بين الشعب والنظام «كل ما صنع الحداد»

محمود خير الله
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

الأهرام ـ الطبعة العربية

“أنا أيضا فى الصباح أقف فى هذه الشرفة. والشقاء واقف بجانبى تماما، كأنه لا يجد عملا سواى”..

 هكذا وقف الشاعر محمود خيرالله فى شرفته يطل على حاله ويترقبه من بعيد فى ديوانه “ما صنع الحداد” الصادر عن دار صفصافة العام الماضى، لكنه يناسب هذه المرحلة بالأخص لأنه يحمل هموم هذا الجيل ويبكى حاله، فقد وجد خيرالله نفسه منهكا من خوض معارك نفسية، معارك ظلت تثقل كاهله لسنوات، ولم تكن همومه بمفرده بل أنه استشعر هموم كل المارين الى جواره، وسمع شحيح أنفاسهم، واستشعر ضيق حالهم، وانغمس فى حزنهم. لهذا شب الشعر الأبيض سريعا فى رأس محمود خيرالله وهو لم يتخط عامه الواحد والأربعين، ذلك الريفى طويل القامة، الذى قدم الى القاهرة ضالا وعاش بها تائها بين عمله فى الصحف العربية وشاعرا يرتكن بقلمه وأوراقه على المقاهى الثقافية، حتى استقر كنائب رئيس تحرير مجلة الاذاعة والتليفزيون، وكان ضمن المرشحين لرئاسة تحريرها بعد الثورة، فكانت المدينة بتيهها وسحرها، بهموم ابناء جيله وبصيص الأمل المنفرج من إبداعاتهم كانت صاحبة الفضل عليه فى اثراء تجربته الشعرية، ورغم أنه مقل فى الكتابة إلا أنه لم يكتب إلا عما ينغص فى قلبه، يتركه يتوغل وينتشر بألمه حتى يختمر بداخله فيخرج بديوان شعرى يكتبه باللغة العربية البسيطة، فى تكوينات مختصرة وعبارات سلسة وصور مكثفة

أرسلت السماء مطرا قليلا

للعاطلين عن العمل

فسحبه أصحاب المنتجعات الى بحيراتهم

أرسلت النجوم ضوءا شاحبا

للهاربين من حرب إبادة

فأشعل تجار الأسلحة نارا لكى يتدفأوا

أرسلت الشمس شعاعا

للعراة فى الحدائق

فصادرته الشرطة على الفور

للتأكد من مسار العلاقة بين الله والضعفاء.

كما أنه اعتمد فى ديوانه هذا على اللغة الساخرة التى لجأ اليها من فرط الحزن الذى يعانيه هو وكل من حوله فى محيطه الضيق والواسع

يامن تعيشون هنا،

لا تصدقوا السحاب الذى فى السماء

إنه فراء زوجة الرئيس

بعدما علقته على شماعة الرب

وإذا صادفتم أسدا هاربا

من حديقة قصر،

كذبوا عيونكم

لأنه مجرد صديق مخلص

لسعادة الرئيس

هكذا كان همه الجميع، وليست مشاكل شخصية وأنما هى مجتمعية، فقد كتب لهم وبهم ومنهم.

هكذا عاشوا

وهكذا يموتون

فى الجلاليب الزرقاء نفسها

والأحذية نفسها

وربما بالعرق نفسه.

حتى أن عنوان ديوانه يشير الى قبيلتين أو فريقين دائما على خلاف حاد لا يمكن معالجته أو حتى نقاشه فبينهما كل ما صنع الحداد أى استحالة التصالح بين الدولة والنظام كفريق، وبين الكائنات التى تتشكل فى صورة انسان، لأنها فى حقيقة الأمر لاتحمل أيا من الانسانية لأنها فقدتها تحت تأثيرات الهم والحزن والقهر والفشل والعجز.

……..

المصدر: الأهرام -الطبعة العربية 11 أكتوبر 2011

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم