اليهودي التائه وابتزاز العالم

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

محمد عبد الدايم*

تحكي الأسطورة المعروفة بـ«اليهودي التائه» أن إسكافيا يهوديا يُدعَى "كارتافيلوس"، طلب منه المسيح، وهو يحمل صليبه، جرعة ماء، ولكن الإسكافي ضربه واستهزأ به، فتنبأ له المسيح بالتيه إلى أن يعود، وبالفعل حلت على اليهودي لعنة جعلته يجوب بقاع الأرض إلى أن يعود المسيح مرة أخرى، ومن هنا سُمِّي اليهودي التائه. وقد بدأت الأساطير المستوحاة من هذه الشخصية الغريبة في الظهور في القرن الثالث عشر.

وظل اليهودي التائه رمزاً لما يسمى بالشعب اليهودي، الذي يقف شاهداً على التاريخ من وجهة نظر اليهود، منبوذاً من الجميع، ومن وجهة نظر المعادين لليهود شعباً منبوذاً.

وفي أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، تحوَّل اليهودي التائه بدوره إلى رمز للإنسان المغترب الذي يرفضه المجتمع بسبب تميُّزه ووقوفه ضد الظلم،  وانجذب الكثير من الأدباء والمثقفين للأسطورة، وأصبحت موتيفا في كثير من الأعمال الشعرية على وجه الخصوص، فقد استخدمها شعراء كبار كـ "مولر" و"شوبرت" من ألمانيا، و"روبرت وليام بيوكانان" من اسكتلندا، إضافة إلى أعمال نثرية لأدباء ألمان وانجليز وفرنسيين، فلم يعد التائه يهوديا فحسب، وإنما أصبح الإنسان تائها في عالم من الظلم والشك والتيه.

واستغلت أدبيات الفكر والفلسفة والإعلام اليهودية هذه الأسطورة، إضافة لسياسات روسيا القيصرية بحق اليهود في القرن التاسع عشر، وبعدها أحداث النازي التي أصبحت أكبر ورقة ضغط يهودية على العالم الغربي.

استندت الصهيونية كفكر ومنهج على هذه الأحداث، مغلفة إياها بأسطورة اليهودي التائه المنبوذ لتميزه وأفضليته على غيره من أصحاب الديانات الأخرى، وجعلت من اليهودية كديانة مطية لأهدافها الاستعمارية، التي ترتكز على ابتزاز العالم للحصول على أكبر نسبة من المكاسب المادية والمعنوية، وذلك بالترويج لما تدعيه بـ"معاناة اليهودي في العالم".

ويعتبر الشاعر والمفكر اليهودي الإسرائيلي "أبا كوفنر" (1918 – 1987) أحد المفكرين والأدباء اليهود الذين استغلوا تلك الأفكار والأحداث لمصلحة الفكرة الصهيونية القائمة على الابتزاز وجر التعاطف العالمي.

"أبا كوفنر" شاعر وأديب يهودي إسرائيلي، وُلد بأوكرانيا، وهو أحد يهود «جيتو فيلينيوس» (عاصمة ليتوانيا حاليا، وكانت أحد أشهر مراكز التجمع اليهودية في أوربا الشرقية)، اندمج في حركات يهودية سرية غير نظامية للانتقام من الألمان بعد الحرب العالمية الثانية، حيث انضم لمجموعة كانت تسمى «المنتقمون»، وسعت لتصفية كوادر النازية، بعدما سقط هتلر، حيث سعى اليهود في هذه المجموعات للانتقام مما سُمي بالمحرقة.

أبا كوفنر قائدا لإحدى هذه المجموعات السرية، وكان معروفا عنه أنه قائد ذو كاريزما خاصة، وكان خطيبا مُفوها، كما شارك كضابط في حرب 1948، وشارك في تأسيس متحف في حرم جامعة تل أبيب، والذي افتُتِح عام 1987، ويعرض ما يسمونه "تاريخ الشعب اليهودي عبر العصور".

بدأ كوفنر ينظم الشعر في مراحل مبكرة من عمره، وتركزت أعماله في وصف ما يصفه اليهود بإبادة الشعب اليهودي في أوربا على يد النازي، ومعاناة اليهود في الجيتوات، وفي الخمسينيات من القرن الماضي بدأ في نشر أعمال نثرية، وأُطلق عليه في إسرائيل لقب «شاعر المحرقة»، لأن معظم أعماله الشعرية تركزت على وصف ما يدعونه معاناة وإبادة اليهود خلال أحداث النازي.

ومن قصائده الشهيرة التي يتحدث فيها عما يُروج له بـ"معاناة اليهود في العالم" قصيدة "من هو اليهودي"، ويقول فيها:

 

من هو اليهودي

اليهودي هو من يرغب في أن يكون يهوديا /  وهو يهودي رغما عنه

اليهودي هو من يؤمن إيمانا كاملا / واليهودي هو من يتشبث بعقيدة ممزقة

اليهودي هو من يضع الطليت(1 ) والتفلين(2 ) / واليهودي هو من يلقي الطليت والتفلين

اليهودي هو من يلقى صعوبة في كونه يهوديا / ومن يكافح ليكون شيئا آخر

اليهودي هو محتال/ نجح في خداع نفسه

اليهودي هو من وُلِد لأم يهودية/ واليهودي هو من لا يعرف أين قبر أمه

اليهودي هو من حرر نفسه من القيود/ واليهودي هو من قيد نفسه

اليهودي هو من أورث للإنسانية السمك المحشو( 3) الأصلي/  وكتاب التناخ(4 ) مترجما

اليهودي هو من يكتب من اليمين لليسار/ وهو من ينبذه يسار العالم ويمينه

اليهودي هو من تشكلت دائرة إبداعه بحروف مربعة / ومازال وجوده مستحيلا

اليهودي هو من لا يختلف عن بقية أمم العالم / باستثناء أنه معزول عنها

اليهودي هو من يكرهه الآخرون خفية / واليهودي هو من يكره نفسه على رؤوس الأشهاد

اليهودي هو من استمات لاستحضار العالم لبيته / واليهودي هو من يجب عليه أن يستميت على بيته

اليهودي هو من يستطيع أن يسأل/ واليهودي هو من لا يستطيع أن يسأل حتى يسمحوا له".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الطليت( شال الصلاة):  رداء أو عباءة مستطيلة الشكل لها أهداب في أركانها الأربعة، يلفها اليهودي على كتفيه أثناء الصلاة، وكان يُصنع قديماً من الكتان أو الصوف، وعادة ما يكون لونه أبيضاً، وأصبح ضرورياً أن يرتديه الرجال عند الصلاة، ويصنعوه من اللون الأبيض تتخلله خطوط زرقاء، ويرتديه العريس اليهودي في يوم عرسه، كما يُدفن اليهودي المتدين به، بعد إزالة الأهداب، وقد يرتديه والد الطفل أثناء إجراء عملية الختان لابنه. ولهذا الشال في طهارته أحكام خاصة أهمها أنه لا تلمسه النساء، ويخصص له موضع معلوم بالمنزل، ويجب على اليهودي لبسه منذ أن يبلغ سن التكليف بالعبادة وهي ثلاث عشرة سنة.

( 2 ) التفلين: تميمة الصلاة في اليهودية، عبارة عن صندوقين صغيرين من الجلد يحتويان على فقرات من التوراة، ويُثبَّت الصندوقان بسيور من الجلد. يثبتها اليهودي البالغ حسب الترتيب التالي: يضع الصندوق الأول على ذراعه اليسرى ويثبته بسير من جلد يُلَف على الذراع ثم على الساعد سبع لفات ثم على اليد، ويُثبَّت الصندوق الثاني بين العينين على الجبهة بسير أيضاً كعصابة حول الرأس، ثم يعود ويتم لف السير الأول ثلاث لفات على إصبع اليد اليسرى، ويُزال بعد الصلاة بالنظام الذي وُضع به. ويرتدي اليهودي تمائم الصلاة بعد ارتدائه شال الصلاة. وتُرتَدى التفلين أثناء صلاة الصباح خلال أيام الأسبوع، ولا تُرتَدى في أيام السبت والأعياد.

( 3) تسمى هذه الأكلة "جفيلطع" باللغة الييديشية التي كان اليهود يتحدثون بها في أوربا  في القرن الثامن عشر، وهذه الأكلة مشهورة لدى اليهود الإشكناز، وهي عبارة عن سمك محشي بأنواع أخرى من السمك المجفف والمطحون.

(4 ) التناخ: هو كتاب اليهود المقدس، ويتكون من أسفار التوراة الخمسة، إضافة لأسفار الأنبياء، والجزء الثالث يسمى أسفار المكتوبات، وهو ما يطلق عليه "العهد القديم" للتفرقة بينه وبين "العهد الجديد" كتاب المسيحيين المقدس.

ــــــــــــــــــــــــــ

لمتابعة الكاتب على تويتر: @MoHendam

 

 

 

محمد عبد الدايم*

تحكي الأسطورة المعروفة بـ«اليهودي التائه» أن إسكافيا يهوديا يُدعَى “كارتافيلوس”، طلب منه المسيح، وهو يحمل صليبه، جرعة ماء، ولكن الإسكافي ضربه واستهزأ به، فتنبأ له المسيح بالتيه إلى أن يعود، وبالفعل حلت على اليهودي لعنة جعلته يجوب بقاع الأرض إلى أن يعود المسيح مرة أخرى، ومن هنا سُمِّي اليهودي التائه. وقد بدأت الأساطير المستوحاة من هذه الشخصية الغريبة في الظهور في القرن الثالث عشر.

وظل اليهودي التائه رمزاً لما يسمى بالشعب اليهودي، الذي يقف شاهداً على التاريخ من وجهة نظر اليهود، منبوذاً من الجميع، ومن وجهة نظر المعادين لليهود شعباً منبوذاً.

وفي أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، تحوَّل اليهودي التائه بدوره إلى رمز للإنسان المغترب الذي يرفضه المجتمع بسبب تميُّزه ووقوفه ضد الظلم،  وانجذب الكثير من الأدباء والمثقفين للأسطورة، وأصبحت موتيفا في كثير من الأعمال الشعرية على وجه الخصوص، فقد استخدمها شعراء كبار كـ “مولر” و”شوبرت” من ألمانيا، و”روبرت وليام بيوكانان” من اسكتلندا، إضافة إلى أعمال نثرية لأدباء ألمان وانجليز وفرنسيين، فلم يعد التائه يهوديا فحسب، وإنما أصبح الإنسان تائها في عالم من الظلم والشك والتيه.

واستغلت أدبيات الفكر والفلسفة والإعلام اليهودية هذه الأسطورة، إضافة لسياسات روسيا القيصرية بحق اليهود في القرن التاسع عشر، وبعدها أحداث النازي التي أصبحت أكبر ورقة ضغط يهودية على العالم الغربي.

استندت الصهيونية كفكر ومنهج على هذه الأحداث، مغلفة إياها بأسطورة اليهودي التائه المنبوذ لتميزه وأفضليته على غيره من أصحاب الديانات الأخرى، وجعلت من اليهودية كديانة مطية لأهدافها الاستعمارية، التي ترتكز على ابتزاز العالم للحصول على أكبر نسبة من المكاسب المادية والمعنوية، وذلك بالترويج لما تدعيه بـ”معاناة اليهودي في العالم”.

ويعتبر الشاعر والمفكر اليهودي الإسرائيلي “أبا كوفنر” (1918 – 1987) أحد المفكرين والأدباء اليهود الذين استغلوا تلك الأفكار والأحداث لمصلحة الفكرة الصهيونية القائمة على الابتزاز وجر التعاطف العالمي.

“أبا كوفنر” شاعر وأديب يهودي إسرائيلي، وُلد بأوكرانيا، وهو أحد يهود «جيتو فيلينيوس» (عاصمة ليتوانيا حاليا، وكانت أحد أشهر مراكز التجمع اليهودية في أوربا الشرقية)، اندمج في حركات يهودية سرية غير نظامية للانتقام من الألمان بعد الحرب العالمية الثانية، حيث انضم لمجموعة كانت تسمى «المنتقمون»، وسعت لتصفية كوادر النازية، بعدما سقط هتلر، حيث سعى اليهود في هذه المجموعات للانتقام مما سُمي بالمحرقة.

أبا كوفنر قائدا لإحدى هذه المجموعات السرية، وكان معروفا عنه أنه قائد ذو كاريزما خاصة، وكان خطيبا مُفوها، كما شارك كضابط في حرب 1948، وشارك في تأسيس متحف في حرم جامعة تل أبيب، والذي افتُتِح عام 1987، ويعرض ما يسمونه “تاريخ الشعب اليهودي عبر العصور”.

بدأ كوفنر ينظم الشعر في مراحل مبكرة من عمره، وتركزت أعماله في وصف ما يصفه اليهود بإبادة الشعب اليهودي في أوربا على يد النازي، ومعاناة اليهود في الجيتوات، وفي الخمسينيات من القرن الماضي بدأ في نشر أعمال نثرية، وأُطلق عليه في إسرائيل لقب «شاعر المحرقة»، لأن معظم أعماله الشعرية تركزت على وصف ما يدعونه معاناة وإبادة اليهود خلال أحداث النازي.

ومن قصائده الشهيرة التي يتحدث فيها عما يُروج له بـ”معاناة اليهود في العالم” قصيدة “من هو اليهودي”، ويقول فيها:

من هو اليهودي

اليهودي هو من يرغب في أن يكون يهوديا /  وهو يهودي رغما عنه

اليهودي هو من يؤمن إيمانا كاملا / واليهودي هو من يتشبث بعقيدة ممزقة

اليهودي هو من يضع الطليت(1 ) والتفلين(2 ) / واليهودي هو من يلقي الطليت والتفلين

اليهودي هو من يلقى صعوبة في كونه يهوديا / ومن يكافح ليكون شيئا آخر

اليهودي هو محتال/ نجح في خداع نفسه

اليهودي هو من وُلِد لأم يهودية/ واليهودي هو من لا يعرف أين قبر أمه

اليهودي هو من حرر نفسه من القيود/ واليهودي هو من قيد نفسه

اليهودي هو من أورث للإنسانية السمك المحشو( 3) الأصلي/  وكتاب التناخ(4 ) مترجما

اليهودي هو من يكتب من اليمين لليسار/ وهو من ينبذه يسار العالم ويمينه

اليهودي هو من تشكلت دائرة إبداعه بحروف مربعة / ومازال وجوده مستحيلا

اليهودي هو من لا يختلف عن بقية أمم العالم / باستثناء أنه معزول عنها

اليهودي هو من يكرهه الآخرون خفية / واليهودي هو من يكره نفسه على رؤوس الأشهاد

اليهودي هو من استمات لاستحضار العالم لبيته / واليهودي هو من يجب عليه أن يستميت على بيته

اليهودي هو من يستطيع أن يسأل/ واليهودي هو من لا يستطيع أن يسأل حتى يسمحوا له”.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الطليت( شال الصلاة):  رداء أو عباءة مستطيلة الشكل لها أهداب في أركانها الأربعة، يلفها اليهودي على كتفيه أثناء الصلاة، وكان يُصنع قديماً من الكتان أو الصوف، وعادة ما يكون لونه أبيضاً، وأصبح ضرورياً أن يرتديه الرجال عند الصلاة، ويصنعوه من اللون الأبيض تتخلله خطوط زرقاء، ويرتديه العريس اليهودي في يوم عرسه، كما يُدفن اليهودي المتدين به، بعد إزالة الأهداب، وقد يرتديه والد الطفل أثناء إجراء عملية الختان لابنه. ولهذا الشال في طهارته أحكام خاصة أهمها أنه لا تلمسه النساء، ويخصص له موضع معلوم بالمنزل، ويجب على اليهودي لبسه منذ أن يبلغ سن التكليف بالعبادة وهي ثلاث عشرة سنة.

( 2 ) التفلين: تميمة الصلاة في اليهودية، عبارة عن صندوقين صغيرين من الجلد يحتويان على فقرات من التوراة، ويُثبَّت الصندوقان بسيور من الجلد. يثبتها اليهودي البالغ حسب الترتيب التالي: يضع الصندوق الأول على ذراعه اليسرى ويثبته بسير من جلد يُلَف على الذراع ثم على الساعد سبع لفات ثم على اليد، ويُثبَّت الصندوق الثاني بين العينين على الجبهة بسير أيضاً كعصابة حول الرأس، ثم يعود ويتم لف السير الأول ثلاث لفات على إصبع اليد اليسرى، ويُزال بعد الصلاة بالنظام الذي وُضع به. ويرتدي اليهودي تمائم الصلاة بعد ارتدائه شال الصلاة. وتُرتَدى التفلين أثناء صلاة الصباح خلال أيام الأسبوع، ولا تُرتَدى في أيام السبت والأعياد.

( 3) تسمى هذه الأكلة “جفيلطع” باللغة الييديشية التي كان اليهود يتحدثون بها في أوربا  في القرن الثامن عشر، وهذه الأكلة مشهورة لدى اليهود الإشكناز، وهي عبارة عن سمك محشي بأنواع أخرى من السمك المجفف والمطحون.

(4 ) التناخ: هو كتاب اليهود المقدس، ويتكون من أسفار التوراة الخمسة، إضافة لأسفار الأنبياء، والجزء الثالث يسمى أسفار المكتوبات، وهو ما يطلق عليه “العهد القديم” للتفرقة بينه وبين “العهد الجديد” كتاب المسيحيين المقدس.

ــــــــــــــــــــــــــ

لمتابعة الكاتب على تويتر: @MoHendam

مقالات من نفس القسم