حصاد عام 2023 فى الرواية.. شواغل مشتركة تتأرجح بين قراءة التاريخ واستشراف المستقبل

محمد سليم شوشة
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

د. محمد سليم شوشة

حين نحاول الوقوف تقييمياً مع مجمل إنتاجنا من الإبداع الروائى لعام 2023 نلحظ عدداً من الظواهر اللافتة، ويمكن أن تكون النظرة الإجمالية لإنتاج أدبى بعينه كاشفة عن عدد من الشواغل المشتركة أو الظواهر الأدبية المتكررة، ويمكن أن تكون دالة على المسارات التى يتحرك فيها العقل الإبداعى أو العقل الجمعى والضمير الإبداعى لمجتمعٍ بعينه.

وقد أشار أحد النقاد الغربيين إلى فكرة مهمة عن علاقة الإبداع بالتغذية، وأن الأمم والمجتمعات إنما تلبى عبر إبداعها حاجات معرفية معينة وتميل إلى مسارات بعينها لتعالج قصوراً أو نقصاً لديها نحو فكرة معينة أو رغبة جماعية بعينها. ويمكن كذلك أن تكون هذه النظرة الإجمالية الفاحصة كاشفة عن الثوابت والمتغيرات، كاشفة عن المسارات والنوافذ الإبداعية التى تمثل معيناً ومنبعاً متجدداً وأخرى تمثل مساحاتٍ وفضاءاتٍ جديدة خصبة اتجه العقل النقدى إلى التنقيب فيها واستكشافها.

ومن بين ما يمثل الخط الثابت لدينا تجربة الأديب الكبير كمال رحيم الراحل فى هذا العام، حيث قدم رواية «دكاكين تغلق أبوابها» عن دار العين فى آخر الأعمال التى صدرت فى حياته، وهى رواية تؤكد مساره الخاص ومشروعه فى استكشاف مساحات مجهولة من التاريخ الاجتماعى والأنثربولوجى داخل أعماق الحياة المصرية فى الستينيات والسبعينيات، وكما تتأكد فيها قدرته على استيلاد الجمال السردى من التفاصيل الحياتية الصغيرة للإنسان المصرى والقدرة على التنقيب عن كل ما هو إنسانى فى ودال فى هذه التفاصيل تتأكد كذلك طريقته الخاصة فى السرد وإمكانات التكوين والتشكيل السرديين لديه وكيف يمكن أن يوظف تقنيات جديدة مثل منظور مغاير أو غير تقليدي، وكيف يمكن أن يتم تصوير عالم كامل من منظور طفل صغير، وكيف ينعكس ذلك المنظور الخاص على الأبعاد النفسية والاجتماعية، وكيف تتشكل المفارقات والاختلافات فى النوازع والرغبات بين البشر، مما يشكل فى النهاية سرداً فى غاية الثراء وقابلاً لأن تتم دراسته وفق معيطات تنظيرية عديدة، كما يصبح قادراً على منح المتعة السلسة للقارئ بكل مستوياته تقريباً.

ويبدو كمال رحيم فى روايته هذه مختلفاً تماماً عن السائد ويقدم سرداً نفسيا ًمتميزاً ويتسم بعمق شديد، ويقارب حالاتٍ فى غاية الحساسية عن بعض مظاهر الطائفية فى حقبة السبعينيات أو الانفتاح وكذلك تحولات الريف المصرى وقضاياه وبعض إشكالاته المتجذرة عن الشرف أو فضائح المجتمع وأزماته، ولكن عبر تشكيل سردى يتسم بالإنسانية والسخرية والطاقات الفكاهية الكبيرة.

ومن أصحاب المشاريع المستقرة روائياً ولها طريقتها الخاصة كذلك ريم بسيونى التى أصدرت عن نهضة مصر «رواية ماريو وأبو العباس»، حيث تبدو مشغولة بالتنقيب فى التاريخى والشخصيات ذات المرجعية الحقيقية، لتعيد قراءتها وقراءة زمنها وتنقب فى هذه المساحات التاريخية التى تكشف لنا عن قدر ثرائها وإمكانات التشويق والمتعة المعرفية فيها، ونلاحظ طريقتها فى الربط بين أزمان مختلفة عبر محور مكانى أو مخطوط، وكما فعلت فى القطائع والحلوانى والربط بين زمنين وشخصيات مختلفة وعصور تبدو متباعدة استناداً على المكان الدينى كما هى الحال بالنسبة لمسجد ابن طولون أو مدينة القطائع أو مدينة القاهرة فى نشأتهما الأولى تفعل الأمر نفسه وتبدو مغرمة بالبناء والأثر الدال على تاريخ البشر وأفكارهم ومساراتهم فى الحياة، وتستمر لديها كذلك خطوط درامية مهمة وثرية مثل قصة الحب التى توظفها فى أعمالها دائماً بشكل لافت وبعمق إنسانى يكشف عن محورية الحب والرغبة وكيف أنه يصبح محركاً وباعثاً درامياً مهماً، ولكنها فى هذه الرواية الجديدة تبدو مشغولة بدرجة كبيرة بالتصوف والربط بينه وبين الهندسة والبناء، عبر شخصيتين متباعدتين لكننا معها دائماً ما نكتشف قدر القرب والتشابه بين هذه الأشياء المتباعدة أو الشخصيات شديدة الاختلاف فى النظرة الأولى، وتستمر لديها كذلك حيل التشويق والبناء الدرامى المحكم والعناية بالتفاصيل والتنقل السلس والمنطقى بين عصور مختلفة بينها روابط خفية يكشفها السرد الذى يصبح سرداً مفكراً أو سردياً فكرياً لا يتخلى أبداً عن وظائفه وأدواره الجمالية الأساسية.

وفى منحى جديد نسبياً وشاغل مشترك مختلف بدرجة ما تماماً عن السابق، نجد أن اثنين من الروائيين المصريين قد ركزا على المستقبل وعلى قراءة أثر التكنولوجيا والميديا ووسائل التواصل الاجتماعى وتضخم أدوار الذكاء الاصطناعى فى حياتنا، وذلك عبر صوتى كل من الروائى الكبير أحمد صبرى أبو الفتوح الذى أصدر روايته الجديدة «صاحب العالم» عن دار الشروق ويبدو فيها مشغولاً بدرجة كبيرة بأثر تلك الثلة من البشر الذين يقودون العالم أو يسخرون كل شيء لخدمة أهدافهم ومصالحهم، ويركز على الفوائد الاقتصادية وحالات الاستعباد الجديد للبشر والتحكم فيها عبر السيطرة على بياناتهم ومعلوماتهم وربطهم بقوة بكل ما هو جديد فى هذه الوسائل، وكيف أنها تتحول مع الوقت إلى وسائل للتجسس وتحريك الناس واستغلالهم حسب المصلحة العليا لصاحب العالم، وهى رواية تجمع بين الواقع والفنتازيا وتتأرجح بين العلم والحقيقى وبين التخييل والاستشراف للمستقبل وتأخذ إطاراً بوليسياً مشوقاً وتتقدم فى مسار حل اللغز عبر تقنيات سردية تتسم بالإحكام والوعى الفنى اللافت. وفى الرواية ملمح متميز يختلف تماماً عن السائد يرتبط بالأبعاد النفسية والسيميائية للتعلق أو الحب والشغف بالآخر وحالات من الانجذاب للرجل أو للمرأة، وكيف تكون المراقبة عن بعد سواء للفرد المحب أو للجماعات أو المجموعات البشرية، فى حياة تهيمن عليها تماماً علامات وإشارات المراقبة والتلصص على الآخر واختراق الحدود والحواجز الشخصية ومساحات الخصوصية بين البشر.

وتبدو قريبة من هذه الشواغل والاهتمامات كثيراً رواية «يونيفرس» لرضوى الأسود الصادرة عن دار العين، وهى أقرب للدستوبيا التى تتأرجح بين الخيال العلمى واستشراف المستقبل وتدور فى زمن مستقبلى تماما، وتعود إلى مساحاتٍ من الماضى أو من الحاضر الذى أصبح ماضياً بالنسبة لزمن الرواية وأجوائها، وتبدو فى هذه التجربة مختلفة كثيراً عن تجاربها الإبداعية السابقة، فانشغلت بالمستقبل وبالخيال العلمى والمعلومات الطبية والدوائية والأوبئة بخلافها شواغلها التى كان نسبياً تميل إلى التاريخى والسياسي، وإن ظلت فى روايتها هذه مشغولة بالسياسة على نحو مختلف عبر إشارات معينة للحاضر أو عبر انشغال تام بالسياسة العالمية وفكرة توظيف العلوم والتكنولوجيا للتحكم فى البشر واستعبادهم على نحو خاص وجديد وبشكل متدرج حتى لحظة إبادتهم أو القضاء على أرقام ضخمة منهم فى أجواء كابوسية يهيمن عليها الموت والمؤامرة، وتتضاءل المقاومة والحفاظ على النبل والمعانى الإنسانية وتستمر المرأة وحدها ممثلة فى نموذج ميريت بطلة الرواية التى تبدو أقرب لضمير حى للبشرية عبر تربية خاصة تتسم بالأصالة، وهكذا تستمر المرأة لدى رضوى الأسود كما فى رواياتها السابقة ضميراً حياً ونموذجاً للحفاظ على القيم والمبادئ، وتستمر كذلك قصة الحب بأثرها الدرامى الذى يخفف من وطأة هذه الحياة الكابوسية على المتلقى وتمنح الرواية أجواء ألطف ومساحاتٍ أهدأ وتتسم بالحميمية والعمق، وتقود الرواية نحو تفسيراتٍ لبعض الأسئلة الوجودية مثل المقاومة بالحب بدلا من المقاومة بالطب والكيمياء، والمقاومة بالمبادئ والإيمان بالحياة حتى النهاية، وكذلك صراع الزيف والحقيقة أو الصراع الأبدى بين الصدق والكذب، وغيرها من الأسئلة والأفكار الثابتة التى تتم معالجتها سردياً على نحو جٍديد فى إطار هذه الدستوبيا الروائية والخيال العلمى الذى يحمل أبعاداً أيديولوجية كثيرة ربما تكون قد أثقلت كاهل السرد فى بعض مساحاته.

كما يستمر سامح الجباس فى روايته «بوستة عزيز ضومط» الصادرة عن دار العين فى التركيز على اتجاهه ومساره الذى يميل إليه من التنقيب عن الشخصيات التاريخية والحقيقية التى يثبت عبر سرده ورواياته أننا نجهل عنها الكثير وأنها شخصيات مشحونة بالألغاز والغرابة، وعلى نحو ما كان فى روايته السابقة رابطة كارهى سليم العشى يكشف عن ألغاز شخصية حقيقية مجهولة يفعل الأمر نفسه فى روايته الجديدة «بوستة عزيز ضومط» ولكن على نحو أكثر وعيا وخبرة وبتركيز على حياة كاملة، يبدو فيها مشغولا بتاريخ السينما والمسرح والحياة الأدبية فى حقبة الثلاثينيات والأربعينيات، وكاشفا كذلك عن الارتباط بين الآداب والفنون وبين السياسة والاستعمار والصراع بين الدول والأجهزة المخابراتية وكيف أن الأدب والإبداع كان فى منتهى الأهمية والخطورة بالنسبة للدول المتصارعة على نحو ما نجد فى حال الصراع بين إنجلترا وألمانيا وبحث إنجلترا فى الأدب الألمانى وأسماء الأدباء والمرشحين لجائزة نوبل، وعلاقة كل ذلك بالصهيونية العالمية والصراع على أرض فلسطين وتهويدها، متوسعاً فى توظيف سرد الرسائل والمذكرات على نحو مدهش من تمثيل التكوين الذهنى والنفسى والاجتماعى لصاحب الصوت الرسائلى أو الصوت التدويني، وعاكسا بحرفية كبيرة اختلاف المرجعية التاريخية والدينية والثقافية والعرقية بين شخصية وأخرى، أو بالأحرى بين صوت وآخر.

ويستمر كذلك الروائى الكبير ناصر عراق فى روايته الجديدة «أنا وعمى والإيموبيليا» الصادرة عن دار الشروق فى تتبع الشخصيات التاريخية والحقيقية التى يظل وراءها الكثير من المجهول أو الغامض والغريب من الأحداث، وهو ما يبدو قريباً بدرجة كبيرة من المسار الذى يمضى فيه من قديم فى بعض أعماله السابقة وقريباً كذلك من مسار بعض الروائيين المصريين الآخرين كما رأينا لدى ريم بسيونى وسامح الجباس وغيرهما، لتتأكد ظاهرة إعادة قراءة التاريخ سردياً فى الرواية المصرية والعربية بشكل عام، وفى روايته يبدو ناصر عراق مشغولاً بالسياقات العالمية وبانفتاح المشهد وتداخل الأبعاد الحياتية المختلفة حيث ترتبط السياسة بالفن بالعلوم والآداب وتتداخل حياة الشخصيات وتتقاطع الأحداث، ويبدو فى روايته كذلك مؤرخاً بشكل خاص للسينما عبر نقطة انطلاق هى وحدة المكان وعمارة الإيموبيليا بما كانت تحوى من العلامات البارزة فى حياتنا الفنية وبما تضمن من الإشارات التاريخية والسياسية المهمة، ويحافظ ناصر عراق على أسلوبه السردى القائم على الطابع الاستكشافى وسرد اللغز أو البحث فى الغامض فى أجواء أقرب إلى التشويق البوليسى الذى يعتنى بالشكل الفنى والتقنيات السردية بمثل ما يركز على الفكرة أو على المضمون، ليجمع بين جمال البنية أو الشكل الفنى وبين المحتوى وقيمته أو فوائده المعرفية والتحريض على قراءة الماضى والبحث فيه وإعادة استكشاف جوانب غامضة منه.

وعقب رحيل الروائى حمدى أبو جليل مباشرة صدرت له رواية «ديك أمي» عن دار الشروق، وفيها تكتمل ملامح مشروع حمدى أبو جليل الروائى وتتجلى خصوصيته الناتجة عن أكثر من بعد وملمح فى هذا الإبداع، أبرزها: المزج بين الذاتى والعام، وتوظيف الشكل السيرى الذاتى بشكل متميز ليؤرخ للبدو الذين اندمجوا فى متن الحضارة المصرية وبخاصة فى قبيلته الرماح فى الفيوم وشمال الصعيد، ويبدو مؤرخاً على هامش هذا التدوين لحقبٍ من تاريخ مصر وصراع المصريين ضد الاستعمار والفقر ورصد كثير من ظواهر المجتمع المصرى اقتصادياً وثقافياً وتعليمياً وزراعياً وسياسياً، فيؤرخ لمراحل تطور الحياة الاجتماعية ومستجدات الحياة المصرية بشكل عام فى وسائل المعيشة والتعليم والاغتراب والتداخل مع مجتمعات أخرى مجاورة أو فى أوروبا، ويبدو ميالاً للتأريخ للإنسان المصرى بالأساس، ومؤرخاً للمرأة ولنموذج الإنسان المكافح أو المناضل أو الباحث عن الاستقرار ويؤمن بالحياة والتحضر أينما كانا، ويرصد أثر العادات والتقاليد وأثر الجغرافيا وصراعات البشر واختلاف طبائعهم وتحولات اللغة، ويتجلى لديه قدر من التجديد والرغبة فى التجريب والمغامرة سردياً وكشف أمراض المجتمع وتعريتها وبخاصة الرجعية الدينية التى استشرت فى المجتمع المصرى فى أواخر السبعينيات ووصلت ذروتها فى التسعينيات. وتتجلى لدى حمدى أبو جليل جرأة الفكرة والانتقاد الواضح لأوضاعٍ اجتماعية مغلوطة ويركز على دور المرأة وطابعها الحضارى المتجذر أو الأصيل فى تكوينها الإنساني، فتبدو المرأة لديه مانحة للحياة أو تقوم الحياة عليها بشكل كامل.

وفى روايته الجديدة العروس الصارة عن دار ديوان نجد حمدى الجزار ميالا إلى هذه التركيبة من الصراع الاجتماعى والتحولات الثقافية والمعرفية المرتبطة بالطبقة الوسطى والطبقات الشعبية، ونجده ميالا إلى التنقيب فى حفريات المكان والبحث فى شخصياته وأنماطه الإنسانية راصدا مراحل تنامى التجربة الإنسانية وتطور الإنسان معرفيا وصراعه ليحدث تحولا فى طبقته أو ليتقدم درجة فى المجتمع، فى صراع اجتماعى ونزعة درامية تأخذ شكلا عصريا يقارب عناصر اجتماعية معقدة ومتشابكة يتداخل فيها الاقتصاد مع الإعلام مع الثقافة والتعليم والحياة الأدبية مع الفن بأنواعه المختلفة من رقص شرقى ونحت وغناء وموسيقى وغيرها من الفنون المختلفة التى يقاربها فى إطار من الإيحاء والرمزية والسرد الذى يميل إلى الطابع التصويرى والسينمائى والحركي، ويحتفى بعناصر المكان وأشيائه ويحتفى بالمكون البصرى على نحو واضح وثرى فى استثمار جمالى يجعل المتلقى كما لو كان يتابع مشاهد دقيقة التفاصيل واضحة القسمات من ألوان وحركة وفضاءات ومساحات وتصوير دقيق لمشاعر الإنسان وما يموج بداخله أو ما يصدر عنه من أفعال وحركات فيما يبدو قريبا أو شبيها برصد الكاميرا، ويصور ويقارب حالات من الانتهازية وحالاتٍ من الحب وانكسارات البشر تحت وطأة الزمن وضغوطه وإشكالاته المختلفة التى تنبعث آثارها على التكوين النفسى والداخلى للإنسان رجلاً أو امرأة. كما نجد فى روايته ظلالاً للرمزية الدالة على الاستخدام والاستغلال وطحن البشر عبر وسائل مٌستحدثة من الاستعباد أو التوظيف، ويطرح نماذج إنسانية تتسم بالغرابة أو الطرافة مما يجعلها لافتة للانتباه وجاذبة لوعى المتلقى مثل نموذج الرجل أكال الورد أو شخصية المالك المتخفى الذى يحرك الممتلكات ويوظف الشخصيات من وراء حجاب أو بتخفٍ ولعب يجعله فوق البشر قليلاً فى طباعه بما يوحى بنموذج تشخيصى حديث قد يستند فى مرجعية تكوينه إلى جبلاوى نجيب محفوظ مثلاً، ولكن عبر طرحٍ مغايرٍ ومتجدد بما يتناسب مع السياقات الجديدة التى يقاربها عالم رواية العروس.

وفى رواية «رصاصة الدلبشانى» للدكتور إيمان يحيى الصادرة عن دار الشروق نجده ميالا إلى مقاربة التاريخ لكن عبر زاوية خاصة به تبدو مغرقة فى قراءة الأيديولوجيا السياسية وتحولات السياسة وقراءة السياق العالمى وانعكاسه على الواقع المصرى فى حقبة العشرينيات وثورة 19 وما بعدها، ويتجلى بقوة انشغاله بحركة اليسار ونموه أو تصاعده فى الحياة السياسية المصرية وكيف كانت نوازع الصراع ضد الاستعمار وتحقيق الذات الجماعية أو تحقيق الاستقلال والنهضة المصرية وكيف نشأت حركات سياسية بشكل تدريجى من أعماق المجتمع بين الطلاب والمتعلمين والعمال فى نمو طبيعي، وفى المقابل كيف كانت هناك مخططات لمقاومة هذا اليسار بشكل دولى واسع انعكس بالطبع على الحالة المصرية التى كانت معقدة ومتداخلة بين الحكومة والدستور والأحزاب وبين القصر/الملكية وبالطبع الاستعمار والقوى الدولية الأخرى التى اتضح أنها كانت أكثر تأثيراً وفاعلية فى المشهد السياسى من أى قوة أخرى، وعبر حادثة محورية هى محاولة اغتيال الزعيم سعد زغلول يشكل إيمان يحيى ملامح هذا العالم الروائى الذى ينقله لنا بتفاصيله وأبعاده ورجاله أو نماذجه الإنسانية المتنوعة بين المؤامرة والعمالة أو الأيديولوجيا الغريبة أو غير الوطنية والانحيازات المختلفة، وبين البراءة والمثالية والطموح والرغبة فى تحقيق الذات والانتصار للوطن.

……………….

*عن أخبار الأدب

مقالات من نفس القسم