو تشويه الأقدام التقاليد بشجاعة وصراحة وحزم، مؤمنين بمستقبل أفضل وأجمل وأرحب، قبل أن ينتصروا نصرًا ساحقًا ماحقًا.

كيف عاشت تلك النسوة كل ذلك؟

هنا ما تقوله حفيدة من قرية صينية نائية، سنة 2013، في لقاء صحفي، عن جدتها التقليدية، التي رُبطت أقدامها:

“جدتي تجاوزت التسعين وما زالت بصحة جيدة. عندها سبع دجاجات تعتني بهم. توفي زوجها عندما كانت في الأربعين. هي إيجابية ومتفائلة ومليئة بالحيوية والطاقة. عملت قابلة وجلبت أكثر من ألف طفل، عندما لم تكن المشافي موجودة هنا. كما عالجت بالأعشاب الطبيعية الناس عندما كانوا يعانون المرض والألم”.

ثم تضيف، بابتسامة فخر واعتزاز:

“جدتي ملهمتي الحقيقية في هذ العالم”.

مقالات من نفس القسم