رحلة الإبداع عبر الشعر والتشكيل في ديوان “كحلم على ناصية الموج”

"كحلم على ناصية الموج"
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

عبد النبي بزاز

تواصل الشاعرة والفنانة التشكيلية المغربية سناء سقي تجربتها الإبداعية المتمثلة في مزاوجتها بين الشعر والتشكيل في منجز ثاني موسوم ب “كحلم على ناصية الموج” الصادر حديثا ( 2022 ) بعد ديوانها السابق “أجراس السنديان” ( 2018) في رسم لمعالم أفق إبداعي يتلاقح فيه الشعر والتشكيل عبر نسق من تواصل وتناغم وانصهار تداخلت فيه اللغة باللون لتشكيل مزيج فني أرست أسس أولوياته الإبداعية الشاعرة / التشكيلية سناء سقي، وتماهت مع رؤاه الفنية، وأبعاده الجمالية من خلال تعدد مصادر ومنابع ديوانها ( أدبية، فكرية، فنية، دينية…)، وتنوع أدواته ( لغة، ألوان ) في نحت صور وصيغ تنأى عن المألوف، وتشذ عن ضوابطه و مواضعاته الأجناسية والنوعية بنهجها التوليفي كما أشار إلى ذلك مُقدِّم الكتاب الأديب المغربي حسن البقالي: ” تواصل الشاعرة والفنانة التشكيلية سناء سقي رحلتها الإبداعية عبر الطريق المزدوج الحامل لكلتا اللوحة والقصيدة كأيقونتين مغريتين، ونشاطين تخييليين مشبعين بالرؤى، مكتنزتين بالصور والاستعارات. ” ص 7، وهو تقديم صيغ بدقة لرصد رحلة المبدعة، والكشف عن عمق منجزها الفني بنَفَسه التجديدي، وحسه التجريبي في المزج بين القصيدة واللوحة مما أفرز ( أيقونتين مغريتين ) مركزا على استمرارية التجربة ( تواصل الشاعرة والفنانة التشكيلية سناء سقي رحلتها الإبداعية… )، واجتراحها، المبحر في يم فني و جمالي يروم الغوص في الأعماق بغية الاكتشاف والاستجلاء، ل (نشاطين تخييليين مشبعين بالرؤى، مكتنزين بالصور والاستعارات ) حيث تتأسس رؤية خلق مشبعة بزخم تخييلي لصياغة ورسم لون كتابة يتجاور فيها الشعر بالتشكيل في تداخل وتلاقح تتداعى معه الحدود الفنية، وتتهاوى الأنواع الأدبية بفوارقها وأنماطها المعهودة، وذلك ما تبوح به المبدعة في ثنايا منجزها في النص الأول ( كحلم على ناصية الموج ): ” عاشق بين رؤيا الألوان يغازل كلمات تكابر الدهشة والأحزان… ” ص 11، لتأثيث مشهديات رؤيا تمتح من ألوان تغازل الكلمات، ترسم معالم دهشة تتساوق وتتقاطع مع الأحزان في تجشم غمار رحلة مسكونة بفعل اللون: ” كلما بعثرت ألواني أمامي ترسم لوحة ” ص 15، الذي يتواشج ويندغم ومزيج من نور وظل للتعبير عن أفكار يتوهج بها فضاء اللوحة، وتنبض جنباته، وترتسم تجلياته: ” تسيح اللوحة أفكارا…. النور / الظل / اللون ” ص 33، في الكشف عن فعل انشغال واشتغال بطقوس ترميم وتشذيب صورة القصيدة / اللوحة: ” نرسم، نعيد تنقيح أول قصيدة.. ” ص 37.

وتتميز قصائد الديوان بطابعها الشعري من خلال بنائها الإيقاعي والبلاغي والدلالي، وانفتاحها على أجناس أدبية كالحكي بمكوناته من سارد، وحبكة، وشخوص، وأمكنة فضلا عن الشق التشكيلي المتآلف والمتجانس لحد التماهي مع المكمل الشعري. فنصوص الأضمومة ينتظمها إيقاع خارجي في مثل: ” تهوي…سحقا… أو تعرج عتقا… ” ص 23، المشكلة من قافية القاف والألف، وداخلي في: ” نبض…. يتدفق، يورق، ينبثق من إبهامه ودق القلق… ” ص 13، في تكرار لحرف القاف وما يحدثه من جرس ورنة موسيقية تضفي على النص جمالا إيقاعيا. فضلا عن الجانب البلاغي من طباق ( في اتصال وانفصال ) ص 13، وجناس ( مثنى.. مثنى.. ) ص 49، وصور بمجازية الوصف: ” طيفك شلال كلمات تشيخ بين مخارج الحروف… ” ص 24، وبراعة التصوير: ” العبث ينفش ريشه الممتد ” ص 26، مستمدة غناها النوعي، وتنوعها الجمالي، وعمقها الدلالي من معين استعارة تتعدد صورها وأشكالها: ” تزهر قدماه ” ص 33، في استعمالات تشذ عن السائد والمألوف: ” علقت غصة بحلق البحر… تقطع رؤوس القبح بسيف العناق ” 70، ليصير للبحر حلق، وللقبح رؤوس، وللعناق سيف في استعمال بلاغي استعاري يستدعي امتلاك عدة معرفية تأويلية للغوص في أغوارها، واستكناه أبعادها الدلالية والجمالية والتعبيرية، وهو ما يعكس ملكة المبدعة الفنية، وتعدد مصادر إلهامها وتنوعها بين ماهو ديني في منحاه الطقوسي الشعائري كالأذان: ” يرفع أذان الجمعة ” ص 29، والقصصي كقصة سليمان و النملة في سورة ( النمل ): ” قالت نملة: ادخلوا مساكنكم ليحطمنكم…. ” ص 30، دون ذكر نبي الله سليمان في إطار اعتمادها عنصر الحذف كما في العديد من التعابير كقولها: ” وأنا أمر ب ” ص 21، و: ” والشوارع والأزقة التي.. ” ص 34، مما يفتح أمام المتلقي أفق قراءة منتجة تسهم في خلق إرهاصات حس تأويلي لديه حسب مستواه المعرفي وذائقته الفنية، وفي إشارة إلى النبي يونس وقصته مع الحوت: ” كتلك التي ببطن الحوت حين ابتلع ذي النون ” ص 36، وتاريخية في تفاعل، لا يخلو من تحوير، مع أعلام في مجال الفكر كالكندي، والفارابي: ” أقوال الكندي والفارابي… ” ص 50، بطابع جدلي: ” وعيها ينبض.. يحاجج هو سرل…” 32، أو عتبة نص بأبعادها الإيحائية والدلالية: ” يقول ابن عربي من غفل أفل ” ص 40، وما يتضمنه من نَفَس حِكَمي، ليرقى إيقاع التفاعل والتجاذب إلى مستوى العفو والشفاعة: ” لكن جاك فونتاني يشفع لك لحين… ” ص 45، وانفتاح على أنماط أدبية غير مجال انشغالها واشتغالها ( الشعر والتشكيل ) كالمجال السردي بمقوماته وعناصره المعروفة من شخوص، وأمكنة، وحبكة، وسارد، حيث تقول: ” وتبدأ الحكاية برواية… وشخوص وأمكنة… بعيدا عن المسكن.. تكمن الحبكة، ويسوغ السارد المتون… ” ص 24، فضلا عن السارد الخفي والمضمر: ” يقول السارد المضمر ” ص 34، مما يغني متنها الشعري، ويجدد آفاقه الإبداعية فتغدو أكثر سعة وعمقا وانفتاحا.

فديوان ” كحلم على ناصية موج ” إضافة نوعية كرست جهود سناء سقي الشعرية والتشكيلية لرسم معالم كتابة تمتلك روح الخلق والتجديد في بحث متواصل دءوب عن أشكال مستحدثة نابعة من صلب اختيار فني ( شعر وتشكيل ) يرسي دعائم نهجها الإبداعي، وينوع آفاقه ومكوناته التعبيرية والجمالية.

…………………….

ــ الكاتبة: سناء سقي ( شاعرة وتشكيلية )

ــ الكتاب: كحلم على ناصية الموج ( ديوان شعري )

ــ المطبعة: مطبعة بلال / فاس ــ المغرب ( 2022)

مقالات من نفس القسم