“باب الليل”.. غواية الحكي

باب الليل
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

نجوان ماهر

“باب الليل” رواية تحوي العديد من الأبواب، وكل منها لها عنوانها الخاص بها وكأنها تمثلت فقه الحياة.

انتهيت للتو من قراءتها علي صوت الموسيقي اللاتينية ولا أدري سببا لذلك الربط، ولكن يبدو لي أن أجواء الرواية تليق بها، فهي تأخذك رويدا رويدا لسراديب عالم خفي ليس بجديد عليك سوي أنك تعرفه من علي السطح ومجرد قشور، ولكن عملية تشريحية لشخوص الرواية أوضحت الصورة ما بين تضحيات وثورة من أجل الوطن بذلت فيها كل نفس أقصي ما لديها ولم تنل سوي الهزيمة والبعد بل والمعاداة وتضحيات أخرى من أجل الأسرة وتضحيات من أجل ثورة البحث عن الذات والجميع مني بهزيمة ساحقة من الحياة جعلت الجميع يغير وجهته وخططه وطرقه ليجتمع الكل في ذلك المقهي الذي أيقن ذلك الجمع أنه وجد ضالته فيها

“حين تفقد أهلك ووطنك وأنت صبي أو شاب ستبحث عنهما في ثقب الإبرة، ستجد لك أهلا آخرين ووطنا مؤقتا وحين تفقدهما وأنت علي مشارف الستين لا يتبقي لك سوى بائعات الحب، دون أن تشعر تكون جيشا منهن يصبحن وطنا احتياطيا يلاعبنك يهتممن بك كسائح ليبي أو من الهنود الحمر ويغنين لك النشيد الوطني الذي يعوضك عن نشيدك الأصلي وحين تفقد أوطانك الأصلية، ولن تعد قادرا علي اللعب في الأوطان والأحضان الاحتياطية، لا يتبقي لك سوى الجنون، حتى الجنون أحيانا يخونك ويخلف موعده لتبدو أضحوكة أمام نفسك”.

فعلت هذه الرواية بي ما فعلته أيضاً رواية “جنازة أخيرة لعماد حمدي” التي قرأتها وكأنني في مضمار للسباق، أجري فيه وأنا أحاول تخيل شخوصها في عقلي وكلما أتممت بناء شخصية ما أجد شخصية أخرى تقحم نفسها بأحداثها، فلا أستطيع استكمال بناء الشخصيه الأولى ثم أجري وراء كل شخصية لأمسكها من رقبتها حتي لا تفلت مني وتثبت في عقلي، لا أذكر هذا لأنه عيب فيها، بل لأنها أشبه بلعبة كبيرة أرادها الكاتب للقارئ، ألا يظل حبيس مكانه من أجل قراءة الرواية، وينتهي أمرها، بل كأنها تخاطبه: عزيزي القارئ يجب أن تبذل مجهودا معي، تنفعل وتستمتع باللحظة وتنهك وتشعر بالمجهود وأنا أربط الشخصيات وستفعلها أنت بطريقتك أنت، فغواية الحكي لها ثمن.

فعلت بي هذا باب الليل، ولكني كنت أكثر ثباتا وتربصا ويقظة هذه المرة، وعلي الرغم من تفاصيلها الجنونية كانت الأنثي فيها هي المتحكم الرئيسي وبيدها كل خيوط اللعبة في الرواية، فأجد نفسي في ذلك المقهي في تونس أقف في طرف خفي لأتابع روادها وأشاهدهم عن بعد وأستمع لكافة اللكنات ما بين الفلسطيني والعراقي والسوري والتونسي، أستمع للجميع وأنا لا أحاول أن أوجه اتهامات أو أعقد أي محاكمات في رأسي، بل أستمع وأشاهد ما الذي أودى بالجميع إلى المقهي وهم كانوا يوما أناسا عاديين وهناك من كان ذا شأن، أشخاصا يمكن المرور بهم في حياتنا وفي نقطة ما يتغير كل شيء يربط الجميع المصالح والملذات.. تحولات حياتية وانفعالات إنسانية متعددة الأوجه.

وكما كان لدينا ناجح، كبير المسجلين الخطرين في الرواية سابقة الذكر، لدينا هنا درة المقهي وصاحبته وهي الملكة، كلاهما لهما النظرة الحياتية والعادلة من وجهة نظرهما وطبقا لمعاركه الخاصة التي خاضوها وعلاقتهم بالسلطات.. في بعض أبواب الرواية تجد مقاطع مكتوبة وكأنها درر نثرية شديدة النعومة والرشاقة، واصفا بها الكاتب بطلات روايته وكأنها مغزولة بخيوط من ذهب ولؤلؤ.

رواية أخاذة لا تعتمد علي المباشرة في حكي الأحداث، خاصة السياسية منها، في بداية قراءتك يمكن أن يحدث لك الكثير من التشتت والغموض، ولكن بعد قليل من الصبر يفي بالغرض تسحبك معها بغواية.

مقالات من نفس القسم