المؤثرات.. من تمارين الكتابة

جورج سوندرز
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

جورج سوندرز

ترجمة: غادة مشرف

1

عندما صدر كتابي الأول، تلقيت أسئلة حول مؤثراتي. شعرت بالإطراء! وعلى الفور بدأت الكذب: «شكسبير، ثيربانتس، تولستوي، المسيح، وبالطبع، غاندي». كانت هذه حقيقة، لكن ربما لم تكن هذه الإجابة التي يرغبون بها. لقد أخطأت في تفسير السؤال على إنه «من كنت تتمنى أن تكون الشخصيات المؤثرة بك، هل يجب عليك الآن التحدث عنهم علنا؟».

كانت الحقيقة أقل أهمية وأكثر إثارة للاهتمام.

هذا الرجل، يا إلهي، نعم، له تأثير عظيم. لقد قرأت كل… حسنًا، معظم… أقصد، بعضًا من…

بعد سنوات، عثرت على تمرين عندما بدأت للتو التدريس في جامعة سيراكيوز، وإذا جاز لي التعبير، أنار بصيرتي، كما آمل أن يحدث هنا.

هذه واحدة من مجموعة ما اعتبرت أنه “تمارين سخيفة”، صُممت خصيصا لإخراج طلابي الخريجين من حالة الضيق الكتابية التي نميل جميعًا إلى إحضارها أثناء العملية، والتي يكون فيها كل شئ مهمًا للغاية! وعلينا أن نحصل على كل شيء بشكل صحيح!

 أود أن أقترح أحد هذه التمارين السخيفة وسيشعر طلابي بالشفقة تجاهي، كما تعلمون فهم يعملون بجد ليتحرروا من سخفي تجاه هوياتهم الفنية الصارمة المعتادة. 

إذن هذا هو:

احصل على ورقة كبيرة (أو قم بإعداد جدول بيانات) وقم بإنشاء جدول. يجب أن تشير عناوين الأعمدة إلى سنوات حياتك: يجب أن يكون العمود الأول بعنوان

 « الولادة حتى عمر 5 سنوات»، وكل عمود بعد ذلك يجب أن يمتد لخمس سنوات.

( من 5 إلى 10 سنوات، ومن 10 إلى 15 سنة، وما إلى ذلك، وصولاً إلى عمرك الحالي، وضعهم عبر الجزء العلوي من الصفحة).

يجب تسمية الصفوف الستة في الجدول على النحو التالي:

قصص/ روايات/ موسيقى/ أفلام/ تلفزيون/ تجارب / أشخاص.

قد ترغب في أن تبدو شيئاً مثل هذا:

الآن: املأ الجدول، ضع قائمة بالأشياء التي هزت عالمك حقًا خلال تلك الفترات، في تلك الفئات. عندما كان عمرك بين 5/ 10 سنوات، ما الذي قرأته/ شاهدته/ اختبرته وجعلك مسرورا بشدة؟ ما هو الألبوم الذي كنت مهووسًا به بين سن 15 و 20؟ لا، حقًا.

( يمكنك أيضًا، بالطبع، على سبيل المثال، توجيه انتباهك فقط إلى تلك الفترات وكتابة مقالات قصيرة، أو قوائم ذات تعداد نقطي، حول موضوع الأعمار من 15 إلى 20 عامًا. لكني وجدت أن العمل من خلال الجدول – تركيز انتباهك على الخانات الفردية، واحدًا تلو الآخر- يساعد على جذب ذاكرتنا للتأثيرات التي ربما نسيناها.)

ينصب التركيز هنا على التأثير العاطفي- ما الذي كنت تشاهده بهوس شديد؟ ما الكتاب الذي قرأته لآخر صفحة؟ ما القصة التي كنت تتخيل نفسك دائما فيها؟ ما هي الألعاب التي قضيت وقتًا طويلاً معها؟ ( قد ترغب في الذهاب إلى التجارب) ما هو الشخص الذي يخطر ببالك عندما تفكر في تلك الفترة؟

إذا كنت اليوم قارئًا أو كاتبًا أو فنانًا متعطشًا – فهذا بدأ في مكان ما. لقد شعرت أولاً بميولك الخاصة في مرحلة معينة. شيء ما أثر فيك بشدة – ماذا كان؟

اللعبة هي أن نجعل أنفسنا نفكر بصدق في هذا الأمر. ما الذي غيَّر حقًا الطريقة التي كنت تفكر بها في العالم؟ اعترف بكل شئ. لا تتمسك بأي شئ، مهما كان رخيصا أو متدنيا أو محرجًا.

حاول التخلص من الدافع الذي يتعين علينا جميعًا (بشكل مفهوم!) البحث عنه واذكر فقط التأثيرات الأكثر أهمية/ ثقافة/ روعة. الطريقة للقيام بذلك هي أن ترى ما الذي انجذبت إليه بقوة. ما هي شعلة حماسك في ذلك الوقت؟

لذا جرب ذلك، وبعد الاستراحة، سنتناقش.

2

أي مفاجآت؟ أي شيء كنت قد نسيته، أو كنت محرجًا، تميل إلى التستر عليه؟ ( لم تكن فرقة ذا مونكيز تعني لي شيئًا! لا شيء! على الرغم من ذلك، نعم، حسنًا، لقد حصلت على قبعة مايكل نسميث لعيد الميلاد وعرفت الكلمات لكل أغنية في الألبوم…)

هل هناك علاقة بين هؤلاء الرجال ورواية ” لينكون في الباردو”؟

بالطبع، لأنني أحببتهم ذات مرة.

الهدف من هذا، بالنسبة لي، أنه ربما (ربما) يساعدنا على مباركة بعض التأثيرات التي لم نسمح لها بالظهور على الطاولة بعد. لكن تلك التأثيرات موجودة بداخلنا، تنتظر أن نستخدمها، وترغب في ذلك.

لأن كل ما أحببناه له تأثير أدبي.

على سبيل المثال، واحدة من أقوى التجارب التي مررت بها في هذا العمود ” 15ـ 20″ كانت مشاهدة فيلم الفك المفترس (مرارًا وتكرارًا، في سينمات مختلفة، عادةً بمفردي). لقد حفظت الفيلم بشكل أساسي. أتذكر، ذات مرة، أنني كنت جالسًا بين امرأه حامل ورجل عجوز جدًا، ومع اقتراب لحظة مرعبة بشكل خاص، قال أحدهم: “يا فتى إما أن نخسر واحدة أو نكسب واحدة”. ومع ذلك، يا لها من متعة أن تعرف كل حركة دقيقة في الفيلم وتكون قادرًا على مشاهدة رد فعل الغرفة المليئة بالمشاهدين لأول مرة.

ستحتاج إلى قارب أكبر= نصيحة كتابية حكيمة.

ما أقدره في الفك المفترس كان، على ما أعتقد، أنه كان يذهب إلى مكمن المشاعر؛ كان فعالا بشكل لا يصدق؛ كان يعرف أين تكمن قوته ويوجهها بشكل صحيح؛ لقد سعى لتحقيق الترفية؛ كان قادرا على جعل غرفة كاملة تصرخ في نفس الوقت، أو في مشهد إعادة غرق سفينة يو إس إن إنديانابوليس، جعل الغرفة تسقط في هدوء مميت مرة واحدة.

يصبح الشخص فنانًا في تلك اللحظة التي يدرك فيها أن للفن سلطة. باستشعار هذه السلطة، نريد المشاركة، نريد أن نتعلم كيف نكون مؤثرين بهذه الطريقة.(أتذكر، على سبيل المثال، مشاهدة والدي وهو يتشنج من الضحك وهو يشاهد «مونتي بايثون» ويفكر، «حسنًا»…)

أقدر كل تلك الصفات التي ذكرتها أعلاه من إعادة مشاهدة “الفك المفترس” والآن أنا أحاول دائمًا تكريمهم في عملي وفيما يبدو أنني كنت أقدرهم حتى قبل ذلك الوقت، قبل وقت طويل من كتاباتي. عندما نكون صغارًا ونستجيب لعمل فني، فإننا نكتشف من نحن والأشياء التي يجب أن نقدرها. وأظن أن هناك شيئًا عصبيًا حول هذا: يمكننا أن نقول أن هذا التمرين قد يخبرنا بشيء عن أساسياتنا الجمالية المعقدة.

3

لذا، فإن الفكرة هنا هي القيام بمسح سريع وممتع وخفيف وصادق لما حركك بالفعل على مر السنين قد يفتح بعض النوافذ في العقل الباطن وبالتالي يعمل كشكل من أشكال منح الإذن الذاتي.

ليس الأمر أنني، أثناء الكتابة، أقول لنفسي، «افعل شيئًا مثل الفك المفترس». لا يا إلهي. الأمر أكثر من ذلك، حيث أنه بعد أن باركت هذا التأثير (من خلال التعرف عليه)، فإن النتائج الطبيعية الداخلية لدي هي أكثر استعدادًا للتقدم ناحية الضوء في لحظات معينة أثناء الكتابة، حسب الحاجة.

المغزى هو أن كتابة قصة جيدة تأخذ كل ما لدينا وكل ما نحن عليه. نحن نميل إلى التفكير:« أنا المتحكم هنا، ومع ذلك سأحترم ما أحب وأؤمن به، حول الكتابة والفن والحياة». لكن، في تجربتي، هذه عقلية شديدة التحكم والسيطرة للغاية، معتقدة أنك أيها الكاتب ستقرر ما هو مطلوب لكتابة القصة، لكن في الواقع، القصة هي التي ستقرر مقدار ما تحتاج إليه. وما هو مطلوب لكي تكتب قصة جيدة: كل شيء، كل ما أنت عليه، حتى تلك الأجزاء التي لا تعجبك أو تستبعدها عادة.

………………………………..

*جورج سوندرز (1958) هو مترجم، وكاتب مقالات، وكاتب أمريكي، وبروفسور، وله العديد من القصص القصيرة وفازت روايته ” لينكون في البارود” بجائزة المان بوكر عام 2017.

 

 

مقالات من نفس القسم