“النباتية” لـ “هاي كانغ”.. أن تقاوم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 57
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

شيرين فتحي

يقولون أن أي كائن حي يتطبع على حسب طعامه، فآكلو اللحوم كالأسود والنمور والنسور أكثر الحيوانات وحشية، بينما آكلو الحبوب والعشب الأخضر كالغنم وأغلب الطيور والأرانب كائنات مستأنسة ومسالمة. بعض الناس يرون إنعكاسا لتك النظرية على البشر، فالشعوب التي تأكل الكلاب والثعابين مثلا لها طباع مختلفة عن محبي الدجاج ولحوم الغنم أو الأسماك، كذلك النباتيون الذين يمتنعون تماما عن تناول كل ما هو من أصل حيواني يعتبرون أنفسهمم أقل عدوانية.

 اتباع الناس لحمية النباتية له أسباب متعددة، بعضهم يتبعها رغبة في فقد الكيلو جرامات الزائدة أو لاعتقادهم بأنها تحسن الصحة وتطيل العمر، بعضهم يتبعها من باب التقليد, البعض الآخر قد يتبع تلك الحمية لأسباب أخلاقية وربما دينية، يظهر هذا في بعض الدول كالهند التي تبلغ نسبة النباتيين فيها ٤٠٪ .

يرجع الأمر لانتشار الديانة الهندوسية هناك والتي تحرم ذبح البقر وتناول لحومها تماما. وفي البوذية أيضا هناك قاعدة لتجنب القتل عموما سواء كان هذا القتل لإنسان أو حيوان. بعض الناس تعتقد أن الإنسان أصله نباتي لأنه لا يملك إلا نابين صغيرين جدا بينما معظم أسنانه صغيرة ومتساوية وكأنها مهيأة لتناول الحبوب والخضروات أكثر من أي شيء آخر، هذا بالإضافة لاعتقاد البعض بأن تناول الأطعمة النباتية أمر يؤثر على أخلاق الإنسان وسلوكه، فيمنعه من العدائية والتوحش الذي تمتاز به آكلات اللحوم لينضم إلى الفئة الأكثر سلاما وهدوءا من آكلي النباتات.

 في رواية النباتية للكاتبة الكوريه هاي كانغ تحكي عن زوجة شابة هي يونج هيه والتي تقرر في أحد الأيام أن تصبح نباتية وتمتنع تماما عن أكل اللحوم وكل ما هو من أصل حيواني.

تمر حياة يونج هيه بطريقة شبه عادية إلى اليوم الذي تقرر فيه أنها ستمتنع عن تناول اللحوم تماما وتتبع حمية نباتية، كان قرارها صادما بالنسبة للزوج الذي استنجد بأهل زوجته كي يحاولوا إثناءها عن قرارها الذي لا يراه جيدا بأي حال، خاصة وقد امتنعت عن معاملته كزوج لأن رائحة اللحوم تفوح منه على حد قولها. يفشل الجميع في إقناعها بالعدول عن قرارها حتى بعدما يعاملها الأب بوحشية ويطلب منهم تقييدها لحشر قطعة من اللحم عنوة في فمها فتصرخ فيهم وتمسك سكينا تجرح به يديها اعتراضا على قسوتهم. كلما سألها أحد عن سبب ذلك التحول لا ترد سوى بكلمتين فقط : رأيت حلما …. لتدخل بعدها في نوبة شرود وصمت تام.

امتناع البطلة عن الكلام طوال الرواية التي تظل فيها صامتة أغلب الوقت إلا من كلمة أو اثنتين على الأكثر كلما تطلب الأمر، كان أحد أنواع التماهي مع الطبيعة النباتية، فالنبات هو الكائن الوحيد الذي لا يصدر صوتا فلا يتحدث كالإنسان، ولا يزمجر أو يموء كحيوان ولا حتى يصدر أزيزا أو طنينا كبعض الحشرات. إنه صامت تماما كأنه غير موجود.

رفض البطلة لتناول اللحوم والتحول إلى النباتية كان تعبيرا عن رفض العالم ككل، رفض القسوة التي رمز لها الكاتب بصفعات الأب منذ الطفولة، وتعذيبه لكلب عض أحدهم في الصبا فعذبه حتى قتله ثم أجبرهم على مضغ لحمه بعد تسويته. مرورا بزوج بارد لا يقتنع بأن امرأته أكثر من مجرد زوجة عادية لا يرى فيها أية ميزة تفرقها عن غيرها … ولم يمنعه أي شيء من التهجم عليها في كل مرة تمنعت عنه فيها..

 الرواية مفعمة بالمشاعر والألوان والهدوء وكأنها تتساءل لو كان بإمكاننا أن ننسحب من العالم بكل هذا الهدوء، أن نمد يدينا إلى الأعالي ونفتحهما عن آخرهما باتجاه الضوء وندور كما لو كنا نبتة دوار الشمس أو حتى أن يقف الواحد من بوضع معكوس، يحفر بيديه في الأرض حتى يثبتهما كجذور ويسند رأسه إلى الأرض وينتصب بساقين مستقيمتين تطوحهما الرياح كيفما شاءت. لو كان بإمكاننا أن نصبح جزءا من تلك الطبيعة الصامتة حولنا، نقطة في بحر، أو حفنة من الرمل، أو مجرد نبتة بسيطة تمنح نفسها للآخرين دون رفض أو مقاومة وترحل بعدها تاركة بذورا صغيرة تعيد دورها وتبتدئ دورة حياتها من جديد.

كان تماهي البطلة الأخير مع النبات هو آخر حيلة للخروج الآمن.

 

مقالات من نفس القسم